فريق New Horizons يتجه نحو بُعدٍ جديد، ويتمكن من قياس الظلام الحقيقي للفضاء
ما مقدار ظلمة السماء ليلًا؟
إذا خرجت ليلًا دون وجود ضوء القمر ونظرت للأعلى قد لا ترى ظلامًا مطلقًا، وذلك إمّا بسبب أضواء الشوارع أو أضواء الشرفة القريبة منك والتي تملأ السماء بتوهج خلفي، خاصة إذا كانت تلك الأضواء نابعة عن مصابيح LED ذات لون أبيض مُزرق، ومن المرجح أن التلوث الضوئي في حيك لن يمكنك سوى من رؤية القليل من النجوم الساطعة.
حتى في المناطق التي تعتبر ريفية إلى حدٍّ ما، تكون سماؤنا ساطعة لدرجة أن مجرة درب التبانة لا يمكن رؤيتها، وفي أمريكا الشمالية وأوروبا حوالي ربع الأطفال فقط تمكنوا من رؤية المجرة.
ومن أجل الابتعاد عن تلوث الضوء، تحتاج السفر إلى ركن بعيد جدًا ومعزولٍ عن العالم.
تعتبر صحراء الأنديز في تشيلي واحدة من أكثر المناطق النائية، وإذا كان لديك فرصة لزيارة أحد المراصد الرئيسية هناك، ستتمكن عندها من أخد نظرة خاطفة على السماء الأكثر ظُلمة في العالم.
في ليلة بدون جود القمر ومجرة درب التبانة فوقك، سوف تتمكن حينها من رؤية بحر واسع من النجوم وظلال الأبراج السماوية مع توهجٍ متعدد الألوان لمركز المجرة.
حينها ستغرق السماء في ظلامٍ دامس لدرجة أن مجرة درب التبانة تلقي ظلًا خفيفًا يمكنك رؤيته بعد أن تتكيف عيناك على ذاك الظلام.
وذلك لا يعتبر ظلامًا دامسًا، حيث أن سماءنا لا تزال تبعث ضوءً خافتًا حتى في الليالي الأكثر ظلامًا، بسبب أشعة الشمس فوق البنفسجية والأشعة الكونية التي تأين طبقة الجو العليا للأرض.
هذا التوهج الخافت للسماء لا يلاحظ عندما ننظر مباشرة فوق رؤوسنا، لكنه موجود ويحد التلسكوبات الموجودة على سطح الأرض من الرؤية، حتى أفضل مراصدنا يتعين عليها التعامل مع التلوث الضوئي.
أطلقنا إلى الفضاء تلسكوبات تذهب بعيدًا عن طبقتنا الجوية، ولذلك يحصل تلسكوبي هابل وويب (Hubble and Webb) بشكل مؤكد على رؤية واضحة للسماء.
وعلى الرغم من أن صورهما مدهشة، إلا أنهما لا يلتقطان الصور الحقيقية لظلمة السماء، حيث أن الضوء الشمسي المنعكس لا يزال يشكل معضلة، فنظامنا الشمسي مليء بالغبار المتشتت وكل جسيم ينثر أو يعكس الضوء مرة أخرى نحو عالمنا.
وعلى الأرض يمكننا رؤية هذا اللمعان المنعكس كأضواء الأبراج، إنه خافت بالنسبة لأعيننا لكنه مرئي حتى من الفضاء، فالليل في الفضاء بين الكواكب مظلم ولكنه ليس مظلمًا بما فيه الكفاية.
وللحصول على رؤية حقيقية للسماء المظلمة، يجب علينا السفر إلى ما وراء الغبار، إلى أقصى طرف لنظامنا الشمسي، أي إلى ما بعد مدار بلوتو بكثير. فقد سافر مسباران لفويجرز (Voyagers) 1 و2 لتلك المسافة، وكذلك مسباران لبايونيرز (Pioneers) 10 و11، ولكننا فقدنا الاتصال بالبايونيرز منذ فترة طويلة، وبينما يمكننا التواصل مع فويجرز حتى الآن، إلا أنهما لا يستطيعان إرسال أيّ صور مفيدة لنا.
ولكن هناك مركبة فضائية بعيدة يمكنها القيام بذلك.
مركبة نيو هورايزونز (New Horizons) عبرت كوكب بلوتو في عام 2015، ثم عبرت جسم حزام كايبر أروكوث (Kuiper Belt Object Arrokoth)، وبذلك تكون الآن قد عبرت ضعف المسافة عن الشمس، ولا تزال كاميراتها تجمع المعلومات (الصور).
مؤخراً، حاول فريق نيو هورايزونز التقاط صور لظلام الكون، حيث وجهوا مركبة نيو هورايزونز نحو منطقة من السماء بعيدة جدًا عن مجرة درب التبانة والشمس والنجوم الساطعة، ثم قاموا بقياس كمية الضوء التي التقطتها الكاميرا.
وعند مقارنتها بالكمية التي التقطها هابل للسماء المظلمة، وجدوا أنها أغمق بالكمية المتوقعة، ولكن لا يزال هناك بعض الضوء الخافت الذي لا يستطيع الفلكيون تفسيره.
وإذا قمت بحساب كمية الضوء الخلفي المتوقع من المجرات البعيدة حتى الانفجار الكبير (Big Bang)، فإن نيو هورايزونز قد قاس ما يقرب من ضعف كمية هذا الضوء، ولذلك يخطط الفريق لمراقبة 15 موقعًا مظلمًا آخر خلال الشهر المقبل، على أمل رؤية الظلام المجرد للكون، أو التحقق من هذا الضوء الخافت الغامض.
وربما من خلال السماوات المظلمة سنتمكن من رؤية الضوء.
نشرت هذه المقالة بواسطة Universe Today
- ترجمة: منى اعجاز
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1