خبيرٌ يتتبّع تاريخ الزّمن منذ آلاف السّنين في الماضي
لقد قمت ذات مرّةٍ بترميم ساعةٍ تعود إلى خمسينيّات القرن الماضي لزبون كان يتغنّى بتعقيدات عملي -طوال الوقت يرفض الدّفع.
لقد امتنعوا عندما قدّمت لهم الفاتورة التي اتّفقنا عليها سابقًا. ثم استرسلوا في الحديث عن الطّبيعة الفلسفيّة للوقت، وهم لا يزالون يقاومون الدّفع.
وأثناء ذلك السّرد الحزين المتّجه نحو السّماء، رأيت السّاعة تنزلق من أيديهم وترتطم بالأرضيّة الرّخاميّة. تحطّم الزّجاج المعدنيّ وتطايرت الأيدي في دوّامة. تدفّقت أشعّة شمس الشّتاء الغاربة-أشعّتها حادّة الزّاوية التي تذكّرني كيف كان أسلافنا يحدّدون الوقت المنقضي.
كان الوقت مهمًا بما يكفي لأسلافنا حيث أنّهم بذلوا جهدًا كبيرًا لبناء نصبٍ تذكاريّ استثنائيّ من عصور ما قبل التّاريخ، Stonehenge. تمّ بناء الجزء الأوّل من هذا التّقويم الشّمسيّ الهائل حوالي 2200-2400 قبل الميلاد.
لكنّها أبعد من أن تكون فريدةً من نوعها-قد انتشرت المراصد الشّمسيّة البدائيّة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تلال تشانكيلو في بيرو (تمّ بناؤها في 200-250 قبل الميلاد) والتّرتيب الحجريّ للسّكّان الأصليّين الأستراليّين وردي يوانغ (العمر غير معروف).
المجتمعات في جميع أنحاء العالم، المتباعدة آلاف الأميال، أنشأت بشكلٍ مستقلّ مواقعَ للمساعدة في تحديد مرور الوقت.
إنّه في التّوقيت
عندما تطوّرت المجتمعات إلى مدن، أصبحت الإمبراطوريّات والدّول، والمجتمعات أكثر تمايزًا، وأصبح الوقت أكثر أهمّيّةً وتمّ تقسيمه إلى ساعات.
قام السّومريّون (4100-1750 قبل الميلاد) المتمركزون في بلاد ما بين النّهرين (العراق حاليًا) بحساب أنّ اليوم حوالي 24 ساعة وأنّ كلّ ساعة 60 دقيقة. استخدموا الشّمس والنّجوم والسّاعات المائيّة لتتبّع الوقت. تستخدم ساعات الماء التّدفّق التّدريجيّ للماء من وعاء إلى آخر لقياس الوقت.
كما قدّم المصريّون القدماء نظامًا زمنيًا مكوّنًا من 24 ساعة في الفترة بين عاميّ 1550-1069 قبل الميلاد. لكنّ طول هذه “السّاعات” تباينَ اعتمادًا على الوقت من العام -أطول في الصّيف من الشّتاء.
استندت مقاييس الوقت هذه على الشّمس، مع 12 جزءًا خلال ضوء النّهار، و12 جزءًا آخر خلال اللّيل. بدأ المصريّون في استخدام السّاعة الشّمسيّةلتمثيل هذا الوقت من 1000-800 قبل الميلاد. نظرًا لأنّ السّاعة الشّمسيّة لا يمكنها معرفة الوقت في اللّيل، فقد استخدموا ساعات الماء بعد حلول الظّلام.
في أوروبا، أصبح تطوّر قياس الوقت ضبابيًا بعض الشّيء على مرّ القرون في الفترة بين عاميّ 700-1300 بعد الميلاد، حيث تمّ تجميع جميع أجهزة معرفة الوقت في نفس الكلمة اللّاتينيّة، Horologium، في السّجلّات الأوروبيّة المكتوبة.
يزعم الاقتصاديّ والمؤرّخ ديفيد س. لاندس في كتابه، ثورة في الزّمن، أنّ الصّلوات المسيحيّة الرّهبانيّة كانت أكثر صرامةً مقارنةً باليهوديّة والإسلام، وذلك باستخدام السّماء لإملاء وقت الصّلاة عبر السّاعات الكنسية السّبع للكنيسة الكاثوليكيّة.
على سبيل المثال، كان من المفترض أن تُتلى SEXT (صلاة مسيحيّة تُدعى صلاة السّدس) في منتصف النّهار. أصبحت الفترة الزّمنيّة بين هذه الصّلوات الكنسيّة متساويةً في الطّول بسبب صرامة أوقات الصّلاة.
قد تكون السّاعات أيضًا أكثر أهميّةً في أوروبا الوسطى، لأّنه كان من الصّعب تتبّع الشّمس والنّجوم بسبب الطّقس السّائد.
وقت الصّلاة
على الرّغم من أنّنا لا نستطيع أن نكون متأكّدين من السّجلّات التّاريخيّة إذا كان الرّهبان هم الذين صنعوا السّاعات الميكانيكيّة الأولى، إلّا أنّنا نعلم أنّهم ظهروا لأوّل مرّة في القرن الرّابع عشر.
ذكرهم الأوّل في أطروحة الطّبيب وعالم الفلك والمهندس الميكانيكيّ الإيطاليّ جيوفاني دي دوندي Tractatus Astrarii، أو القبّة السّماوية. يذكر دي دوندي على أنّ السّاعات المبكّرة استخدمت الجاذبيّة كمصدر للطّاقة وكانت مدفوعةً بالأوزان.
لم تكن هذه السّاعات الدّقيقة التي نراها اليوم- ربّما كانت تحافظ على الوقت في حدود15-30 دقيقة في اليوم. بدأت هذه السّاعات المبكّرة في الظّهور في مراكز المدينة، لكن نظرًا لأنّها لم تكن تملك وجهًا، فقد استخدموا أجراس للإشارة إلى السّاعات. بدأت هذه الإشارات في تنظيم أوقات السّوق والاحتياجات الإداريّة لكلّ مدينة.
بدأت النّوابض الملفوفة كوسيلة لإطلاق الطّاقة للسّاعات في الظّهور في أوروبا في القرن الخامس عشر. هذا لم يفعل أيّ شيء لتحسين الدّقّة، لكنّه استطاع أن يقلّلَ من حجم السّاعة لذلك، أصبح الوقت شيئًا شخصيًا بالإضافة إلى كونه حالة كائنة-عليك فقط النّظر إلى اللّوحات الزّيتية حيث تُعرض ساعات الأشخاص بفخر.
قام العالم الهولنديّ كريستيان هويجنز بتطبيق البندول أوّلاً على مدار السّاعة في حوالي عام 1656. وقد عزّز ذلك من دقّتها إلى 15 ثانية في اليوم لأنّ كلّ تأرجح يستغرق الآن نفس الوقت تقريبًا لإكماله.
نتيجةً لذلك، يمكن استخدام الوقت بشكلٍ أكثرَ دقّة في الملاحظات العلميّة، بما في ذلك رصد النّجوم. وهذا يعني أيضًا أنّ السّاعات يمكنها إظهار عقرب دقائق دقيق.
تتبّع الوقت في أجزاء أخرى من العالم
في مكانٍ آخر من العالم، تعود بعض أجهزة التّتبّع الزّمنيّ إلى قرونٍ عديدة سابقة. في القرن الثّالث عشر، هناك أدلّةٌ على استخدام التّروس للتّحكّم في حركة المكوّنات في الأسطرلابات العربيّة-الأجهزة التي يمكن أن تحسب الوقت وتساعد الملّاحين على تحديد موقعهم.
وقبل وقتٍ طويل من ذلك، فإنّ آليةَ antikytheraاليونانيّة القديمة، التي تعتبر أوّل حاسوبٍ في العالم، مؤرّخة حوالي 100 قبل الميلاد (تمّ اكتشافها في عام 1901). هذان كلاهما جهازان تنبّأا بحركات الكواكب.
في هذه الأثناء في الصّين، كانت هناك ساعةٌ فلكيّة ل SU Song -التي يرجع تاريخها إلى عام 1088 ميلاديّ -والتي كانت تعمل بالماء. لذلك، في حين تمّ اختراع السّاعة في أوروبا في القرن الرّابع عشر، كانت المجتمعات العربيّة والصّينيّة أكثرَ تقدّمًا من النّاحية التّكنولوجيّة في هذا الوقت من نظيراتها المسيحيّة الغربيّة.
اليوم، أينما كنّا في العالم، يعدّ الوقت بنيةً موحّدة-ويستمرّ البحث عن قياسات دقيقة أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى. في عام 2021، حدّد العلماء فتراتٍ زمنيّة أقصر جديدة، وهو الزّبتوثانية، وهي المدّة التي يستغرقها جسيم الضّوء للمرور عبر جزيء من الهيدروجين.
في المجتمع الحديث، عادةً ما يتمّ تنظيم الوقت بالدّقيقة أو حتى الثّانية (فكّر في الجداول الزّمنيّة للقطار، أو كيفيّة توثيق المعاملات، أو تسجيل الأرقام القياسيّة في الرّياضة).
وهذا يغرس في أنفسنا هوسًا بالتّواجد في الوقت المحدّد. يرتّب الأشخاص لمقابلة صديق، ويسارعون إلى الوجهة عندما يتأخّرون دقيقة أو أكثر. ولكن في الحقيقة، ما هي بضع دقائق بين الأصدقاء؟
جاك برندرغاست، محاضرٌ في علم الهورولوجيا، جامعة مدينة برمنغهام.
يتمّ إعادة نشر هذه المقالة من المحادثة بموجب ترخيص المشاع الإبداعيّ. اقرأ المقال الأصليّ.
- ترجمة: ريمة جبارة
- المصادر: 1