فيزيائيّون يلتقطون شبحا محيّرا رباعيّ الأبعاد في مسرّع الجسيمات CERN
هناك طيفٌ يتردّد في أنابيب مسرّع الجسيمات في CERN.
في المسرّع الفائق للبروتونات، قام الفيزيائيّون أخيرًا بقياس وتحديد مقدار البنية غير المرئيّة التي يمكنها تحويل مسار الجسيمات الموجودة فيه، وخلق مشاكل لبحث الجسيمات.
يوصف بأنّه يحدث في فضاء الطّور، والذي يمكن أن يمثّل حالةً واحدة أو أكثر من نظامٍ متحرّك. وبما أنّ هناك حاجة إلى أربع حالات لتمثيل البنية، فإنّ الباحثين ينظرون إليه على أنّه رباعيّ الأبعاد.
هذه البنية هي نتيجة لظاهرة تعرف باسم الطّنين، والقدرة على تحديد مقدارها وقياسها تأخذنا خطوةً أقرب إلى حلّ مشكلةٍ عالميّة لمسرّعات الجسيمات المغناطيسيّة.
يقول الفيزيائيّ جوليانو فرانشيتي من معهد GSIفي ألمانيا: “مع هذا الطّنين، ما يحدث هو أنّ الجسيمات لا تتبع المسار الذي نريده بالضّبط ثمّ تطير بعيدًا وتضيع”. “يؤدّي هذا إلى انكسار الشّعاع ويجعل من الصّعب الوصول إلى بارامترات الشّعاع المطلوبة”.
يحدث الطّنين عندما يتفاعل نظامان ويتزامنان. يمكن أن يكون طنينًا ينشأ بين مدارات الكواكب أثناء تفاعلها الجاذبيّ في رحلتها حول نجم ما، أو شوكة رنّانة تبدأ بالطّنين بشكلٍ متناغم عندما تصطدم الموجات الصّوتيّة الصّادرة من شوكة رنّانة أخرى بأطرافها.
تستخدم مسرّعات الجسيمات أحجار مغناطيس قويّة تولّد مجالات كهرومغناطيسيّة لتوجيه وتسريع حزم الجسيمات إلى حيث يريدها الفيزيائيّون أن تذهب. يمكن أن يحدث الطّنين في المسرّع بسبب عيوب في المغناطيس، ممّا يخلق بنية مغناطيسيّة تتفاعل مع الجسيمات بطرقٍ إشكاليّة.
كلّما زادت درجات الحرّيّة التي يظهرها النّظام الدّيناميكيّ، أصبح وصفه رياضيًا أكثر تعقيدًا. عادةً ما تُوصَف الجسيمات التي تتحرّك عبر مسرّع الجسيمات باستخدام درجتيّ حرّيّة فقط، ممّا يعكس الإحداثيتين اللّازمتين لتحديد نقطة على شبكة مسطّحة.
يتطلّب وصف البُنى الموجودة فيها وضع خرائط لها باستخدام ميّزات إضافيّة في فضاء الطّور تتجاوز فقط الأبعاد من أعلى إلى أسفل ومن اليسار إلى اليمين؛ أيّ أنّ هناك حاجة إلى أربع بارامترات لتعيين كلّ نقطة في الفضاء.
يقول الباحثون إنّ ذلك شيء يمكنه بسهولة أن “يستعصي على حدسنا الهندسيّ”.
يقول فرانشيتي: “في فيزياء المسرّعات، غالبًا ما يكون التّفكير في مستوى واحد فقط”. ومع ذلك، من أجل وضع خريطة للطّنين، فإنّ شعاع الجسيمات يحتاج إلى قياس عبر المستويين الأفقيّ والرّأسيّ.
يبدو الأمر بسيطًا ومباشرًا، لكن إذا كنت معتادًا على التّفكير في شيء ما بطريقةٍ معيّنة، فقد يتطلّب الأمر مجهودًا للتّفكير خارج الصّندوق. استغرق فهم تأثيرات الطّنين على شعاع الجسيمات بضعَ سنوات، بالإضافة إلى بعض عمليّات المحاكاة الحاسوبيّة الضّخمة.
مع ذلك، فتحت تلك المعلومات الطّريق أمام فرانشيتي، جنبًا إلى جنب مع الفيزيائييّن هانيس بارتوسيك وفرانك شميدت من CERN، لقياس الشّذوذ المغناطيسيّ أخيرًا.
باستخدام أجهزة مراقبة موضع الشّعاع على طول المسرّع الفائق للبروتونات قاموا بقياس موضع الجسيمات لما يقارب 3000 شعاع. ومن خلال القياس الدّقيق لمكان تمركز الجسيمات، أو انحرافها إلى جانب واحد، تمكّنوا من تكوين خريطة للطّنين الذي يتردّد في المسرّع.
يقول بارتوسيك: “ما يجعل اكتشافنا الأخير مميّزًا للغاية هو أنّه يُظهِر كيف تتصرّف الجسيمات الفرديّة في الطّنين المزدوج”. “يمكننا إثبات أنّ النّتائج التّجريبيّة تتّفق مع ما تمّ التّنبّؤ به بناءً على النّظريّة والمحاكاة.”.
الخطوة التّالية هي تطوير نظريّة تصف كيف تتصرّف الجسيمات الفرديّة في وجود طنين المسرّع. ويقول الباحثون إنّ هذا سيمنحهم في النّهاية طريقةً جديدة للتّخفيف من تدهور الشّعاع، وتحقيق الحزم عالية الدّقّة المطلوبة لتجارب تسريع الجسيمات الحاليّة والمستقبليّة.
نُشِر بحث الفريق في مجلة Nature Physics.
- ترجمة: ريمة جبارة
- المصادر: 1