ما الذي يحدث في الدماغ البشري بعد تناول المهلوسDMT؟

يُدرس عددٌ متزايدٌ من المركبات المُخدّرة سريريًا لاستخدامها في معالجة بعض الأمراض العصبية كالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة PTSD.

ويعتبر عقّار DMT أو ثنائي ميثيل التربتامين من هذه المواد الكيميائية الواعدة في “نهضة المخدرات”.

مركب DMT هو مخدر، استعمل في الطقوس الدينية لآلاف السنين، يُنتَج طبيعيًا من أنواع نباتية مختلفة، وهو المكون الأساسي المخدر في الآياهواسكا (مشروب مُهلوِس).

صنّع الكيميائي ريتشارد مانسكي عام 1931 مركب DMT في المخبر من خلال التفاعلات الكيميائية، ولكن لم تُكتشف آثاره المُهلوّسة أو تُنشر حتى عام 1951.

يُسبب تناول DMT هلوسة قصيرة ولكن قوية، تستمر بضع دقائق فقط اعتمادًا على الجرعة، وهذا ما جعله مخدرًا مثيرًا للاهتمام، مقارنةً مع المركبات الأخرى من نفس الفئة، فالمدة القصيرة لتأثيراته تعد ميزة جذابة لاستخدامه كعلاج مخدر.

أجرت شركة التكنولوجيا الحيوية Small pharma، تجربة سريرية لاختبار التأثير الدوائي للتركيبة الصُنعية لDMT على المشاركين المصابين باضطراب الاكتئاب الشديد (MDD)، وأعلنت مؤخرًا عن نتائج إيجابية مبكرة، كما تُجرى أيضًا تجارب أخرى وفقًا لموقع https: //clinicaltrials.gov/ تهدف إلى تقييم أمان وفعالية وتحمل DMT لدى المشاركين الأصحاء، والمصابين بالسكتة الدماغية، والذين يعانون من اضطراب تعاطي الكحول، وحالات أخرى غيرها.

ليس من الواضح تمامًا حتى الآن كيف يغير DMT وظيفة الدماغ، ويُسبب تلك التأثيرات المُلاحظة في التجارب السريرية، رغم أن دراسة حديثة أجراها علماء في جامعة إمبريال في لندن، قد ألقت بعض الضوء على ذلك، إذ أشرف كريس تيمرمان، وهو دكتور في مركز أبحاث أدوية التخدير في إمبريال، على بحث جمع فيه بين التخطيط الكهربائي للدماغ EEG والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI، لاكتشاف تأثيرات DMT على الدماغ البشري، وقد نُشر هذا البحث في مجلة PNAs.

ما هي تقنيات EEG وfMRI؟

تعتبر تقنية EEG شكل من أشكال المراقبة الكهروحيوية غير الباضعة (لا تتطلب إدخال أدوات في الجسم) التي تقيس النشاط الكهربائي أو ما يشار إليه أيضًا بالموجات الدماغية، التي يولّدها عن طريق الأقطاب الكهربائية الموضوعة على فروة الرأس، فعندما تستثار الخلايا العصبية معًا، تولد حقل كهربائي ينتشر بسرعة عبر الأنسجة والعظام وفروة الرأس، ويُكشف عن هذا النشاط بواسطة الأقطاب الكهربائية، ثم يُسجل ويحوّل إلى شكل رقمي وأخيرًا تُضخّم الإشارة المكتشفة.

وتعد هذه التقنية ذات دقة زمنية عالية، أي أنها تمكننا من معرفة التغيرات التي تحدث في الدماغ بدقة مع مرور الوقت، وهذا مهم لفهم ديناميكيات النشاط الدماغي، أما دقتها المكانية، فهي ضعيفة نوعًا ما، أي أن تقنية EEG تفشل في إعطاء بيانات حول مكان حدوث تغيرات النشاط الدماغي.

أما تقنية fMRI فهي لا تقيس ردود الأفعال الكهربائية، كما هو الحال في تقنية EEG، بل هي تقنية ترتكز على مبدأ أنه كلما كانت المنطقة الدماغية أكثر نشاطًا، كلما زادت كمية الدم المتدفق إليها. تقيس تقنية fMRI تغيرات تدفق الدم والأكسجة في مناطق دماغية مختلفة، ونتيجةً لذلك، توفر دقة زمانية مكانية عالية.

وجُمع بين التقنيتين السابقتين للتغلب على القيود الزمانية والمكانية عند استخدام كلًا منها على حدة، فكانت تقنية EEG-fMRI، التي تعد تقنية متكاملة في علم الأعصاب الإدراكي، لتصوير عصبي متعدد الوسائط للدماغ.

لم تكن دراسة تيمرمان وزملاؤه الدراسة الأولى لتصوير دماغ إنسان تحت تأثير المخدرات، إلا أنها الأولى في دمج تقنيتي EEG وَ fMRI لتصوير الدماغ أثناء مروره بتجربة مخدرة شيقة للغاية.

وقال البروفيسور روبن كارهات هاريس، كبير مؤلفي الدراسة: “جمع العمل الحالي بين طريقتين متكاملتين لتصوير الدماغ تصويرًا متعدد الوسائط، بالاعتماد على أبحاثنا السابقة المتعلقة بالمخدرات، وبناءً عليها”.

وتابع كارهات هاريس، وهو الآن بروفيسور في علم الأعصاب، في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو. قائلًا: “تمكنّا بعد استخدام تقنية fMRI من رؤية الدماغ بأكمله، بما في ذلك أعمق المناطق، كما سمح استخدام تقنية EEG بفحص النشاط الإيقاعي للدماغ بدقة بالغة”.

اختبار تأثيرات DMT على الدماغ

اختار فريق العمل في جامعة إمبريال، 20 فرد للمشاركة في التجربة، بعد تقييمات أولية ضمنت استيفاء معايير الصحة العقلية والجسدية من أجل الدراسة، كان متوسط أعمارهم 33.5 عام.

زار المشاركون مركز التصوير السريري في جامعة إمبريال مرتين، بينهما فاصل أسبوعين.

تألفت الجلسة الأولى من فحص EEG-fMRI متواصل لمدة 28 دقيقة، والمشارك في وضع الراحة، ثم أعطي المشاركون DMT أو دواء وهمي بعد 8 دقائق، وبحسب شرح تيمرمان وزملاؤه: في هذه الجلسة الأولية، أعطي المشاركون وريديًا، إما دواء وهمي (10 مل محلول ملحي معقم) أو (20 ملغ DMT على شكل فومارات مذابة في 10 مل محلول ملحي معقم) خلال 30 ثانية، ثم حُقن المشاركون ب10 مل من المحلول الملحي لمدة 15 ثانية، وكانت طريقة الإعطاء بالموازنة (تلقى نصف المشاركين دواء وهمي، والنصف الآخر DMT).

ما معنى الموازنة؟ بأبسط العبارات، نستخدم الموازنة لضمان أن التأثيرات المُلاحظة في دراسة ما، ليست ناتجة عن الترتيب الذي ظهرت فيه التداخلات.

وبعد الفحص، طُلب من المشاركين تعبئة استبيان، مصمم لتقييم التأثيرات الشخصية التي مروا بها.

في الجلسة الثانية، كُررت نفس خطوات الأولى، باستثناء أنه طُلب من المشاركين تقييم شدة الدواء بصوت مسموع كل دقيقة خلال الفحص. وقال الباحثون: “تشير هذه المقالة إلى النتائج المتعلقة بالفحص في حالة الراحة، والتي لم يُطلب فيها تقييم الشدة، ومع استخدام الشدة التي جُمعت في عمليات فحص أخرى (لم تُدرس) كمتغيرات للتحليلات الديناميكية EEG وَFMRI”.

يحطم DMT شبكات الدماغ المعزولة المسؤولة عن النشاط

وجد الباحثون أن مادة DMT قد أثارت تغييرات داخل مناطق دماغية مختلفة وفيما بينها، ففي الحالات الطبيعية، يكون نشاط الدماغ معزولًا في شبكات خاصة، وبعد إعطاء DMT، تحطمت حدود هذه الشبكات، مما أدى إلى ما يصفه المؤلفون بالاتصال الوظيفي الشامل.

ومقارنةً مع الدواء الوهمي، يقلل إعطاء DMT بشكل كبير من سلامة الجزء الداخلي لكل الشبكات في حالة الراحة، باستثناء الشبكتين البارزة والحوفية.

وكانت تغيرات النشاط أكثر وضوحًا في المناطق الدماغية المرتبطة مع وظائف عالية المستوى مثل التخيل.

ومن خلال تسجيل بيانات EEG، وَFMRI في وقت واحد، تمكن الباحثون من دراسة كل تغيير في أنواع النشاط الكهربائي الناتجة عن الدماغ بالتزامن مع قياس fMRI للاتصال الوظيفي.

قال كارهارت هاريس: “كشفت النتائج التي توصلنا إليها أنه قد حدث خلل ملحوظ في بعض إيقاعات الدماغ حين تناول المتطوع لعقار DMT، التي تكون عادةً سائدة، وتحول الدماغ في أسلوب عمله إلى شيء أكثر فوضوية تمامًا”، وأضاف: “سيكون من الرائع متابعة هذه الأفكار في السنوات القادمة، إذ أثبتت المخدرات أنها أدوات علمية مفيدة للغاية، لتعزيز فهمنا لكيفية ارتباط نشاط الدماغ في حالة الوعي”.

  • ترجمة: ريتا ابراهيم
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1