ما هو الإنتان الدموي وكيف يمكن علاجه؟

يحدث الإنتان الدموي المعروف بتسمُّم الدم نتيجةً للعدوى والتي غالبًا ما تكون بكتيرية. تدخل البكتيريا إلى مجرى الدم عن طريق جرحٍ مفتوح، أو تنتقل من جزءٍ آخر من الجسم بعد إجراء العمليات الجراحية، أو حتى نتيجة عدوى المسالك البولية. يتم الإبلاغ عن أكثر من 15700 حالة جديدة من حالات الإنتان الدموي كلّ عام في أستراليا، كما يُتوفّى أكثر من 500 شخصٍ من بين هؤلاء، وقد يحتاج بعض الناجين إلى بتر أطرافهم ويُصابون بإعاقةٍ دائمة. تبلغ تكلفة الدخول إلى وحدة العناية المركّزة لعلاج الإنتان الدموي 40 ألف دولار أسترالي تقريبًا. ولكن وفقًا لدراسةٍ استقصائيةٍ أستراليةٍ حديثة، فإنّ 40% فقط من الناس سمعوا عن الإنتان الدموي، كما أنّ عددًا أقلّ يعرف ما هي هذه الحالة.

يزداد وعي المزيد من الناس حول الإنتان الدموي عالميًا، إلا أنّه لا يزال هُناك طريقًا طويلًا لنقطعه. إذا عَلِم المزيد من الناس وخصوصًا المهنيين الصحيين عن هذا المرض، فمن المُرجّح أن نشخّص الحالة مبكرًا ونتدخل مبكرًا، الأمر الذي يحسّن معدل البقاء على قيد الحياة.

أصبحت الحاجة إلى إيجاد علاجٍ أمرًا مهمًا بالتزامن مع ظهور البكتيريا المُقاوِمة للصّادات الحيوية وارتفاع معدل الشيخوخة، إذ أن معدل المرض والوفاة بسبب الإنتان الدموي لم ينخفض خلال العقود السابقة مثل الأمراض المعدية الأُخرى بالرغم من وجود خياراتٍ علاجيةٍ متنوعة.

يحدث الإنتان الدموي على مرحلتين:

تبدأ المرحلة الأولى عندما تدخل العدوى إلى مجرى الدم ويُطلق على هذه المرحلة تسمّم الدم septicaemia. يتفاعل جهاز المناعة في الجسم بشكلٍ كثيف وتُدعى هذه العملية بالالتهاب المفرط أو الصدمة الإنتانية، والتي ينتج عنها فشل أعضاءٍ متعددة. تستمر هذه المرحلة عادةً لمدة سبعةِ إلى عشرة أيامٍ أو أكثر، وذلك وفقًا لشدّة العدوى.

إذا لم يتم اكتشاف الحالة وعلاجها خلال هذه المرحلة، فستتبعها مرحلة الشلل المناعي. حيث يفشل الجهاز المناعي في هذه المرحلة بمحاربة العدوى بشكلٍ فعّال. تمثل هذه المرحلة الثانية الغالبية العظمى من الوفيات المرتبطة بالإنتان.

يصيب الإنتان الدموي أيّ شخص، ولكنّه أكثر خطورةً بالنسبة لكبار السن والحوامل والأطفال دون العام الواحد، ومرضى ضعف الجهاز المناعي مثل الأطفال المبتسرين والأشخاص الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة مثل مرض السكري. يتعرّض المرضى في وحدات العناية المركّزة بشكلٍ خاص لانتكاسٍ بالعدوى والتي يُمكن أن تؤدي بعد ذلك إلى الإنتان الدموي.

الأعراض والعلاج:

تختلف المسببات المرضية للإنتان، إذ تمثل البكتيريا 80% تقريبًا من الحالات، وتساهم الفطريات والفيروسات المرضية في الباقي. لذلك لا تتطابق الأعراض دائمًا، وغالبًا ما تتداخل مع حالات العدوى الشائعة الأُخرى. يتم تشخيص إصابة الشخص بالإنتان الدموي إذا كان لديه عدوى مؤكّدة مترافقة مع انخفاض ضغط الدم الانقباضي دون ال 100 ملم زئبقي، وارتفاع في درجة الحرارة أو انخفاضها، وهذيان وزيادة معدّل التنفّس.

يشمل العلاج غالبًا الصّادات الحيويّة بالإضافة إلى غسيل الكلى. وذلك لأنّ الكلى هي إحدى الأعضاء التي تتأثر غالبًا عندما يُصاب شخصٌ ما بالإنتان الدموي.

تم تجربة طرقٍ علاجيةٍ أُخرى مثل تنقية الدم عن طريق إزالة السموم الداخلية (منتجات جدار الخلية البكتيرية التي تؤدي إلى الاستجابة المناعية) ولكن دون نجاحٍ يُذكر. يرجع ذلك على الأرجح إلى فشل هذه الأساليب في إزالة العوامل المعدية المخبّأة في أنسجة الجسم. كما تم الإبلاغ عن علاجاتٍ بديلة مثل فيتامين د ولكن لم يثبت أنّها تقدّم أيّ فوائد سريرية.

يختار العديد من الأطباء العلاج بالكورتيكوستيروئيدات. لم يُظهر العلاج بالستيروئيدات أيّ انخفاضٍ في معدلات الوفيات على الرغم من أنّه قلّل من الوقت الذي يقضيه المرضى في وحدات العناية المركّزة. والأكثر أهميةً أنّ الكورتيكوستيروئيدات تقلل الالتهاب وتخفّض بشكلٍ حاد من عدد الخلايا المناعية اللازمة لمكافحة العدوى.

لم يتغير معدل انتشار الإنتان أو معدلات الوفاة في أستراليا على مدى العقود الثلاثة الماضية بالرغم من علاجات العناية المركّزة المتضمنة الصّادات الحيوية، بل ارتفع كلاهما بالفعل بشكلٍ طفيف بسبب ظهور البكتيريا المقاومة للأدوية وارتفاع معدل الشيخوخة.

دعا خبراء أستراليون مؤخرًا إلى وضع خطةِ عملٍ محلية بهدف الحد من الوفيات والإعاقة بسبب الإنتان. ستكون هذه خطوةً إيجابية لجذب المزيد من الاهتمام لهذه الحالة. لكنّ الحد من الضرر الذي يسبّبه الإنتان يعتمد أيضًا على التقدّم في العلاج.

وصلت العلاجات الدوائية التجريبية للإنتان إلى مفترق طرق، إذ فشلت أكثر من 100 تجربة دوائية حول العالم في إظهار أيّة فائدةٍ على مدار الثلاثين عامًا الماضية.

كان العامل المشترك بين كلّ هذه التجارب هو أنّ هذه العلاجات استهدفت المرحلة الالتهابية الأوليّة للإنتان. لكنّ هذه المرحلة تمثل أقل من 15% من جميع الوفيات المرتبطة بالإنتان. كما ينتبه جهاز المناعة لدينا في هذه المرحلة إلى الإصابة بالعدوى. وإذا تم تثبيطه تمامًا باستخدام الستيروئيد فلن يتعرف الجسم على وجود عدوى.

لقد حوّل الباحثون الآن جهودهم إلى تحديد الآليات الجزيئية التي تؤدي إلى مرحلة الفشل المناعي ضد الإنتان. يساهم الفهم الأفضل لهذا الأمر في تطوير علاجاتٍ مناعيةٍ جديدة تستهدف المرحلة الثانية من الحالة.

لقد حان الوقت لقياس نجاح علاج الإنتان من خلال عدد الأرواح التي تم إنقاذها بدلًا من التكلفة التي يتم توفيرها وتقليل الوقت الذي يقضيه المرضى في وحدات العناية المركّزة.

  • ترجمة: مجد علي
  • تدقيق علمي ولغوي: هنا نصري
  • المصادر: 1