كيف يتحكّم مصمّمو الألعاب سرًا بحياتك؟
لقد أسرت الألعاب عقول الناس منذ القدم وهي الآن تتحكم بحياتنا.
اعتبرت الترانيم الهندية القديمة ألعاب النرد كالأدوية المخدرة. وبعد ثلاثة آلاف عام، عجّل افتتاح أول صالة قمار في عصر النهضة الإيطالية بانهيار الطبقة الحاكمة التي ساهمت بإفلاس نفسها بالقمار.
يمكننا تعلم وفهم الكثير عن طبيعتنا البشرية بدراسة ما يستهوينا، إذ استحوذت الألعاب على عقول الناس لآلاف السنين، وفي العصر الحالي يضاهي حجم سوق الألعاب حجم جميع وسائل الترفيه الأخرى مجتمعة. لكن في بعض الأحيان يهمّش اللعب باعتباره شيئًا غير مهمًا، ولكنه في تطوّر مستمر منذ القدم: إذ وُجِد أن معظم الثدييات وبعض الطيور، والزواحف، والأسماك وحتى الحشرات كانت تلعب.
تعدّ دراسة الألعاب واحدة من أصعب دراسات علم الأعصاب نظرًا لعدم القدرة على كبحها؛ فإذا قمت بإزالة القشرة المخية لفأر بالكامل، وهو الجزء المسؤول عن الذكاء العالي، سيستمر الحيوان باللعب.
ولكن، لماذا يتأصل هذا السلوك تأصلًا كبيرًا؟ يبني المخ نماذج عن العالم ليتنبأ بالأحداث، أما الألعاب فتُبنى على الغموض وعدم التأكد. فالأحداث غير المتوقعة ساحرة لأن عدم القدرة على توقعها يعني غياب شيئ ما في النموذج الذى بناه المخ عن العالم. إن عدم التأكد يرفع لافتة تشير لوجود المزيد لنتعلمه.
فنجد أن الأطفال يتوقفون عن لعب تيك تاك تو بمجرد معرفتهم لطريقة اللعب الصحيحة، والتي دائمًا تنتهي بالتعادل. فمن خلال اللعب نتعلم كيف نتعامل مع المجهول.
كما نجد أن معظم الحيوانات تلعب لتستكشف طبيعة عمل بيئتها، بينما تلعب الحيوانات الاجتماعية لفهم بعضها البعض. فعند عزل صغار الفئران عن أقرانها، رصد العلماء إشارات عن مدى تداخل اللعب بتطور المخ. أما بالنسبة للفئران البالغة، فقد حفّز الحرمان من اللعب رغباتها العدوانية وجعلها أقل قدرة لاتباع أدوار أقرانها الاجتماعية.
يعد اللعب الوسيلة التي نستخدمها للتوافق واكتشاف روابطنا مع الأخرين. فعلى سبيل المثال، تتعلم القطط الصغيرة كيف تسحب مخالبها وتعض بطريقة لا تؤذي. إنها تتعلم: كيف يمكن جذب انتباه الأصدقاء بدون أذيتهم؟ كما تتعلم: ما مقدار القوة اللازمة لحمل صغارها في المستقبل من مؤخرة عنقها دون أذيتها؟
قبل دراسات علماء الأعصاب عن دور الألعاب في التعليم المجتمعي بعقود، زعم أرسطو أن الألعاب تلعب دورًا حيويًا في تعليم الأطفال اتباع القواعد، واحترام القوانين كمواطنين في المستقبل. في حين آخر، كان على الطبقة الأرستقراطية في العصور الوسطى تعلم الشطرنج، لاعتقادهم أنه مرآة لشخصية المرء، وليعرفوا المزيد عن أنفسهم.
وبالمثل، اشتهر الفلاسفة بالألعاب قديمًا لشحذ فطنة اللاعبين. إذ كان هدف الألعاب التنافسية الأخير التعاون، لأنها تدرب على إطاعة القوانين وتحقيق أهداف تعسفية بطرق مباحة وممنوعة اجتماعيًا. لهذا تعد الألعاب نوعًا من الترويض. فباعتبار الألعاب أداة اجتماعية قوية، لا يمكننا التفاجؤ عندما نجدها وسيلة لتوصيل الدروس الأخلاقية. فقد ابتكر قديس هندي لعبة السلم والثعبان لتوضيح كيف تعمل الكارما، وعلّمت لعبة اللوح القديمة سينيت اللاعبين المصريين كيفية تسيير الحياة الآخرة.
ونجد أن منزل السعادة يعلم أطفال العصر الفكتوري كيف أن الفضيلة والرذيلة يمكن أن تغير مسار حياتهم.
تجبرنا الألعاب على التفكير بالآخرين وأخذ رغباتهم في الحسبان والتفكير في كيفية محاولتهم الحصول عليها، علمًا أن ذلك يرسي أسس التعاطف إلا أنه يختلف عنه.
كما أظهرت الألعاب ما يبدو أنها حقائق مؤكدة عن الواقع. فعندما شاعت صالات القمار قديمًا في عصر النهضة الأوروبية، درس المقامرون الباحثين عن حد للقمار آلية عمل أحجار النرد. لقد كُلّلت جهودهم لحساب القمار بنجاح باهر بميلاد واحدة من أولى وأكثر نظريات علم التجريبية نجاحًا وهي نظرية الاحتمالات. من ثم دُرست الصدفة وصُنّفت منهجيًا مع الاعتقاد بأنها تعكس نزوات الإله، واعتقد أنها عملت وفقًا للقوانين. إن إمكانية إضفاء الطابع الرسمي على عدم القدرة على التنبؤ برميات النرد كان أمرًا ثوريًا.
وكما استخدمت اللغة للتعبير عن ما لا نعرفه، ساهمت نظرية الاحتمالات في الثورة العلمية. ومع هذا، تعتبر العشوائية في أحجار النرد أقل عشوائية من تلك الموجودة في المناسبات الحقيقية. وعلى الرغم من أن هذه العشوائية تبدو كمعضلة تجريدية، إلا أنه يعتقد أنها مسؤولة جزئيًا عن معضلة التكرار في العلوم، لأنه يمكن للباحثين استخدام احصائيات عن طريق الخطأ تناسب أجزاء اللعبة بشكل أفضل لتشكيل نتائج تجاربهم.
يستخدم اليوم عالم الأعمال الإحصائيات كاللغة السائدة، بينما تقدمها المشروعات الاقتصادية كمراهنات، ويتشعّب تطبيقها داخل أسواق بورصة العصر الحالي وأيضًا داخل مشتقاتها المالية التي لا تحصى، وتتجذر الصلة بينها إلى أعمق من ذلك.
فكما لعبت الألعاب دورًا مهمًا في تشكيل تصرفاتنا، لقد دخلت أيضًا في تصميم العديد من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة. فالآن، يحدّد تصميم الألعاب الإعلانات التي تظهر أثناء تصفح الأخبار، ويحدد كيف نتوافق مع الوظائف المحتملة.
يزعم مصمم الألعاب Reiner Knizia أن نظام تسجيل الأهداف يعد عنصرًا مهمًا عند تصميم الألعاب لأنه يحدد كيفية لعب اللعبة، ومع تعزيزالمكافئات، يتحكم مطوّرو الألعاب بسلوك اللاعبين لجعل تلك الألعاب تعمل كما خُّطط لها. فعلى سبيل المثال، يجب على اللاعب في الألعاب الأحادية أن يتصرف كرأس مالي متوحش للفوز بغض النظر عن اعتقاداته الشخصية.
تتغلل الألعاب المصممة من قبل الشركات في حياتنا، وتظل قواعد تلك الألعاب مخفية عنا. ولهذا يعتبر من المهم أن نفهم كيف تؤثر تلك الألعاب علينا لنستطيع التفرقة بين قيمنا الشخصية وبين تلك الخاصة بمصممي الألعاب، وإلا ستلعب بنا الألعاب عوضًا عن أن نلعب نحن بها.
- ترجمة: زينب محمد عوض
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1