سائل حيوي يحمي أهم عضو في جسمك. ماذا يحدث إذا فشل؟
السائل الدماغي الشوكي، أو CSF، هو سائل صافٍ عديم اللون له دورٌ حيويٌّ في الحفاظ على صحة ووظيفة الجهاز العصبي المركزي. يعمل على امتصاص الصدمات التي يتعرض لها الدماغ والحبل الشوكي، كما أنه يمد خلايا الجهاز العصبي المركزي بالمواد المغذية ويخلصها من النفايات.
ورغم أهميته، فإن المشاكل المتعلقة بالسائل الدماغي الشوكي تمر غالبًا دون أن يلاحظها أحد حتى يحدث خطأ ما.
أنا طبيب أعصاب متخصص في الصداع. في عملي لعلاج المرضى الذين يعانون من اضطرابات ضغط السائل الدماغي الشوكي، رأيت هذه الحالات تتجلى بطرق مختلفة كثيرة. إليكم ما يحدث حين يتوقف السائل الدماغي الشوكي عن العمل.
ما هو السائل الدماغي الشوكي؟
يتكون السائل الدماغي الشوكي من الماء والبروتينات والسكر والأيونات والناقلات العصبية. إنتاجه الرئيسي بواسطة شبكة من الخلايا تسمى الضفيرة المشيمية، والتي تقع في البطينات الدماغية أو التجويفات.
تنتج الضفيرة المشيمية حوالي 500 ملليلتر من السائل الدماغي النخاعي يوميًا، ولكن لا يوجد إلا حوالي 150 ملليلتر داخل الجهاز العصبي المركزي في أي وقت معين بسبب الامتصاص المستمر والتجديد في الدماغ.
هذا السائل يتدفق عبر بطينات الدماغ والقناة المركزية للحبل الشوكي والفضاء تحت العنكبوتية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي.
يؤدي السائل الدماغي الشوكي (CSF) عدة وظائف حيوية. فهو يحمي الدماغ والحبل الشوكي من الإصابة عن طريق امتصاص الصدمات. كما أن تعليق الدماغ في هذا السائل يقلل من وزنه الفعال ويمنعه من أن يُسحق تحت كتلته الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، يساعد السائل الدماغي الشوكي في الحفاظ على بيئة كيميائية مستقرة في الجهاز العصبي المركزي، مما يسهل إزالة النفايات الاستقلابية وتوزيع العناصر الغذائية والهرمونات.
حين يتعطل إنتاج السائل الدماغي الشوكي أو دورانه أو امتصاصه، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل صحية كبيرة. ومن بين الحالات البارزة تسرب السائل الدماغي الشوكي وارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة مجهول السبب.
تسرب السائل الدماغي الشوكي (CSF)
يحدث تسرب السائل الدماغي الشوكي حين يتسرب السائل بسبب تمزق أو ثقب في الأم الجافية – الطبقة الخارجية الصلبة للسحايا التي تحيط بالدماغ والحبل الشوكي.
يمكن أن تتضرر الأم الجافية من إصابات الرأس أو تُثقب أثناء الإجراءات الجراحية التي تتضمن الجيوب الأنفية أو الدماغ أو العمود الفقري، مثل الوخز القطني، أو التخدير فوق الجافية، أو التخدير الشوكي، أو التصوير الشعاعي للنخاع الشوكي. ويمكن أن تحدث تسربات السائل الدماغي الشوكي التلقائية أيضًا دون أيّ سبب قابل للتحديد.
كان يُعتقد في الأصل أن تسربات السائل الدماغي الشوكي نادرة نسبيًا، حيث بلغت نسبة الإصابة السنوية المقدرة 5 لكل 100،000 شخص. ومع ذلك، مع زيادة الوعي والتقدم في التصوير، يكتشف مقدمو الرعاية الصحية المزيد والمزيد من التسربات. تميل إلى تكرر حدوثها أكثر لدى البالغين في منتصف العمر وهي أكثر شيوعًا لدى النساء أكثر من الرجال.
تشمل عوامل خطر الإصابة بالمرض اضطرابات النسيج الضام مثل متلازمة إهلرز-دانلوس وكذلك متلازمة عدم انتظام ضربات القلب الانتصابي الوضعي.
للأسف، من الشائع أن يخطئ مقدمو الرعاية الصحية في تشخيص تسرب السائل الدماغي الشوكي على أنه حالة أخرى، مثل الصداع النصفي أو التهابات الجيوب الأنفية أو الحساسية. ما يمكن أن يجعل تشخيص تسرب السائل الدماغي الشوكي أمرًا صعبًا هو الأعراض الواسعة النطاق.
يعاني معظم الأشخاص الذين يعانون من تسرب السائل الدماغي الشوكي من صداع مرتبط بالوضعية، يتحسن حين الاستلقاء ويزداد سوءًا حين الوقوف. ويكون الشعور بالألم عادةً في مؤخرة الرأس وقد يشمل الرقبة وبين لوحي الكتفين.
إضافةً إلى الصداع، قد يعاني المرضى من طنين في الأذنين، واضطرابات في الرؤية، ومشاكل في الذاكرة، وضبابية الدماغ، والدوخة، والغثيان.
قد يساعد التصوير في توجيه التشخيص، بما في ذلك التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ أو العمود الفقري كاملًا، أو تصوير النخاع للمساحة المحيطة بالحبل الشوكي. تشمل سمات تسرب السائل الدماغي الشوكي المرئية في الفحص ترهل الدماغ في قاعدة الجمجمة إضافةً إلى تجمع السوائل خارج الأم الجافية.
مع ذلك، يقدر أن 19% من الأشخاص الذين يعانون من تسرب السائل الدماغي الشوكي يمكنهم إجراء فحوصات طبيعية، لذا فإن عدم رؤية علامات التسرب في التصوير لا تستبعده تمامًا.
يتضمن العلاج المحافظ لتسرب السائل الدماغي الشوكي الراحة والاستلقاء وزيادة تناول السوائل لإعطاء العمود الفقري الوقت لشفاء الثقب. يمكن أن تساعد زيادة استهلاكك للكافيين إلى ما يعادل ثلاثة إلى أربعة أكواب من القهوة يوميًا أيضًا عن طريق زيادة إنتاج السائل الدماغي الشوكي من خلال تحفيز الضفيرة المشيمية.
كما يخفف الكافيين من الألم عن طريق التفاعل مع مستقبلات الأدينوزين، والتي تعد من العناصر الرئيسية في آليات إدراك الألم في الجسم.
إذا لم ينجح النهج المحافظ، فقد تكون رقعة الدم فوق الجافية ضرورية. في هذا الإجراء، يُسحب الدم من ذراعك ويُحقن في العمود الفقري. يمكن أن يساعد الدم المحقون في تكوين غطاء فوق الفتحة وتعزيز عملية الشفاء.
يمكن أن يتحسن الصداع بسرعة، ولكن إذا لم تنجح الرقعة أو كانت النتائج قصيرة الأمد، فقد تكون هناك حاجة إلى اختبارات إضافية لتحديد أفضل لموقع التسرب. في حالات نادرة، قد يوصى بالجراحة. يستجيب معظم المرضى الذين يعانون من تسرب السائل الدماغي الشوكي لبعض أشكال هذه العلاجات.
ارتفاع الضغط داخل الجمجمة مجهول السبب
ارتفاع الضغط داخل الجمجمة مجهول السبب هو اضطراب يتضمن زيادة في السائل الدماغي الشوكي الذي يرفع الضغط داخل الجمجمة ويضغط على الدماغ. يشير مصطلح “مجهول السبب” إلى أن سبب ارتفاع الضغط غير معروف.
يعاني معظم المرضى الذين يعانون من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة مجهول السبب من تاريخ من السمنة أو زيادة الوزن الحديثة. تشمل عوامل الخطر الأخرى تناول بعض الأدوية مثل التتراسيكلين وفيتامين أ المفرط والتيريتينوين والستيرويدات وهرمون النمو.
من المرجح أن تُشخّص النساء البدينات في منتصف العمر بارتفاع الضغط داخل الجمجمة مجهول السبب 20 مرة أكثر من مجموعات المرضى الأخرى. مع زيادة انتشار السمنة، يزداد أيضاً انتشار هذه الحالة.
يعاني المرضى المصابون بارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة مجهول السبب عادةً من الصداع وتغيرات الرؤية أو طنين الأذن أو آلام العين. وتورم القرص البصري هو العلامة المميزة للفحص القاعي للجزء الخلفي من العين. وقد يلاحظ الأطباء أيضاً شلل عضلات عين المريض.
يعد تصوير الدماغ للمرضى المشتبه في إصابتهم بارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة مجهول السبب أمرًا بالغ الأهمية لاستبعاد الأسباب الأخرى لارتفاع ضغط السائل الدماغي الشوكي، مثل أورام المخ أو جلطات الدم في المخ. كما أن البزل القطني أو الوخز الشوكي لقياس ضغط وتركيب السائل الدماغي الشوكي أمر أساسي للتشخيص.
نظراً لأن ارتفاع الضغط داخل الجمجمة يمكن أن يتلف العصب البصري ويؤدي إلى فقدان البصر الدائم، فإن الهدف الأساسي من العلاج هو تقليل الضغط والحفاظ على العصب البصري. تشمل خيارات العلاج فقدان الوزن والتغييرات الغذائية والأدوية لتقليل إنتاج السائل الدماغي الشوكي. يمكن للإجراءات الجراحية أيضًا تقليل الضغط داخل الجمجمة.
اتجاهات المستقبل والمجهولات
يعتبر السائل الدماغي الشوكي ضروريًا لصحة الدماغ. ورغم التقدم في فهم الأمراض المرتبطة بالسائل الدماغي الشوكي، لا تزال العديد من الجوانب غير واضحة.
لم تُفهم الآليات الدقيقة التي تؤدي إلى حالات مثل تسرب السائل الدماغي الشوكي وارتفاع الضغط داخل الجمجمة مجهول السبب، رغم وجود العديد من النظريات.
يعد البحث الإضافي ضروريًا لتحسين دقة التشخيص والعلاجات الفعالة لاضطرابات السائل الدماغي الشوكي.
- ترجمة: زينه المراد
- تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
- المصادر: 1