أيّ بروتين يمكنك تخيّله، يمكن توفيره

“أيّ بروتين يمكنك تخيّله، يمكنه توفيره”: تصريح الحائز على جائزة نوبل الدّكتور درو وايزمان حول إسهام الذّكاء الاصطناعيّ في اكتشاف التّقدُّم التّالي ضمن أبحاث RNA.

تحدّث موقع «العلوم الحيّة (لايف ساينس) -Live Science » الإخباريّ مع الدّكتور الحائز على جائزة نوبل درو وايزمان والمهندس داي يون لي، حول مركز جديد لأبحاث الحمض النّوويّ الرّيبيّ (RNA) يعملون على افتتاحه.

لقد كان الحمض النّوويّ الرّيبيّ، وهو الشّبيه الجزيئيّ للحمض النّوويّ الرّيبيّ منقوص الأوكسجين DNA، في صدارة الاهتمام العالميّ بصفته الأساس الّذي قامت عليه أوّل اللّقاحات ضدّ كوفيد-19، وفاز اثنان من المطوّرين الرّئيسيّين للتّقنية إثر هذه اللّقاحات بجائزة نوبل تبعًا لمجهوداتهم في عام 2023.

والآن، يهدف أحد هؤلاء الحائزين على جائزة نوبل، الدّكتور درو وايزمان من كلّيّة الطّبّ بجامعة بنسلفانيا، إلى دفع أبحاث RNA نحو آفاقٍ جديدة؛ فهو يعمل على إطلاق مركز جديد لأبحاث RNA يستخدم الذّكاء الاصطناعيّ، وذلك من أجل تدريب العلماء الجدد في هذا المجال، وتوجيه تجاربهم، وإضافة نتائجهم إلى الخوارزميّة، ممّا يخلق دائرة تفاعليّة من التّغذية الرّاجعة المستمرّة.

يُسمّى المركز الجديد «مصنع الحمض النّوويّ الرّيبيّ المدفوع بالذّكاء الاصطناعيّ (آير فاوندري) – (AIRFoundry) ArtificialIntelligence-driven RNA Foundry»، تموّله مؤسّسة العلوم الوطنيّة (NSF)، ويهدف إلى تسريع الابتكار في مجال RNA، ممّا يُحفّز التّقدّم في الطّبّ والعديد من التّخصّصات العلميّة الأخرى.

تحدّث الموقع مع وايزمان وداي يون لي، مدير آير فاوندري، حول المركز البحثيّ الجديد ومستقبل RNA عبر العلوم. لي هو أيضًا مؤسّس مُشارك في شركة «إنفيني فلويديكز – InfiniFluidics»، وهي شركة ناشئة تعمل مع المصنع المُستحدَث بُغية تطوير الوسائل الّتي تنقل RNA إلى الخلايا، وتُعرف ب «الجسيمات النّانويّة الدّهنيّة – Lipid Nanoparticles» اختصارًا: (LNPs).

سؤال موجّه من نيكوليتا لانيز: قرّاؤنا على دراية باللّقاحات المعتمِدة على الحمض النّوويّ الرّيبيّ المرسال (mRNA) فما هي التّطبيقات الطّبيّة الأخرى الّتي تتخيّلونها لمُستقبل RNA؟

إجابة الدّكتور درو وايزمان: أوّلًا، إنّ هدف هذا المصنع البيولوجيّ هو تجاوز التّطبيقات الطّبيّة العلاجيّة فقط، إنّه يهدف إلى جعل RNA مُتاحًا لمجالات علميّة أخرى… من تعليم البكتيريا كيفيّة استهلاك النّفط أو البلاستيك، إلى تعليم النّباتات كيفيّة مقاومة الفطريات، هذه الأمور تتجاوز نطاق العلاجات الطّبّيّة الّتي تُغطّيها معاهد الصّحّة الوطنيّة (NIH).

من وجهة نظر طبّيّة، نحن وآخرون نعمل على تطوير علاجات جينيّة باستخدام RNA، لعلاج النّوبات القلبيّة، السّكتات الدّماغيّة، التهاب المفاصل أو الأمراض الجلديّة، وكذلك لعلاج الأمراض المناعيّة الذّاتيّة. هناك آلاف التّطبيقات العلاجيّة المُحتمَلة الّتي يُمكن أن يُستخدم فيها RNA، وليس فقط في اللّقاحات.

سؤال: التّشبيه الّذي استخدمتموه مثير للاهتمام، “استخدام RNA لتعليم كائن حيّ القيام بشيء ما”، هل يمكنك توضيح ماذا يفعل RNA في الخلايا؟

إجابة الدّكتور وايزمان: RNA بالنّسبة لي هو الوسيط… ال DNA يحتوي على كلّ الشّيفرات اللّازمة لإنتاج البروتينات المسؤولة عن كلّ الوظائف الّتي تبقينا على قيد الحياة، إنّ DNA هو المكتبة الّتي تخزّن كلّ شيفرات الحمض النّوويّ الرّيبيّ المرسال (mRNA)، ويُستخدم عندما ترغب الخليّة في تصنيع بروتين معيّن بناءً على تلك الشّيفرات.

تقوم الخليّة بإنشاء RNA ينسخ الشّيفرة المطلوبة من DNA، ثمّ ينتقل هذا ال RNA إلى عُضيّة خلويّة تُدعى: «الجُسيم الرّيبيّ (الريبوزوم) – Ribosome» والّذي يقرأ بدوره الشّيفرة ثمّ يُنتج البروتينات بناءً عليها.

أمّا لقاحات RNA ضدّ كوفيد-19، فإنّها تحمل شيفرة الشّوكة البروتينيّة السّكريّة الخاصّة بفيروس كوفيد-19. يتعرّف الجسم على هذا البروتين كجسم غريب ويصنع استجابة مناعيّة تُعِدّ الجسم لمواجهة الفيروس عندما يصادفه. لكنّ RNA يمكنه أيضًا أن يحمل شيفرات لآليّات تعديل الجينات الّتي تغيّر الطّفرات في كروموسوماتنا، أو يُنتج بروتينات مفقودة بسبب طفرة جينيّة، أو يُنتج بروتينات علاجيّة لعلاج الالتهاب أو النّوبات القلبيّة أو العديد من الحالات الأخرى.

أيّ بروتين يمكنك تخيّله، يمكن ل RNA توصيل شيفرته.

سؤال: كيف تستخدمون الذّكاء الاصطناعي للابتكار في كلّ من RNA وأنظمة التّوصيل الّتي تنقل RNA إلى الخلايا؟

إجابة داي يون لي: يمتلك الذّكاء الاصطناعيّ أدوارًا متعدّدة هنا؛ نحن نتخيّل أنّ RNA سيكون أداة لكلّ من يعمل في العلوم… سيصبح في غضون 20 عامًا أداة شائعة، لكن حاليًّا، من الصّعب على الأشخاص الّذين لم يعملوا بعد في مجال RNA أن يندمجوا فيه.

لذلك، سيوفّر الذّكاء الاصطناعيّ توجيهًا للمستخدم، سيقول: “هذه هي الدّراسات السّابقة الّتي تحتاج إلى تعلّمها، هذه هي التّجارب الّتي تريد تنفيذها، هذه هي ربّما جزيئات RNA أو وسائط التّوصيل الّتي تريد أن تبدأ بها”، لا يقتصر دوره على تقديم الموادّ، بل أيضًا توجيه المستخدم وتعزيز الخبرة البشريّة، وعندما تُنجز التّجارب، تُعاد النّتائج إلى الذّكاء الاصطناعيّ ليقوم بالتّعلّم ويقدّم التّنبّؤات والاقتراحات التّالية.

سؤال: يبدو أنّ الذّكاء الاصطناعيّ ليس مجرّد أداة، بل شريك عمل أيضًا؟

إجابة لي: نعم، بالتّأكيد.

سؤال: ما هي المجالات البحثيّة الّتي دُرِسَت جيّدًا ويوجد بيانات كافية حولها لتغذية الذّكاء الاصطناعيّ، وأيّ المجالات لا تزال بها فجوات؟

إجابة لي: المجال الّذي نعتقد أنّنا في موقع جيّد للتّأثير عليه هو صحّة الحيوانات، مثل لقاحات الماشية.

إجابة وايزمان: على سبيل المثال، ربّما سمعت عن إنفلونزا الطّيور الّتي انتقلت إلى الأبقار الآن، كنّا نعمل على تطوير لقاحات للأبقار والدّجاج، لقد طوّرنا لقاحًا للأبقار باستخدام تقنيّتنا المعتادة، ونجحنا في تحصين الأبقار وحقّقنا نتائج جيّدة.

ولكن عندما جرّبنا نفس اللّقاح في الطّيور، لم نحصل على استجابة، لذا عدنا وافترضنا: “حسنًا، ربّما نحتاج إلى تغيير بُنية RNA كلّها”، لقد قمنا بذلك اعتمادًا على تخميناتنا وعلى مراجعة دراسات سابقة.

نأمل في المستقبل أن يقول الذّكاء الاصطناعيّ: “إنّ تسلسل الشّيفرة الجينيّة في الدّجاج يختلف كثيرًا عن الثّديّيات أو البشر، لماذا لا تُجرّب هذا؟” بهذه الطّريقة، بدلاً من إنتاج 50 جُزيئًا مُختلفًا من RNA للعثور على واحد أو اثنين ناجحين، يمكن للذّكاء الاصطناعيّ أن يقدّم لنا خمس خيارات قد تكون ناجحة.

سؤال: هل بإمكانكم تقديم خارطة طريق لما تعملون عليه خلال السّنوات الخمس المقبلة، ثمّ وعلى المدى البعيد؟

إجابة وايزمان: نحن لا نبدأ من الصّفر، لدينا مختبر RNA يعمل منذ حوالي 20 عامًا… الهدف الآن هو دمج الذّكاء الاصطناعيّ في هذا العمل.

حقّقنا تقدّمًا فعليًّا في إنتاج الحمض النّوويّ الرّيبيّ وإنتاج الجسيمات النّانويّة الدّهنيّة كذلك، أتوقّع أن يستغرق دمج الذّكاء الاصطناعيّ بالكامل من ستّة أشهر إلى عامين، ومن هناك، سيبدأ الذّكاء الاصطناعيّ في التّعلّم والتّوسّع.

إجابة لي: أعتقد أنّه في غضون عام أو عامين، سيكون لدينا أوّل نسخة نتفاعل معها من الذّكاء الاصطناعيّ، في البداية سيكون التّفاعل مع الباحثين الدّاخليّين فقط، لأنّنا نريد أن تكون المنظومة قويّة قبل فتحها للمستخدمين الخارجيّين.

سؤال: هل تتوقّعون ظهور قضايا تتعلّق بالسّلامة أو التّنظيم مع توسّع استخدام RNA؟

إجابة وايزمان: القلق الأكبر هو من “اكتساب الوظيفة”، إذ أنّنا نضيف نشاطًا جديدًا أو وظيفة إلى كائن حيّ، وقد يكون ذلك مُسبّبًا لأمراض مُحتملة. يمتلك المعهد الوطنيّ للصّحّة (NIH) قواعدًا صارمة تتحكّم في أبحاث اكتساب الوظيفة، وسيتمّ تدريب الذّكاء الاصطناعيّ للتّعرّف عليها.

الزّوايا التّنظيميّة معقّدة للغاية، لأنّها تغطّي العديد من المجالات المختلفة، لذا يمكن أن يشمل الذّكاء الاصطناعيّ الإرشادات التّنظيميّة نفسها.

سؤال: وهكذا يبدو الأمر وكأنّك قد تتمكّن من دمج المبادئ التّوجيهيّة التّنظيميّة في الذّكاء الاصطناعي نفسه، أليس كذلك؟

إجابة لي: بالتّأكيد، وبناءً على فهمي، هناك طبقات من الحماية حول هذا الأمر… لذا، نأمل أن نتمكّن من خلال هذه الطّبقات عبر أنظمة تحديد المؤشّرات المختلفة من إزالة ما قد يشكّل مشكلة في البيئة أو الحيوانات أو الكائنات الحيّة الأخرى.

سؤال: هل هناك شيء آخر تريدون تسليط الضّوء عليه بشأن آير فاوندري؟

إجابة وايزمان: أودّ أن أشير فقط إلى أنّ المصنع البيولوجيّ هو مؤسّسة أمريكيّة، لكنّها ستخدم العالم أجمع.

سيُساهم المعهد في تطوير أبحاث الحمض النّوويّ الرّيبيّ والإنتاج الشّامل حول العالم، وخاصّة في الدّول ذات الدّخل المنخفض والمتوسّط، ممّا يجعل هذه التّقنيّة ديمقراطيّة متاحة للجميع.

سيساعد المصنع الحيويّ في القيام بذلك من خلال نقل الأشخاص من المختبرات في جميع أنحاء العالم، وإحضارهم إلى بنسلفانيا وتدريبهم على كيفيّة صنع الحمض النّوويّ الرّيبيّ، كيفيّة صنع الجسيمات النّانويّة اللّيّنة، كيفيّة تصميم اللّقاحات، وكيفيّة تصميم البروتين العلاجيّ، أو توصيل البروتين لآخر.

إجابة لي: تبذل مؤسّسة العلوم الوطنيّة (NSF) الكثير من الجهد في التّعليم والتّدريب والتّوعية، وهذا سيُشكِّل جزءًا ضخمًا من مصنعنا الحيويّ، إذ نتواصل مع المجتمعات الّتي لم يكن لديها إمكانيّة الوصول إلى هذه التّكنولوجيا.

في النهاية، بصفتي معلّمًا، أعتقد أنّ المنتج الأكثر أهمّيّة من مصنعنا الحيويّ، أعني، ستكون هناك المعرفة بالطّبع، وسيكون هناك أشخاص يستخدمون المنتجات عالية الجودة الّتي سنصنعها عبر الذّكاء الاصطناعيّ… لكنّ المنتج الأكثر أهمّيّة سيكون العلماء الّذين نولّدهم. سيكونون الطّاقم الجديد من العلماء الّذين دُرِّبوا في مجال الذّكاء الاصطناعيّ والحمض النّوويّ الرّيبيّ والجسيمات النّانويّة الدّهنيّة. سيكونون قادة هذا المجال، أعتقد أنّ هذا هو ما يميّزنا حقًا عن الكيانات الأخرى الّتي قد تحاول القيام بشيء مماثل.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • المصادر: 1