
الأرق قد يجعل الناس أقل عطاءً
يُظهر التصوير بالرنين المغناطيسي أن نقص النوم يُثبط النشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بالسلوك الاجتماعي.
لقد أظهرت الأبحاث منذ مدة طويلة أن قلة النوم تُساهم في اعتلال الصحة، لكن الحرمان من النوم، وهو ظاهرة مزمنة في العالم المتقدم، قد يجعل الناس أيضًا أقل ميلًا لمساعدة بعضهم البعض، كما تشير دراسة جديدة.
ترتبط قلة النوم بأمراض القلب، وسوء المزاج، والشعور بالوحدة (SN: 11/15/16). كما قد يجعلنا التعب أقل عطاءً، وفقًا لما أفاد به الباحثون في دراسة نُشرت في 23 أغسطس في دورية PLOS Biology.
يبدو أن فقدان ساعة من النوم عند الانتقال إلى التوقيت الصيفي كل ربيع يقلل من ميل الناس إلى مساعدة الآخرين، وهو ما وجده الباحثون في واحدة من ثلاث تجارب اختبرت العلاقة بين فقدان النوم والعطاء. على وجه التحديد، أظهروا أن متوسط التبرعات لمنظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة انخفض بنحو 10% خلال أسبوع العمل التالي لتغيير الوقت، مقارنةً بأربعة أسابيع قبل وبعد التغيير. أما في أريزونا وهاواي، وهما ولايتان لا تتبعان التوقيت الصيفي، فقد ظلت التبرعات دون تغيير.
مع إفادة أكثر من نصف سكان العالم المتقدم بأنهم نادرًا ما يحصلون على قسط كافٍ من النوم خلال أسبوع العمل، فإن هذا الاكتشاف له آثار تتجاوز الأسبوع الذي نقدم فيه الساعة في الربيع، وفقًا للباحثين.
تقول عالمة الأعصاب إيتي بن سايمون من جامعة كاليفورنيا، بيركلي: “قلة النوم تُشكِّل التجارب الاجتماعية التي نمر بها، وكذلك طبيعة المجتمعات التي نعيش فيها”.
تأثير فقدان النوم على الإيثار
لاختبار العلاقة بين فقدان النوم والعطاء، أحضرت بن سايمون وفريقها أولًا 23 شابًا بالغًا إلى المختبر لمدة ليلتين. نام المشاركون خلال إحدى الليلتين، بينما ظلوا مستيقظين في الليلة الأخرى.
في الصباح، أكمل المشاركون استبيانًا موحدًا للإيثار يُقيِّم مدى احتمال مساعدتهم للغرباء أو المعارف في سيناريوهات مختلفة. على سبيل المثال، قَيَّم المشاركون، على مقياس من 1 إلى 5 (حيث 1 هو الأقل احتمالًا للمساعدة و5 هو الأكثر احتمالًا)، مدى استعدادهم للتخلي عن مقعدهم في الحافلة لغريب أو تقديم توصيلة لزميل في العمل محتاج. لم يقرأ المشاركون نفس السيناريو أكثر من مرة. أظهر نحو 80% من المشاركين استعدادًا أقل لمساعدة الآخرين عندما كانوا محرومين من النوم، مقارنةً بحالتهم عند حصولهم على قسط كافٍ من النوم.
تغييرات في نشاط الدماغ
راقب الباحثون بعد ذلك نشاط أدمغة المشاركين باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وقارنوا نشاط كل مشارك في حالة راحة مقابل حالة حرمان من النوم. أظهرت النتائج أن الحرمان من النوم أدى إلى انخفاض النشاط في شبكة من مناطق الدماغ المرتبطة بالقدرة على التعاطف مع الآخرين.
مزيد من الأدلة على العلاقة بين النوم والعطاء
في تجربة أخرى، طلب الباحثون من 136 مشاركًا عبر الإنترنت الاحتفاظ بسجل لنومهم لمدة أربع ليالٍ. ثم أكمل كل مشارك مجموعات فرعية من استبيان الإيثار قبل الساعة الواحدة ظهرًا في اليوم التالي. وجد الباحثون أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه المشاركون مستيقظين في السرير—وهو مقياس لسوء النوم—انخفضت درجاتهم في الإيثار. وقد ظل هذا الانخفاض في الإيثار صحيحًا سواء عند مقارنة الأفراد بأنفسهم أو عند حساب متوسط الدرجات عبر المجموعة.
في التجربة الأخيرة، التي ركزت على التوقيت الصيفي، حلَّل الباحثون التبرعات الخيرية المقدمة بين عامي 2001 و2016 إلى موقع Donors Choose، وهو منظمة غير ربحية تجمع الأموال للمشاريع المدرسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. بعد استثناء التبرعات الكبيرة جدًا والولايات التي لا تعتمد التوقيت الصيفي، بقيت بيانات أكثر من 3.4 مليون تبرع. في أسبوع العمل الذي يلي تغيير الوقت، انخفض متوسط التبرعات اليومية، التي كانت تبلغ عادةً حوالي 82 دولارًا، إلى نحو 73 دولارًا، وفقًا لبن سايمون.
تفسير النتائج
يقول عالم الاقتصاد السلوكي ديفيد ديكنسون من جامعة أبالاشيان ستيت في بون، شمال كارولاينا، إن هناك دائمًا احتمال أن يكون هناك عامل آخر غير النوم مسؤولًا عن هذا الانخفاض في العطاء. لكنه يشير إلى أن النهج البحثي متعدد الجوانب الذي استخدمه الفريق يُظهر بوضوح العلاقة بين التغييرات التي تحدث في الدماغ أثناء الحرمان من النوم والسلوك في العالم الحقيقي.
ويضيف: “هذا البحث يقدّم صورة أكثر شمولًا لكيفية تأثير النوم غير الكافي على قراراتنا المتعلقة بمساعدة الآخرين”.
تقول بن سايمون إن الحرمان المزمن من النوم في العالم الحديث يمثل مشكلة خطيرة.
لكن على عكس العديد من القضايا المعقدة الأخرى—مثل تغير المناخ أو الاستقطاب السياسي—فإن لهذه المشكلة حلًا واضحًا ومباشرًا. وتضيف: “إذا ركزنا على تعزيز النوم ومنح الناس الفرصة للحصول على القسط الكافي منه، يمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على المجتمعات التي نعيش فيها”.
الاستنتاج
تشير نتائج الدراسة إلى أن فقدان النوم لا يؤثر فقط على الأفراد، بل يمتد تأثيره إلى مستوى المجموعات والمجتمعات ككل، مما يؤدي إلى تراجع في السلوك الإيثاري والمساعدة المتبادلة.
- ترجمة: سهاد العمري.
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1