تأثير الفطر السّحريّ على الدّماغ
بات «الفطر السّحريّ – Magic Mushroom»، الّذي كان يومًا ما مرفوضًا بسبب خصائصه المُهلوِسة، يجذب اهتمامًا متزايدًا؛ بسبب إمكانيّة استخدامه كعلاج لمجموعة متنوّعة من مشاكل الصّحّة النّفسيّة.
مع ذلك، لا تزال معرفتنا ضئيلة حول التّأثيرات العصبيّة المتنوّعة لمُركَّب الفطر النّشط، «السّيلوسيبين – Psilocybin»، ممّا يجعل التّنبّؤ بكيفيّة استفادة المجتمع منه كدواء في نهاية المطاف أمرًا صعبًا.
في دراسة قادها الطّبيب النّفسي جوشوا سييَغل من كلّيّة الطّبّ بجامعة واشنطن، تتبّع فيها التّغيّرات الدّماغيّة لدى سبعة بالغين أصحّاء قبل، وأثناء، وبعد تناول جرعة عالية من السّيلوسيبين، واكتُشِفَت فيها اضطرابات في الاتّصال العصبيّ استمرّت لأسابيع في بعض مناطق الدّماغ.
تسدّ هذه النّتائج الفجوات الموجودة في فهمنا لكيفيّة تأثير السّيلوسيبين الكيميائيّ الحيويّ على تغييرات كبيرة في السّلوك، قد تساعد أو تعيق الأفراد الّذين يعانون من احتياجات نفسيّة مختلفة.
وقال سييَغل: “نعرف هذه الأيّام كثيرًا عن التّأثيرات النّفسيّة وتأثيرات السّيلوسيبين على المستوى الجزيئيّ والخلويّ، لكنّنا لا نعرف الكثير عمّا يحدث على مستوى الشّبكات العصبيّة الوظيفيّة الّتي تربط بينهما”.
يعمل الفطر السّحريّ من خلال محاكاة ارتباط السّيروتونين بمستقبلات 5-HT2 A، وتشمل التّأثيرات الذّاتية المعروفة لذلك عادةً، الشّعور بالابتهاج المشوب بتشوّهات في الإدراك الذّاتيّ وإدراك الزّمان، والمكان، والصّوت، والألوان.
وتؤكّد النّماذج الحيوانيّة أنّ تنشيط هذه المستقبلات لفترة وجيزة في المناطق الدّماغيّة الّتي تتواجد فيها بكثافة عالية، كالفصّ الجبهيّ الأوسط، يؤدّي إلى تأثيرات طويلة الأمد، إذ تعمل على تخفيف المسارات العصبيّة المتصلّبة وتعزيز الاتّصالات الجديدة.
إنّ دماغنا قابل للتّكيُّف بسبب “المرونة” العالية للجهاز العصبيّ، وهذا ما يجعل السّيلوسيبين دواءً مغريًا لعلاج الحالات النّفسيّة الّتي تقاوم التّغيير بشدّة.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان يمكن تطبيق هذه النّتائج على البشر؛ لذا، قام سييَغل وفريقه بإجراء تصوير بالرّنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI) على المتطوّعين قبل تناولهم لجرعة كبيرة من السّيلوسيبين مقدارها 25 ملغ، ثمّ أجريت عمليّات مسح أخرى فورًا بعد تناولهم الجرعة، وكُرِّرَت مرّة أخرى بعد 21 يومًا.
وللمقارنة، تناول المشاركون جرعة قدرها 40 ملغ من ال «ميثيل فينيدات – Methylphenidate»، وهو مُنشِّط للجهاز العصبيّ المركزيّ، خلال مناسبات منفصلة، مع إجراء سلسلة مشابهة من عمليّات المسح.
أظهرت المسوحات بوضوح وجود اضطرابات كبيرة في الاتّصال الوظيفيّ عبر قشرة المخّ بعد جرعة السّيلوسيبين، وفي أعماق الدّماغ، لوحظت تغييرات كبيرة أيضًا في مجموعة من المناطق الأكثر نشاطًا عندما نكون مستيقظين، لكن غير مشغولين بمهمّة مُحدّدة، والمعروفة باسم «شبكة الوضع الافتراضيّ – Default Mode Network» اختصارًا (DMN).
اشتبه الباحثون، استنادًا إلى دراسات سابقة أجريت على الفئران، بأنّ الاضطراب واسع النّطاق نتج عن خروج مجموعات من الخلايا العصبيّة الّتي تنسّق نشاطها عادةً عن تزامنها، ممّا أدّى إلى مسح مؤقّت للأنماط الفريدة الّتي تشكّل إدراكنا للذّات.
يقول طبيب الأعصاب والباحث الرّئيسيّ في الدّراسة نيكو دوسنباخ: “تبدو أدمغة الأشخاص الّذين يتناولون السّيلوسيبين أكثر تشابهًا مع بعضها البعض ممّا هي عليه في حالتها غير المتأثّرة، يُمسح تفرّدهم مؤقتًا، وهذا يؤكّد على مستوى علم الأعصاب ما يقوله النّاس عن فقدانهم لإحساسهم بالذّات أثناء التّجربة”.
ومن المثير للاهتمام، أنّه عند إعطاء المتطوّعين مهمّة بسيطة لتمييز الأصوات والمشاهد بعد تناول جرعة السّيلوسيبين أثناء فحصهم، بدا وكأنّه “يعيد توازن” شبكة الوضع الافتراضيّ لديهم، ممّا يقلّل من شدّة الاضطراب.
لقد أظهرت المسوحات الّتي أجريت بعد ثلاثة أسابيع من العلاج بالسّيلوسيبين أنّ القشرة المخيّة قد عادت إلى حدّ كبير إلى تزامن ما قبل الجرعة، ومع ذلك، استمرّت التّغييرات الوظيفيّة في منطقة الحُصين الأماميّة، والّتي تشارك في مجموعة من العمليّات المعرفيّة المتعلّقة بالإدراك والذّاكرة.
إنّ ربط ما نعرفه صيدلانيًّا عن تأثيرات السّيلوسيبين الكيميائيّة مع المعلومات المُبلَغ عنها ذاتيًّا والمعرفة الثّقافيّة لتأثيراته ضمن إطار علم الأعصاب يمكن أن يوجّهنا نحو علاجات تساعد في تخفيف الاكتئاب أو تقليل آثار اضطراب ما بعد الصّدمة، أو يكون بمثابة تحذير من استخدامه في حالات يمكن أن يُشكّل فيها الاضطراب مخاطر كبيرة.
ربّما ما زال أمامنا بعض الوقت قبل أن نزور الطّبيب لتناول جرعة من الفطر السّحريّ تُساعدنا في استعادة صحّتنا العقليّة، لكنّ دراسات مثل هذه تقرّبنا خطوة نحو فهم العلاقة المثيرة بين دماغنا وهذه المجموعة السّحريّة من الفطريات.
- ترجمة: نِهال عامر حلبي
- تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
- المصادر: 1