فيروس زيكا يخدع الجلد… ويأمر البعوض بالهجوم!

فيروس زيكا يغيّر كيمياء الجلد فيزيد استقطاب البعوض

يغيّر فيروس زيكا التركيب الكيميائي للجلد محررًا روائح تجذب البعوض، وتفتح آليات انتقاله أفقًا جديدًا لتقويض تفشّيه.
ينتشر البعوض بانقضاء الشتاء وبداية ارتفاع درجات الحرارة، فتنتقل مسببات الأمراض كفيروس زيكا عبر الجروح، التي تسببها لدغات البعوض عند اختراق الجلد بإبرها التي تشبه المجسّات.
وعادةً، يسبب فيروس زيكا التهابًا طفيفًا، عدا في حالات الحمل قد يفضي إلى تشوهات خُلُقيّة شديدة، لم يستطع الباحثون فهم العوامل التي تُحدد نجاح الانتقال الفيروسي بدقّة، رغم أنّه سبّب تفشّي الأمراض في 89 دولة عالميًا.

ولكنّهم اكتشفوا حاليًا أنّ عدوى فيروس زيكا تتحكّم في خلايا جلد الإنسان، فتطلق إشارات كيميائية تجذب البعوض لتعزيز انتشاره، وقدّمت نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة Communication Biology شروحات عن طريقة تأثير الفيروسات في سلوك النواقل لتحسين نجاح انتقالها.
قالت نوشين إمامي، وهي عالمة في الأمراض الحيويّة المُعدية في كليّة ليفربول للطب الاستوائي ومشاركة في الدراسة: «ببساطة، إنّ الفيروس خبيث جدًا، رغم أنّه لا يملك أعضاء، لكنّه يستولي على أعضائنا ويصافحها ويعقد معها اتفاقًا قائلًا: حسنًا، أتعلمين أنك الآن تعملين تحت أمري».

لقد لاحظت إمامي سابقًا أنّ طفيلي الملاريا يتلاعب كذلك بكيميائية جلد عائله فيجعله أكثر جذبًا للبعوض، وتساءلت عمّا إذا كانت الفيروسات لها خصائص مُشابهة أيضًا.
وكان باحثون سابقون قد اكتشفوا تلاعب الفيروسات بكيميائية الجلد العائل وإفراز روائح لجذب البعوض، إلا أنّ دور الخليّة المصابة في هذه العمليّة لا يزال مبهمًا.
انضمّت نوشين إمامي إلى جيزا جيرولد، وهي عالمة فيروسات في الجامعة الطبية في إنسبروك، وتحرّت مع فريقها لاكتشاف طريقة استجابة الخلايا الليفيّة (الخلايا الأرومية الليفية) في الأدمة، حيث يحدث عادةً التضخيم الفيروسي الأولي لعدوى فيروس زيكا.

فرأى الفريق زيادة إطلاق 14 مركبًا عضويًا متطايرًا VOC2، وذلك عند تحليل المواد المتطايرة المستخلصة من خلايا الجلد الليفية ( الأنسجة الضامّة) والمصابة بفيروس زيكا، ووجدوا أيضًا أنّ هذه التركيبة من المواد المتطايرة جذبت البعوض لاسيما إناث Aedes aegypti (وهي بعوضة ناقلة لفيروس زيكا)، بيد أنّ بعوضة Anopheles gambias (غير الناقلة للفيروس) لم تظهر شيئًا من الانجذاب نحوها.
كما اكتشف الفريق أنّ الدم المجفّف الذي وضع بجانب خليط المركبات العضوية المتطايرة VOC blend جذب عددًا من البعوض أكبر من تلك التي وضعت بجوار العينة الضابطة. قالت جيرولد: «كنّا نرغب أن نلاحظ [هذا التأثير].. لكن في الواقع شعرنا بسعادة غامرة عندما رأيناه يتحقق».

وبالعودة لإمامي، اعتقد العلماء سابقًا أنّ انتقال الفيروسات عملية سلبية لأنها تتكوّن من مواد جينية مُغلّفة (لا تملك أنظمة أيضية مستقلة)، لذا تستغل الأنظمة البشرية لصالحها بشكل مدهش، وتعقّب إمامي: «هذا ما ظنناه، وعندما استطعنا إثباته بتنا بمنتهى السعادة».

وفي الجزء الأخير من الدراسة، حاول الباحثون الكشف عن الآليّة التي يتلاعب بها فيروس زيكا لإنتاج المركبات العضوية المتطايرة في خلايا الجلد الليفية (الأنسجة الضامّة)، وكشفت التحليلات الجينومية والبروتيومية (حتى تلك البيانات في دراسات سابقة) عن زيادة التعبير الجيني للأنزيمات المرتبطة بالاستجابة المضادة للفيروسات وأيض البروتينات الدهنية في الخلايا المصابة.
وصرّحت جيرولد: «لقد عملنا بجدّ لفهم عملية الأيض التي يتلاعب بها الفيروس لإنتاجهذه المركبات الكيميائية، غير أنّنا لم نجد فيما سبق دليلًا على أنّ الجلد يفرز VOCs التي اكتشفناها، وذلك يُصعّب علينا فهم الآلية الأساسية».

ويخطط فريق الدراسة لتجاوز هذه العقبة، بإجراء دراسات على مسحات من جلد الإنسان ex vivo ومن الفئران.
بينما عقّب شاشانك تريباني، وهو أخصائي الفيروسات في المعهد الهندي للعلوم، وغير مشارك في الدراسة: «إنّ هذه النتائج مبشّرة والملاحظات دقيقة، ولكن ما هي إلا البداية، فهل تكفي لدغة واحدة من البعوض لشخص ناضج لإنتاج جزيئات متطايرة تجذب المزيد من البعوض؟ أعتقد مازالنا في أوّل الطريق».

  • ترجمة: حسام عبدالله
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1