كيف تجعلك الفلسفة عالمًا أفضل؟
أنا طالب الدكتوراه الوحيد في علم الجينوم بدرجة بكالوريوس في علم الأحياء والفلسفة. في البداية، رأيت الفلسفة والأحياء مجالين منفصلين: كُنت أكتب عن نظريات الأخلاق في فصل وأحفظ دورة كريبس في آخر. لم أستوعب كيف يمكن للفلسفة أن تجعلني عالمًا أفضل إلا بعد أن اكتسبت خبرة بحثية مباشرة من عملي على أطروحة البيولوجيا في السنة الأخيرة من دراستي في جامعة نيويورك في أبو ظبي. كلما تقدمت في مراحلي الأولى في الدكتوراه، رأيت أثر قراءة الفلسفة ودراستها في تشكيل مسيرتي المهنية حتى الآن، والذي سيستمر في التأثير فيَّ في أعمالي المستقبلية.
لقد وسعت الفلسفة تفكيري النقدي والإبداعي. وغالبًا ما تقود الحجج الفلسفية إلى حالات خيالية متطرفة وتجعلنا نغوص في الفرضيات، والتي أراها تحفز الإبداع باستمرار. مثلًا فقد كتبت في أطروحتي الفلسفية عن ميتافيزيقا الهوية، وسفينة ثيسيوس (تجربة فكرية تتساءل عما إذا كان الكائن الذي استُبدِلَتْ جميع مكوناته يظل نفسه)، والنسبية العامة وبعض الآثار الفلسفية للسفر عبر الزمن.
التزمت بالتفكير الإبداعي والحفاظ على نهج نقدي ومنهجي في بحثي. على سبيل المثال، ساعدتني دراسة الذرائعية -الفكرة الفلسفية القائلة بأن العلم لا يكشف الحقائق الأساسية للعالم، ولكنه فقط يزودنا بالأدوات التي تساعدنا في سبر أغواره- في تبني نهج أكثر مرونة للدراسة والبحث عن أدوات مفيدة أينما وجدت. خذ مثالًا توظيفي للـ«تلوث» في بيانات تسلسل كائن حي حتى أتمكن من البحث عن الفيروسات في دمه.
كذلك فقد تعلمت المنطق من الفلسفة. نعم يمتلك معظمنا فهمًا أساسيًا في هذا المجال، لكن كان لزامًا علي أخذ دروس منظمة في المنطق كوني طالبًا في الفلسفة. في البداية، كان الأمر أشبه بأخذ فصل دراسي في الألغاز المُثيرة: AɅB صحيح إذا كان كلا A وB صحيح، و AνB صحيح إذا كان A أو B صحيح.
تبين لي أن دراستي للمنطق كانت مفيدة في انتقالي من عالِم جامعي في مختبر رطب (نوع من أنواع المختبرات التجريبية) إلى عالِم حسابي في برنامج الماجستير الخاص بي حيث تعلمت لغات الترميز. تتضمن لغات الترميز عناصر مثل العوامل المنطقية والمنطق الشرطي. ساعدتني أيضًا في فهم الاستدلال، وعملية الوصول إلى استنتاجات من الأدلة والمنطق. لم يُعلِّم أي من فصول العلوم الفرق بين الاستقراء (مثال: هذه الضفادع كلها من هذه البركة وكلها خضراء: لذلك كل الضفادع في البركة خضراء) والاستنباط (كل الضفادع في هذه البركة خضراء وهذا الضفدع من هذه البركة: إذًا هذا الضفدع أخضر)، ولم يعلِّم أي منهم كيفية تقييم الحجج بشكل منطقي. لقد صقلت قراءتي للحجج الفلسفية ودراستي وتقييمي لها من مقدماتها إلى استنتاجاتها قدرتي على تدقيق الدليل والاستنتاج في التقارير البحثية.
أيضًا فقد دفعتني الفلسفة إلى دراسة القيم والأخلاق الكامنة وراء العلم داخليًا وخارجيًا إلى جانب الأساليب والبيانات. الباحثون بشر وذاتيتنا وقيمنا تؤثر في عملنا حتمًا. قد نناقش الأمثلة التاريخية للتجارب غير الأخلاقية أو العلماء الضالين، مثل هي جينكوي He Jiankui والأطفال الذين عُدِّلوا جينيًا، لكننا نادرًا ما نعلم ونناقش كيف يمكن أن يكون للخيارات اليومية للعلماء تأثيرات أخلاقية شديدة: اختيار الألوان في المخططات البيانية المنشورة؛ والتنميط الجيني للسكان من أصل أوربي وحسب؛ والبحث في الفئات الضعيفة دون تقديم الحماية أو المساعدة؛ أو حتى الأسئلة التي نختار متابعتها. علمتني دراسة الفلسفة أن آخذ كل من الخيارات الكبيرة والصغيرة على محمل الجد.
من خلال الفلسفة، أصبحت الأسئلة الكبيرة مألوفة وأصبح من السهل طرحها في الحياة اليومية. أخذت فصلًا في برنامج الدكتوراه الخاص بي عن التوزيع العشوائي المندلي (طريقة بحث في علم الوراثة تهدف إلى تحديد عوامل الخطر القابلة للتعديل للأمراض)، وناقشنا كيف يجب مراعاة العوامل الاقتصادية إحصائيًا. كنت أرغب في دفع هذه المناقشة إلى ما وراء المنهجية، فسألت: إذا كانت العوامل الاجتماعية والاقتصادية تمثل تنبؤات مهمة للنتائج الصحية، لماذا لا تُحول تمويلات البحوث الطبية مباشرة إلى برامج الغذاء، أو المدارس، أو دعم الدخل، لإصلاح المشكلات الطبية قبل حدوثها؟
عند التفكير في مثل هذه التحديات، أُكوِّن فكرة أوضح عن حافزي وأهدافي في أبحاث الصحة الوراثية، وعن الفرص التي يجب أن أسعى وراءها. بدلًا من أن أكون مدفوعة فقط بالفضول العلمي، وجدت حافزي ينبع من الرغبة في التأثير في العالم بطريقة إيجابية.
إذا كان يمكن أن يساعدنا التفكير بالعلم وأهدافنا بنحو نقدي، وإدراك أن التقدم العلمي متجذر في البحث الفلسفي والإبداعي، وإذا كان بإمكانه أن يدفعنا لطرح أسئلة مهمة، فأعتقد أن الجميع يمكنه الاستفادة من قراءة المزيد من الفلسفة.
موارد الفلسفة للعلماء
المنطق والاستدلال. تُقدّم جامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا دورة تمهيدية عبر الإنترنت «https://www.coursera.org/spe…/logic-critical-thinking-duke» في المنطق والتفكير النقدي تُغطي أساسيات الجدل، بما في ذلك الاستقراء والاستنتاج. هذه المفاهيم مفيدة في تقييم تفكير الآخرين وبناء حججك السليمة. لمزيد من المواد المتعمقة في المنطق الرسمي ودلالاته، جرب هذا الكتاب المدرسي المجاني بعنوان مقدمة للمنطق الرسمي: https://open.umn.edu/opentextbooks/textbooks/54
أو هذه الدورة بعنوان مقدمة للمنطق: https://global.oup.com/us/companion.websites/9780199890491/
وهي دورة مجانية عبر الإنترنت مصممة لتتبع كتابًا يحمل نفس الاسم من تأليف Paul Herrick.
أخلاق مهنية. للحصول على مقدمة عامة في مجال الأخلاق، اقرأ كتاب الأخلاق لأفلاطون أو أخلاق أرسطو، أو جرب The Metaphysics of Morals لإيمانويل كانت، أو Utiliarianism لجون ستيورات ميل. تُوفر هذه الكتب منظورًا تاريخيًا وأطرًا واسعة للأخلاق. تهدف الأخلاق التطبيقية Applied Ethics لبيتر سينجر (مطبعة أكسفورد، 1986) إلى وضع النظرية في مجموعة واسعة من الحالات العملية. على الرغم من أنها تبدأ بشكل حدسي، سرعان ما تصبح الأخلاق معقدة؛ الخيار الأفضل هو البحث عن مواد متخصصة [على سبيل المثال، أنا من المشاركين في ورشة عمل حول الاعتبارات الأخلاقية في الطبية الحيوية (البيانات الضخمة)].
ملاحظة: تعد موسوعة ستانفورد للفلسفة https://plato.stanford.edu/ مصدرًا رائعًا وموثوقًا عبر الإنترنت لاكتشاف المصطلحات والمفاهيم الفلسفية، وتضم مدخلات في فلسفة مجالات فرعية علمية معينة، مثل فلسفة بيولوجيا الخلية. إن خلفيتي غربية، لذا اقتراحاتي متجذرة بشكل أساسي في التقاليد الغربية، لكني أهدف إلى مواصلة تنويع تعليمي.
- ترجمة: زهراء حيدر
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1