ما مدى برودة الفضاء، وما مدى سخونة الشمس؟

نعيش في كون متطرف لا نهائي.

“الشمس فائقة السخونة، وهو ما لا ينسجم مع مدى برودة هذا الفضاء.” ناسا.

لم الفضاء بارد جدًا إذا كانت الشمس شديدة السخونة؟ سؤال ممتاز.

على عكس موطننا المعتدل هنا على الأرض، فإن مجموعتنا الشمسية مشبعة بكثير من درجات الحرارة القصوى. الشمس حقنة من الغاز والنار تقاس بحوالي 27 مليون.

درجة فهرنهايت في مركزها، و10 آلاف درجة على سطحها. وفي الوقت نفسه، درجة حرارة خلفية الكون -درجة حرارة الفضاء في اللحظة التي تبتعد فيها كفاية عن غلاف جو الأرض المعتدل- تتأرجح بحدود 455- درجة فهرنهايت. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟

وفقًا لناسا: «تنتقل الحرارة عبر الكون كإشعاع، تهاجر طاقة من الأمواج تحت الحمراء من الأجسام الأسخن إلى الأجسام الأبرد. تثير الأمواج الراديوية الجزيئات التي تلتقي بها، مسببة بتسخينها. وبهذا الشكل تنتقل الحرارة من الشمس إلى الأرض، ولكن الفكرة هي أن هذا الإشعاع يسخن فقط الجزيئات والمادة التي تكون في مسارها مباشرة. وكل ما عدا ذلك يبقى باردًا. خذ عطارد كمثال: درجة حرارة الكوكب في أوقات الليل يمكن أن تكون أقل بألف درجات فهرنهايت من الإشعاع في الجانب النهاري المكشوف.«.

قارن ذلك مع الأرض، حيث الهواء حولك يبقى دافئًا حتى لو كنت في الظل، وحتى في بعض فصول السنة، في ظلام الليل. ذلك لأن الحرارة تنتقل في أرجاء كوكبنا الأزرق الجميل بثلاثة طرق بدلًا من طريقة واحدة فقط: وهي التوصيل الحراري والحمل الحراري والإشعاع الحراري. عندما يضرب الإشعاع الشمسي ويسخن الجزيئات في غلافنا الجوي، فهي تمرر هذه الطاقة القصوى للجزيئات حولها. بعدها تضخ هذه الجزيئات وتسخن ما بجوارها. يدعى انتقال هذه الحرارة من جزيء لجزيء: التوصيل الحراري، وهي سلسلة من التفاعلات التي تسخن المناطق خارج مسار الشمس.

الفضاء مع ذلك عبارة عن فراغ، فهذا يعني بشكلٍ أساسي أنه فارغ. جزيئات الغاز في الفضاء قليلة ومتباعدة جداً لتتصادم مع بعضها البعض بانتظام. لذلك حتى عندما تسخنهم الشمس بالأشعة تحت الحمراء، فإن نقل هذه الحرارة عن طريق التوصيل الحراري ليس ممكناً. بشكلٍ مشابه، الحمل الحراري هو شكل من نقل الحرارة الذي يحدث بوجود الجاذبية، وهو مهم لنشر الدفء عبر الأرض، لكن لا يحدث هذا في انعدام الجاذبية في الفضاء.

هذه هي الأشياء التي فكرت بها مهندسة الحرارة اليزابيث ابل Elisabeth Abel التي تعمل على مشروع Dart التابع لوكالة ناسا بينما كانت تُعّد المركبات والأجهزة للرحلات طويلة الأمد في الفضاء. وقالت: «هذا صحيح بشكلٍ خاص عندما كانت تعمل على مسبار باركر الشمسي.«.

ربما وحسب ما يمكن فهمه من اسمه، فإن مسبار باركر الشمسي هو جزء من مهمة وكالة ناسا لدراسة الشمس. فهو يركز على الطبقة الخارجية لغلاف النجم، والذي يدعى بالهالة الشمسية، ويجمع البيانات. في نيسان/ابريل 2019 وصل المسبار لحوالي 15 مليون ميل داخل الجحيم، وهي أقرب نقطة للشمس تصل لها أي مركبة فضائية. حيث يجعل الدرع الواقي من الحرارة والمُسقط على جانب واحد من المسبار ذلك ممكنًا.

تقول أبل: »إن عمل هذا الدرع الواقي من الحرارة هو التأكد ألا يمس أيّ من الإشعاعات الشمسية المركبة الفضائية.«.

مضيفة: «لذلك بينما يختبر الدرع الواقي هذه الحرارة الشديدة (حوالي 250 درجة فهرنهايت) لنجمنا المضيف، فأن المركبة الفضائية نفسها تكون أكثر برودة حوالي 238- درجة فهرنهايت.«.

وفقًا ل ابل Abel المهندسة الحرارية الرئيسة لمهمة دارت »صُممت مركبات فضاء صغيرة لتصطدم بالكويكب وتدفعه بعيداً عن المسار.» وتأخذ Abel خطوات عملية لإدارة درجات الحرارة في أعماق الفضاء. يشكل التباين الشديد في درجة الحرارة بين الفراغ الجليدي وحرارة غليان الشمس تحديات فريدة من نوعها. فتحتاج بعض أجزاء المركبة الفضائية المساعدة لتبقى باردة كفاية لتجنب انقطاعها عن العمل، في حين هناك أجزاء أخرى تحتاج عناصر للتسخين لتبقيها دافئة بما يكفي لتعمل.

يبدو الاستعداد لتحولات درجة الحرارة بمئات الدرجات جامحًا، لكن هكذا هي الأشياء خارجًا في الفضاء. الغرابة الحقيقة تكمن في الأرض: حيث أنه في خضم هذه البرودة القصوى والسخونة الملتهبة يبقى غلافنا الجوي معتدلًا بصورة مدهشة – على الأقل حتى اللحظة الراهنة.

  • ترجمة: علا عسكر
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1