استخدم العلماء أشعة الليزر لصنع أبرد مادة في الكون

يعمل باحثون في مختبر في كيوتو باليابان على إجراء بعض التجارب الرائعة للغاية، إذ برّد فريق من العلماء من جامعة كيوتو وجامعة رايس في هيوستن بولاية تكساس، المادة إلى جزء من مليار درجة من الصفر المطلق (درجة الحرارة عندما تتوقف كل حركة)، مما يجعلها أبرد مادة في الكون بأكمله. ونُشرت الدراسة في عدد سبتمبر من مجلة Nature Physics، ووفقًا لجامعة رايس فهي “تفتح بوابة إلى عالم غير مستكشف من المغناطيسية الكمية”.

وقال الأستاذ بجامعة رايس كادن هازارد، المؤلف النظري المناظر للدراسة، وعضو مبادرة رايس الكمية، في بيان صحفي: «ما لم تكن هناك حضارة فضائية تُجري تجارب كهذه الآن، ففي أي وقت تجري فيه هذه التجربة في جامعة كيوتو فإنها تصنع أبرد الفرميونات في الكون، والفرميونات ليست جسيمات نادرة، فهي تشمل أشياء مثل الإلكترونات وهي أحد نوعين من الجسيمات التي تتكون منها كل المادة».

واستخدم فريق كيوتو بقيادة مؤلف الدراسة يوشيرو تاكاهاشي أشعة الليزر لتبريد الفرميونات (أو الجسيمات مثل البروتونات والنيوترونات والإلكترونات التي يكون عدد دورانها الكمي نصف عدد صحيح فردي مثل 1/2 أو 3/2) من ذرات الإيتربيوم إلى ما يقارب جزءًا من مليار درجة من الصفر المطلق، وهذا يساوي تقريبًا 3 مليارات مرة أبرد من الفضاء بين النجوم.

لاتزال هذه المنطقة من الفضاء دافئة بسبب الخلفية الكونية للموجات الميكروية (CMB)، أو شفق الإشعاع اللاحق للانفجار العظيم منذ قرابة 13.7 مليار سنة.

أبرد منطقة معروفة في الفضاء هي سديم بوميرانج التي تبلغ درجة حرارتها درجة واحدة فوق الصفر المطلق وتبعد 3000 سنة ضوئية عن الأرض.

تمامًا مثل الإلكترونات والفوتونات، تخضع الذرات لقوانين ديناميكيات الكم، لكن سلوكياتها الكمومية تصبح قابلة للملاحظة فقط عندما تُبرّد إلى جزء من درجة الصفر المطلق. وقد استُخدِم الليزر لأكثر من 25 عامًا لتبريد الذرات لدراسة الخصائص الكمومية للذرات فائقة البرودة.

وقال هازارد: «إن المراد من تطبيق هذه البرودة هو أن الفيزياء تتغير بالفعل، فالفيزياء تصبح أكثر ميكانيكية كمومية، وتتيح لكم رؤية ظواهر جديدة».

في هذه التجربة، استُخدِم الليزر لتبريد المادة عن طريق إيقاف حركة 300000 ذرة من الإيتربيوم داخل شبكة بصرية، محاكيًا نموذج هوبارد، وهو فيزياء الكم الذي اقترحه لأول مرة عالم الفيزياء النظرية جون هوبارد في عام 1963. يستخدم الفيزيائيون نماذج هوبارد للتحقيق في السلوك المغناطيسي وفائق التوصيل للمواد، وخاصة تلك التي تنتج فيها التفاعلات بين الإلكترونات سلوكًا جماعيًا، ويسمح هذا النموذج للذرات بإظهار خصائصها الكمومية غير العادية، والتي تشمل السلوك الجماعي بين الإلكترونات (يشبه إلى حد ما مجموعة من المشجعين يؤدون “الموجة” في مباراة كرة قدم)، والتوصيل الفائق، أو قدرة الجسم على توصيل الكهرباء دون فقدان الطاقة.

وقال هازارد: «إن مقياس الحرارة الذي يستخدمونه في كيوتو هو أحد الأشياء المهمة التي توفرها نظريتنا، وبمقارنة قياساتهم بحساباتنا، يمكننا تحديد درجة الحرارة. وحققنا درجة الحرارة القياسية بفضل الفيزياء الجديدة الممتعة التي تتعلق بالتماثل العالي جدًا للنظام».

نموذج هوبارد الذي جرت محاكاته في كيوتو له مماثل خاص يعرف باسم SU (N). يرمز SU إلى المجموعة الوحدوية الخاصة، وهي طريقة رياضية لوصف التماثل، ويشير الحرف N إلى حالات الدوران المحتملة للجزيئات داخل النموذج.

كلما زادت قيمة N، زاد تماثل النموذج وزاد تعقيد السلوكيات المغناطيسية التي يصفها؛ وتمتلك ذرات الإيتربيوم ست حالات دوران محتملة. وكان جهاز المحاكاة في كيوتو هو أول جهاز يكشف عن الارتباطات المغناطيسية في نموذج SU (6) Hubbard. وبحسب الدراسة، فمن المستحيل حساب هذه الأنواع من الحسابات على الكمبيوتر.

وقال هازارد: «السبب الحقيقي لإجراء هذه التجربة، هو أننا متشوقون لمعرفة فيزياء نموذج SU (N) Hubbard هذا».

وأضاف طالب الدراسات العليا في مجموعة أبحاث هازارد والمؤلف المشارك للدراسة إدواردو إيبارا غارسيا باديلا: «إن نموذج هوبارد يهدف إلى التقاط المكونات الأساسية اللازمة لما يجعل المادة الصلبة معدنًا أو عازلًا أو مغناطيسًا أو موصلًا فائقًا».

قال إيبارا غارسيا باديلا: «أحد الأسئلة الرائعة التي يمكن للتجارب استكشافها هو دور التماثل، وامتلاك القدرة على هندسته في المختبر أمر استثنائي. فإذا تمكنّا من فهم ذلك، فقد يرشدنا ذلك إلى صنع مواد حقيقية ذات خصائص جديدة مرغوبة».

ويعمل الفريق حاليًا على تطوير الأدوات الأولى القادرة على قياس السلوك الذي ينشأ بمقدار جزء من المليار من الدرجة فوق الصفر المطلق.

ويقول هازارد: «هذه الأنظمة غريبة ومميزة للغاية، ولكننا نأمل أنه من خلال دراستها وفهمها، يمكننا تحديد المكونات الرئيسية التي يجب أن تكون موجودة في المواد الحقيقية».

  • ترجمة: إيمان عزيزة
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1