دراسة الفيروسات تهب لنا فكرة عن الحياة خارج الأرض

اجتمع علماء من جامعة زيورخ ومعهد ماكس بلانك لعلم الوراثة الجزيئية، بالإضافة إلى كلية طب إيكان في ماونت سيناي، ليقدموا تلخيصًا للأدلة الحديثة التي تحدت النظرية السائدة لأصل الحياة. وإليك مفادها:

اعتقد العلماء سابقًا أن الحياة الأولى ربما نشأت من تفاعل بروتينات -أو تفاعلات كيميائية أخرى مهمة للحياة- في بيئة الأرض الفتية، الساخنة والغنية بالمركبات الكيميائية، قبل أن توجد أي خلايا. وبعد ذلك صار الاعتقاد أن تلك التفاعلات الكيميائية ربما سيطرت عليها الخلايا الأولى لاحقًا. ولكن اضطر الباحثون، منذ فترة طويلة، إلى تغيير اعتقاداتهم مرة أخرى؛ إثر اكتشاف كميات كبيرة من الأحماض الأمينية، والحمض النووي الريبوزي (الرنا RNA)، والحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (الدنا DNA)، في نيازك مجموعتنا الشمسية.

وقد أوضحت الورقة البحثية التي نتحدث عنها أن التجارب التي حاكَتْ درجة الحرارة والحموضة، والضغط والطاقة، للأرض المبكرة قدمت دليلًا على أن الحياة ربما جاءت من تشكيلات عشوائية من الرنا وجزيئات صغيرة أخرى. وذكرت أن هناك فرضية وضعت بعد ذلك، مفادها أن الرنا ربما كان (شكل الحياة الأول) البدائي الذي تشكل على كوكبنا، وربما على كواكب أخرى.

يدعي المؤلفون أن هذا أدى إلى هذه النظرية الأحدث والمقبولة على نطاق واسع: ربما كان عالمنا «عالم رنا» في مرحلة ما من تطوره؛ عالمًا تتركب فيه الحياة من عدد قليل من جزيئات الرنا ذاتية التكاثر، التي عملت على نشر المعلومات بأسرع وقت ممكن، والتي تراكبت وأحماضٍ أمينيةٍ لصنع البروتينات التي من شأنها مساعدتها في عملها. المشكلة في هذه الفكرة أن الباحثين ما زالوا يكافحون من أجل هندسة جزيئات رنا تصنّع نفسها. وهذا أمر ضروري ليستطيع الرنا التكاثر والتطور. وهنا يأتي دور الفيرويدات (أشباه الفيروسات)، فهي أجزاء رنا يمكنها نسخ نفسها وإدخال نسخة منها في دنا المضيف باستخدام عمليات خلوية عادية.

حاولت دراسة أشرنا إليها سابقًا في هذه المقالة محاكاة الرنا. أظهر فيها الباحثون أنه في المحاليل الغنية بالأملاح والسكريات، يمكن للرنا أن ينمو تلقائيا بسرعة كبيرة. حتى إن جزيئاته استطاعت التكاثر عبر 74 جيلًا. من خلال النظر في كيفية تغير التسلسلات على مدى هذه الأجيال، تبين أن الفيرويدات تناسخت بسرعة وأصبحت أشرطة رنا أصغر فأصغر باستمرار.

يستنتج المؤلفون، بالاعتماد على ما نعرفه عن الفيرويدات، أن علينا التفكير بجدية في فكرة «الفيرويد أولًا» في نظرية أصل الحياة، على الرغم من عدم وجود ما يكفي من الأدلة حتى نكون واثقين. الخبر الجيد أن اكتشاف الجزيئات العضوية الصغيرة وجسيمات الفيرويد في عمق الفضاء، وتحت سطح الكواكب الأخرى، أسهل بكثير من إيجاد أدلة تدعم نظريات أخرى عن أصل الحياة. إذ تستخدم هذه النظرية التقنيات والعلوم المألوفة لعلماء الأحياء.

على الرغم من ذلك، لا يزال المهندسون الوراثيون يكافحون لإنشاء رنا ذاتي التناسخ خارج النموذج الشبيه بالفيرويد، ولم تظهر البروتينات والمركبات الاستقلابية في أرصادنا للفضاء خارج نظامنا الشمسي. لكن عُثر على أدلة على وجود جزيئات عضوية، مثل أجزاء من الرنا والدنا والبروتينات، على النيازك الحديثة. ما يثبت أن الفضاء يحتوي بالفعل على الظروف التي تتيح حدوث هذه التفاعلات الكيميائية خارج الأرض.

وأخيرًا يرجح المؤلفون أن بداية الحياة كانت بسيطة لا بد، وأن البحث عن آثار الفيروسات والفيرويدات وجزيئات الرنا الصغيرة، ونمذجة (أشكال الحياة) هذه، قد تكون المسار الذي يجب أن نركز عليه للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالحياة في الكون.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
  • المصادر: 1