ما هي الطريقة المُثلى للتعامل مع طفلك المتأخر في الكلام؟

كتبته “سوزان ميلدرام” من جامعة إديث كوان

لأنني مختصة في أمراض النطق والتخاطب، ولكوني محاضِرة جامعية، وأمًّا لصغاري، كثيراً ما يطرح علي نظير هذه الأسئلة:

لم يتكلم طفلي حتى الآن، هل ثمة مشكلة؟ هل أنا المسؤول عن هذه المشكلة؟

حتماً لا تمكن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة بمجرد «نعم» أو «لا» قبل معرفةٍ أدق لمزيد من التفاصيل؛ ولكنني عادةً ما أنهي الحوار بالقول: «إنه أمرٌ جدير بإمعان النظر فيه».

إن أسلوب «الانتظار والترقب» المتبع للتعامل مع الأطفال المتأخرين في الكلام -أو بتعبير أدقّ- الذين تظهر عليهم علامات التأخر في التواصل الكلامي نسبةً لأقرانهم، هذا الأسلوب الموصى به من الأجيال السابقة يوشك أن يُستبدل نتيجة ازدياد المعرفة بمراحل الطفولة المبكرة وكيف يمكن للتدخل فيها أن يساهم في العلاج.

من هم المتأخرون في الكلام؟

«المتأخرون في الكلام» مصطلح يطلق على الأطفال الذين لم يبدؤوا بالتحدث في السن الطبيعية التي يأخذ الأطفال فيها بالثرثرة وإصدار الأصوات، لم يُشخَّص هذا التأخر مرضيًّا، كما لا يقف سبب رئيسي وراءه، كاضطراب طيف التوحد، أو الإعاقة الذهنية، أو مشكلات السمع، لذا فإن التأخر في النطق ليس مُشخَّصاً رسميًّا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية؛ وعلى أثر ذلك تعددت النتائج السريرية لتشخيص هذا التأخر، إلا أن أكثر مفاهيمه شيوعاً هو عدم امتلاك الطفل مخزوناً لغويًّا من خمسين كلمة، أو عدم قدرته على تكوين جملة من كلمتين عند بلوغه الثانية من عمره، غير أن آخرين يرون هذا التعريف غير وافٍ.

وقد صنف البحث هؤلاء الأطفال في فئتين؛ فئة تعاني مشكلة استخدام الكلمات فحسب رغم فهمهم معانيها، والأخرى تواجه صعوبة في التعبير والفهم. وتصل نسبة التأخر في الكلام بين الأطفال في سن الثانية من 13% إلى 20% منهم مُشيرةً هذه النسبة إلى شيوع التأخر بين الأطفال في هذا السنّ إلى حدٍّ ما.

تُحدَّد إصابة الأطفال في الثانية والثالثة من العمر بالتأخر في النطق بعد خضوعهم لإشراف متخصص في أمراض النطق والتخاطب استناداً إلى تقارير آبائهم الذين يقدّمون تفاصيل عن التاريخ الوراثي لإصابة أحد أفراد العائلة باضطرابات اللغة، وكذلك عن سبل التواصل مع أطفالهم والإشارة إلى الكلمات التي يستطيعون فهمها ونطقها، ثم تُقارَن هذه المعلومات مع عينة كبيرة من الأطفال لتحديد ما إذا كان عدد الكلمات المفهومة والمنطوقة يقع ضمن «النطاق الطبيعي».

هل سيتجاوز طفلي مشكلة التأخر في الكلام؟

تتجاوز نسبة 50% من الأطفال هذه المشكلة، ولعل هذا ما يفسر شيوع نهج «الانتظار والترقب» على الرغم من أخطائه العديدة؛ فمبدئيًّا قد لا يلحق هؤلاء المتأخرون بالركب؛ ويظهر ذلك من ضعف أدائهم -تبعا لمقاييس اللغة ومحو الأمية- في السنوات الأخيرة من التعليم الابتدائي وما بعدها، يمكن لأدائهم أن يتحسن، ولكنهم قد يستمرون في مواجهة الصعوبات وربما تصبح أكثر تعقيدا في السن التي تصبح فيها المهارات اللغوية مهمة للتحصيل الدراسي والتنشئة الاجتماعية، غير أن العلاج المبكر كفيل بالتقليل من هذه المخاطر.

وثانياً؛ بعض الآثار السلبية قد تظهر على الطفل المتأخر ذي المخزون اللغويّ القليل؛ كالإحباط، والانسحاب، والعدوانية، لأنه على الأرجح لا يجد كلماتٍ تعبر عن مشاعره ورغباته، كما يشعر الآباء كذلك بضعف مشاركة صغارهم في الحياة الأسرية، وفي المدرسة، ودور الحضانة؛ لذا فإن العلاج ضروري لمساعدة هؤلاء الأطفال على إدراك التطور الطبيعي لأقرانهم، أو يمكن إيجاد طرق بديلة للتواصل ستحسن من مشاركتهم في الحياة الاجتماعية.

وأخيرا، وهو الأهم إن ظهور العلامات الأولى للصعوبات اللغوية هو عامل خطر كبير لاستمرارها كاضطرابٍ لغويٍّ نمائي، ويحدث هذا الاضطراب على الأقل في واحد من خمسة أطفال متأخرين في النطق، ويمكن أن يؤثر على أدائهم اليومي مدى حياتهم، ولا تتوقف الآثار السلبية عند هذا الحد بل إن تحصيل الطفل الدراسي، وتقديره لذاته، وصحته العقلية، وفرص العمل المتاحة، جميعها سينالها الضرر عند من يُشخّص بهذا الاضطراب. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في استحالة التمييز بين المتأخر في الكلام الذي ستنمو مهاراته اللغوية بشكل مثالي، ومن سيؤول به الحال إلى اضطراب اللغة النمائي.

ما هي عوامل خطورة استمرار المشكلات اللغوية؟

على الرغم من عدم وجود مؤشر واحد يسمح لنا بالتنبؤ بمواجهة الأطفال لمشكلات لغوية مستمرة على وجه اليقين، ولكن الولادة ذكرًا، وتاريخ العائلة في اضطرابات اللغة، والحالة الاجتماعية الاقتصادية، وانخفاض الوزن عند الولادة، وحجم المفردات المنطوقة والمفهومة، قد تعد عوامل محتملة في استمرار هذه الصعوبات اللغوية، زيادةً على ذلك، إن حمل العائلة لصفات وراثية جينية مرتبطة بالاضطرابات اللغوية يعدُّ عاملاً مهمًّا، بالإضافة إلى ارتباط اضطرابات القراءة كعسر القراءة المعروف ب (الديليكسيا) بشكل وثيق بالصعوبات اللغوية، ذلك عدا عن عوامل أخرى يذكرها الآباء في كثير من الأحيان وهي على سبيل المثال: تاريخ الإصابة بعدوى الأذن، أو وجود الأشقاء الأكبر سنا (الذين قد يدربونهم على الكلام)، هذه العوامل الأخيرة تقلل من احتمالية الإصابة بالاضطرابات اللغوية.

إن الحالة الاجتماعية والاقتصادية، وطرق تفاعل الآباء مع أطفالهم قد ذُكرت في البحث بصفتها عوامل خطر، ولكن يبدو من الصعب فصلها عن الآثار الناجمة عن الاضطرابات اللغوية العابرة للأجيال، إذ قد يتفاعل الآباء المعانون من مشكلات لغوية بصورة مختلفة تزيد من احتمالية انتقال السمات نفسها لأبنائهم، إلا أن البيئة ليست عاملاً أساسيًّا في تأخر النطق بدليل أطفال العائلة الواحدة الذين قد يواجه بعضهم تأخُّراً في الكلام وبعضهم لا يواجه، ما يقودنا إلى استنتاج أن البيئة لا تشكل سوى جزءٍ من هذا اللغز، لذلك، فليطمئن الآباء إزاء «عدم تسببهم» بتأخُّر أبنائهم لعدم التحدث إليهم كثيراً.

تحفيز الكلام المبكر

يتخذ متخصصو أمراض النطق الآن وجهة نظر نشطة وحذرة مفادُها: تدخَّل بدلاً من المراقبة والانتظار.

قد يفيد التدخل كثيرا في مثل هذه الحالة وذلك بعد تدريب الآباء على عدة أساليب للتدخل، تتلخص في:

  • تبيُّن طرق التواصل الأخرى لدى الطفل وتشجيعها (مثل نظرة العين، والإشارة، والتعبير بالأصوات).
  • تتبُّع اهتمامات الطفل أثناء اللعب.
  • التوقف أكثر لملاحظة التواصل وتشجيعه لدى الطفل.
  • تقليل طرح الأسئلة المتكررة («ما هذا؟» «من يتحدث؟»).
  • استبدل بهذه الأسئلة جملاً تتوافر فيها التعابير اللغوية أثناء تفاعلك مع طفلك، كأن تصف خطواتك أثناء اللعب («لقد حصلت على الصلصال الأخضر، وها أنا أصنع حلزونًا»).

وقد أظهرت مراجعة منهجية حديثة لنتائج أربعٍ وثلاثين دراسة حول «التدخل بدلا من المراقبة» إبلاغ نسبة 93% من هذه الدراسات عن تحسُّن ملحوظ في المفردات التعبيرية للمتأخرين في الكلام.

لذلك، حينما أُسأل فيمَ لو كان التأخر في الكلام يمثل مشكلة، أؤكد عدم وجود دليل ملموس على تسبُّب الآباء بما يواجهه أبناؤهم من صعوبات كلامية كما أؤكد توافر المساعدة في مثل هذه الحالة.

إذا لم يتحدث طفلك كما يفعل أقرانه، إنه لأمرٌ يجدر إمعان النظر فيه.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق لغوي: دانية دويرج
  • المصادر: 1