أحدُ الأقارب الغامضين للبشرِ جرى ذبحه وأكله قبل 1.45 مليون سنة!

يبدو -واستنادًا إلى أثر لعظمٍ قديم- أنَّ أحدًا ما كان جائعًا بشدة حتى أكل جزءًا من ساقٍ تعود لأشباه البشر Hominin، وذلك منذُ ما يقارب 1.45 مليون عام، وليس بالأمر الغريب، فهو سلوك معروفٌ عبرَ الزّمن.

إلَّا أنَّ قصبة الساق هذه -ذات الخدوش والتي تعودُ إلى أحد أقارب البشر المجهولين الذي اعتادَ العيشَ فيما يعرف الآن بكينيا- ربَّما تمثل أقدم مثال شاهدناه على مذابح أشباه البشر بين بعضهِم البعض.

أجرى فريقٌ تحليلٍ مفصَّلٍ ثلاثيِّ الأبعاد لتلك الخدوش بقيادة (بريانا بوبينر Briana Pobiner) عالمة الأنثروبولوجيا القديمة من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمعهد (Smithsonian)، إضافة إلى إجراء تجارب أخرى ابتغاء معرفة ما الذي أحدث تلك الخدوش على تلك العظم.

وأظهرت نتائجهم أن الذي على العظم من آثار سببه أدواتٌ حجرية، كما هو الحال أثناء تجريد اللحم استعدادًا لأكله.

قالت بوبينر: “يخبرنا ما توصلنا إليه من معلومات أنّ أشباه البشر كانوا -على ما يبدو- يأكلونَ بعضهم بعضًا منذ ما يقارب 1.45 مليون عام”.

وأضافت: “هنالك أمثلة لا حصر لها لأنواع من الشجرة التطورية للبشر بأنهم قد أكلوا بعضهَم بعضًا بغيةَ الاغتذاء، لكنَّ هذه الحفريَّة تقترحُ أنَّ أقاربَ نوعنا البشري كانوا يأكلونَ بعضَهم بغية البقاء، في زمنٍ مغرقٍ بالقدَمِ أكثرَ ممَّا كنَّا نظنّ”.

وبالرغم منْ أنَّ دراسة نُشرت العام السابق، إذ توصلتْ إلى أننا نحن البشر وأقاربنا وأسلافنا قد احتللنا مرتبة عالية للغاية في السلسلة الغذائية خلال مليوني سنة خلتَا، إلّا أنّ أشباه البشر قد انتهى بهم المطاف -في بعض الأحيان- كوجبة لشيء مدبب الأسنان.

وذلك لا يحدث بالقدر الذي تتصوره، لذلك أخذت بوبينر على عاتقها دراسةَ العظام المتحفّرة لأشباه البشر، باحثة عن علاماتٍ لآكلي لحوم Canivary.

وقد وجدت شيئًا غير متوقعٍ على إحدى العظام من المواقع الأثرية في كوبي فورا (Koobi Fora) كينيا، والتي تعود إلى 1.45 مليون سنةٍ في عصر البليستوسين المبكر، فبدلًا من أن تجد آثار أسنان لشيءٍ يشبه الأسدَ، وجدت ما بدا بشكل ملحوظ وكأنَّه آثار قطع متعمَّدة.

وهذا الشيء في الحقيقة أكثر انتشارًا مما نظن عبر تاريخ البشر.

غالبًا آثار القطع هذه تعتبر طقوسًا طبيعية، جزء من عملية دفنِ الموتى، كما أنها كانت طريقة شائعة وهو أن ينحت البشر من عظام موتاهم أشياء مزخرفة، مثل: الأمشاطِ والقلائد والمجوهرات.

وأيًّا يكن، فإنها تعتبر في بعض الأحيان دليلًا على ما يسمى (Anthrophagy) والتي تعني: أنْ يأكل البشر لحم بشرٍ آخرين.

على الرغم، أنه ليس من الضروري أن يكون الآكل والمأكول من النوعِ ذاته؛ وهذا بدوره يعني أنَّ ما نتحدث عنه هنا -بصراحة- هو الكانيباليّة Cannibalism¹.

يصعب إثبات الأنثروبوفاجي القديمة، فالغرض الذي لأجله جرت معالجة العظم يمكن أن يساء تفسيره في غياب أدلّةٍ أخرى، ومع ذلك فإن هنالك عظامٌ تعود إلى عصرِ الباليستوسين لا جدالَ فيها حول تفسيرها للأنثروبوفاجي أو الكانيبالية.

صنعت بوبينر قالبًا للعظم مستخدمة مواد تشكيل خاصة بالأسنان -لتحديد ما تلك الجروح التي كانت على العظم- وأرسلت القالب إلى عالم الأنثروبولجيا القديمة (مايكل بانتي Michael Pante) من جامعة كولورادو، ليرى ما الذي يمكن فعله مع هذه العلامات.

فحص القالب وقارنه بقاعدة بيانات مكوّنةٍ من 898 عينة لآثار أسنان ودهس وتقطيع والتي قد أُنشِئَتْ بحذر عبر الزمن خلالَ تجارب مضبوطة، ووضعت جميعها في مصدر واحدٍ لهذا الغرض.

كانت نتائج هذا الفحصِ واضحة للغاية، فقد وجد أن 9 من أصل 11 أثرٍ على العظم كانت آثار تقطيع بشكل لا لبس فيه، وذلك طبقًا لمجموعة من الأضرار الناجمةِ عن أدوات حجرية، والعلامتان الباقيتان كانتا آثار أسنان أسد.

لكنَّهُ من غيرِ الواضح أيهما كان الأسبق، التقطيع أم الأسد؟

وحسب بوبينر فإن آثار التقطيع هذه كانت متلائمة مع ما ينجم عن تجريد اللحم عن العظم -استعدادًا للأكل-.

لقد كانت تلك الجروح مائلة وموجهة بالاتجاه نفسه، كأنَّ من أحدثها كان يقطّعُ دون أن يغيّر من وضعية قبضته على الأداة الحجرية، وحتى دون أن يتحرك أيضًا.

وتقع جميع الجروح في المكان الذي يمكن أن تتصل به عضلة الساق بالعظم، فتلك هي البقعة المثالية للجذّ إذا كان الغرض منه تشفيةَ كتلةٍ من اللحمِ.

قالت بوبينر: “تبدو علاماتُ التقطيع هذه مشابهةً لما سبقَ وشاهدْتُهُ على أحافير حيواناتٍ جرى معاملتُها بغيةِ الأكل”.

وأضافت: “وعلى الأرجح يبدو أنه جرى التهام لحمِ هذه الساق من أجل الاغتذاءِ وليس من أجل الطقوس”.

أما فيما يتعلّق بالنوع الذي تعود له هذه الساق؛ فإننَا لا ندري الآكلَ منَ المأكول.

فعندما وُصفَت هذه الساق علميًّا في بداية السبعينات بعد اكتشافها، عُرَّف صاحبها بأنه (Australopithecus boisei).

أُعيدَ تعريفها في التسعينات باعتباره (Homo Erectus).

ومع ذلك، قرر علماء الأنثربولوجيا والأركيولوجيا من ذلك الوقت أننا لا نملك بياناتٍ كافيةً لنجري تحديدًا للأنواع، ولا نعرف تحديدًا أيٌّ من أنواعِ أشباه البشر الجائعة التي سببت تلك الجروح.

إذ يمكن أن يكون أيّ عددٍ من أشباه البشرِ المعاصرين، لذا ما دمنا لا نستطيع استبعاد الكانيبالية، ولا إثباتها صراحةً،

فإن أقربَ ما يمكنُ أن نخلصَ إليه هو الأنثروبوفاجي.

والسؤال الآخرُ الذي يبقى دونَ إجابةٍ: فيما إذا كانت تلك العظمة أقدمَ دليلٍ معروفٍ على الأنثروبوفاجي أم لا؟

هنالكَ جمجمةٌ تعودُ إلى ما بين 1.5 و2.6 مليون سنة، فُسِّرَ ما عليها من علاماتٍ بأنّهُ من أثرِ أدواتٍ حجريّةٍ؛ لكن جرى التشكيكُ في هذه النتيجة، ولربما قد حان الوقت لكي نعيدَ النظرَ في هذه العظمة.

ولربّما هنالك أحافير أخرى مثل هذه، تقبعُ في المتاحفِ، منتظرةَ أن يصلَ الناسُ لها ويقرَؤُون ما عليها من علاماتٍ لغة التاريخ.

قالت بوبينر: “يمكنكم تحقيقُ بعض الاكتشافات المذهلة بالعودة إلى مجموعات المتحف، وإلقاء نظرة أخرى على الأحافير”.

وأضافت: “ما من أحدٍ يرى كلَّ شيءٍ من النظرة الأولى، فقد يستغرقُ ذلك مجتمعًا من العلماء محمّلينَ بأسئلةٍ مختلفةٍ وتقنياتٍ ليستمروا في توسيع معرفتنا عن العالم”.

الهوامش:

¹: الكانيبالية أو Cannibalism هي: أن يكون الآكل والمأكول من نوع واحد.

  • ترجمة: عدي حسن اسماعيل
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1