أقدم عينة حمض نووي اُكتشفت ترسم صورة خصبة للعالم القطبي المفقود

منذ زمن بعيد في الشمال، كان أحد أركان غرينلاند أخضر ويعج بالحياة وأكثر دفئًا.

تعد غرينلاند بالرغم من اسمها الخضِر مكان غير متوقع تواجد النباتات به، يسكن بها أقل من 60 ألف شخص فقط بالرغم من أن مساحتها أكبر من المكسيك ويعيش معظمهم على الساحل الجنوبي الغربي، وليس غريبًا أن أغلب المناطق في المكان مغطاة بالثلج، وفي العديد من الأماكن يكون الهواء جاف جدًا بحيث لا يمكن تواجد الثلج به.

قام الباحثون باكتشاف نظام بيئي قديم كامل لشاطئ الجزيرة المهجور. وهو مختلف بشكل كبير عن نظامنا الحالي، حيث أوضح أن الموستودون قديمًا سُتر خلال غابات كثيفة قبل وصول الإنسان الحديث لشاطئه.

استبدل علماء الجيولوجيا والأحياء استخدام الحفريات لاستكشاف ذلك العالم المفقود بحمض نووي يبلغ 2.4 مليون عام اُستخرج من الأرض نفسها وهي أقدم عينة لمادة وراثية، وقام الباحثون بتحليلها ونشرها في ورقة بحثية نُشرت اليوم في مجلة نيتشر لفَهم كيف كان يبدو جزء صغير من غرينلاند عندما كان مناخ الأرض أكثر دفئاً.

يقول إسكي ويلرسليف، عالم البيئة في جامعة كوبنهاجن في الدنمارك وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة وأحد القائمين على هذه الدراسة، “أظهرت العينة نظام بيئي لا يوجد له نظير اليوم”.

يعد استخراج أي نوع لحمض نووي قديم اكتشاف نادر، حيث يستخرجه العلماء عادة من كائنات حية ويتلاشى سريعًا بعد الموت. يمكن للحمض النووي المُستخرج أن يكشف للعلماء ماهي الفصيلة المُنتمي إليها لأنه يشبه الباركود، ويسمى من قِبل العلماء بالحمض النووي البيئي أو eDNA كاختصار.

يشرح مهرداد هاجيبابي عالم الأحياء في جامعة جويلف في كندا “إنه نوع من التحليل الجنائي الذي يقومون به في مسرح الجريمة، يمكن تعريف الكائن الحي في تلك البيئة.”.

تعد هذه التجربة الجديدة أسلوب رائع لرصد التنوع البيولوجي، واكتشاف فصائل جديدة، وتعقب الأنواع الغازية. لكن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها في استخدام eDNA لإعادة تشكيل نظام بيئي كامل يعود لما قبل التاريخ.

يتحلل eDNA في الغبار مع الوقت في معظم الحالات، لكن في الظروف المناسبة، مثل حفظه جاف أو معلق في معادن أو مجمد، يمكن أن تُحفظ لألاف أو ملايين السنين. حيث عُثرُ على eDNA المستخدم في ذلك التحليل في شبه جزيرة بيري على شاطئ غرينلاند القطبي على بعد حوالي 450 ميلًا جنوبًا من القطب الشمالي.

استخرج ويلرسليف وزملائه العينات لأول مرة من تربة صقيعية في أرض بيري لم يكونوا متأكدين من وجود أي eDNA ناج. لذلك قام الفريق بتجربة طرق جديدة لاستخراجه، وكان العديد من جهودهم غير مثمر. يقول ويلرسليف “قمنا بإعادة النظر في تلك العينات، وفشلنا مرارًا وتكرارًا حتى قبل عامين.” فماذا تغير إذًا؟

طورت كارينا ساند، عالمة الجيولوجيا وأحد معاوني ويلرسليف، طرق أفضل للعثور على المعادن الحاملة للeDNA. ووفر ذلك للباحثين استهداف قطع من الطين والكوارتز، وتحرير eDNA، وتعريف تسلسله، كما مكنهم من دراسة عينات أصغر.

قبل ذلك البحث، كان أقدم حمض نووي اُكتشف لاثنين من الماموث الصوفي حُفظ في جليد سيبيريا وقدر عمره بين 1.2 مليون إلى 1.7 مليون عام. لكن قاس ويليرسليف وساند عمر الحمض النووي المُكتشَف ليجد أنه أقدم بكثير ليبلغ عمره 2.4 مليون عام.

بدأو في فحص قطع eDNA لإيجاد تطابقات في التسلسل. لم يكن ذلك بسيطًا أيضًا، نظرًا لكيفية تطور الحياة منذ بداية العصر البليستوسيني، لم يُعثر على تطابقات في الحمض النووي مع الحيوانات الموجودة حاليًا أو مع الحيوانات في السجل الأحفوري. مما ألزمهم للتوجه للكائنات ما قبل التاريخ التي لم يتم تعقبها كاحتياطي لاستيضاح الفصائل القريبة.

وُجد بعض التطابقات مع الماستودون في سجل eDNA الخاص بهم، وهو من فصيلة الفيل الحديث. كما وُجد ترابط مع حيوان الرنة، والقوارض، والإوز، وبعض المخلوقات المرتبطة بالنمل والبعوض وبقايا من الأحياء البحرية منها الشعاب المرجانية وسرطان حدوة الحصان الذين عاشو قديمًا في المياه القطبية. لا تزال بعض الحيوانات الصغيرة تعيش في غرينلاند ولكن للبعض الآخر أصبحت المنطقة باردة جدًا لهم. في الواقع، تشير سجلات المناخ إلى أنه قبل 2.4 مليون سنة، كانت غرينلاند أكثر دفئًا بحوالي 20 إلى 34 درجة فهرنهايت مما هي عليه اليوم.

على الجانب النباتي، حدد الباحثون مزيجًا غريبًا من الأشجار الورقية المتساقطة مثل الحور والبتولا (يشبه ما قد تجده في بريطانيا أو شرق الولايات المتحدة) وشجيرات القطب الشمالي (كما قد تجده في شمال كندا). لقد كان مزيجًا من الظروف المعتدلة والقطبية التي لا توجد حقًا على الأرض اليوم.

تقول ليندا أمبريتشت، عالمة الأحياء في جامعة تسمانيا في أستراليا لكن لم تكن مؤلفة في تلك الورقة، “تعد هذه دراسة مثيرة للغاية وإنجاز رائع للمؤلفين، ويوضح إلى أي مدى وصل المجال فيما يتعلق باستحداث أدوات جديدة لدراسة الأنظمة البيئية القديمة”.

و كما يقول حاجيبابائي “إنه يساهم بشكل كبير في فهمنا لكيفية اختلاف الأرض في مناطق مثل القطب الشمالي” ويضيف أن هذه الدراسة يمكن أن توضح للعلماء كيفية دراسة النظم البيئية في تغير المناخ.

  • ترجمة: فاطمة حسام
  • تدقيق علمي ولغوي: دنيا سيد
  • المصادر: 1