كيف يشمُّ البعوض فريسته؟
إن دماغ البعوض يتجاوب بنوعٍ فريد لخليط مميز من المركبات الموجودة في رائحة جسم الانسان، مما يسمح لها بتعقبنا عن طريق الرائحة.
هنالك بعض الأشياء التي يمكن أن تُفسِدَ حفلة الشواء الصّيفية مثل سرب من البعوض. إذ أبدو على هيئة مصباح بشري جاذب للحشرات؛ وكوني من الأشخاص الذي يرغب الجميع بتواجده في حفلة الهواء الطلق. ويكون الأصدقاء بجواري غير منزعجين، في حين أتعرض للسحق من قبل هجوم لا متناهي لبرابرة متعطشة للدماء، وخطوط الكدمات تزحف على جلدي المكشوف.
حالما يتذوقون جزء مني؛ يبدو وكأنه لا يستطيع الاكتفاء! ولكن كيف يختار البعوض ضحاياه؟
إن بعوض (الزاعجة المصرية) يتخصص بلسع البشر-مهارة تسبب القشعريرة- هذه الفصيلة الدولية تنتشر حول العالم، وتحمل معها الحمى الصفراء وفيروسات أخرى معدية للبشر؛ وللحدّ من انتشار هذا المرض، أراد العلماء فهم كيف يجد البعوض فريسته.
إن بعوضة الزاعجة المصرية تميّز الحيوانات باستخدام العلامات، مثل حرارة الجسم وغاز ثاني أكسيد الكربون المنطلق من أنفاسها.
ويستطيع تمييز البشر عن الحيوانات الأخرى من الرائحة، وذلك بسهولة مثيرة للانزعاج. إذ إن قدرته على اكتشاف البشر بالرائحة مُثيرة للعجب؛ لأن رائحة جسم الحيوانات تحتوي على جزيئات مشابهة لفصائل مختلفة.
درس فريق دولي بقيادة علماء الأحياء من (جامعة برينستون) مؤخرًا لمعرفة كيف يلسع البعوض.
إن البعوض يشمّ بواسطة أجزاء من أفواهه وقرون الاستشعار، وهذه الحساسات تتصل بمنطقة معينة في دماغ الحشرة عن طريق حزمة من الخلايا العصبية أو الكبيبات، وقد طوّر الفريق أداة تصويرية جديدة لرؤية أي من الكبيبات تستجيب للرائحة.
أولًا: عدّل العلماء جينات البعوض ليصبح لديها كبيبات تضيء عندما تتفعل، ووضعوا كل بعوضة على حِدة في حمالات مبنية خصيصًا، ودفعوا برأسها نحو فتحة صغيرة قياسها بحجم رأس البعوضة.
وأخيرًا، وجّهوا تدفق هوائي باتجاه الحشرات المحتجزة، وشاهدوا ردة فعل أدمغتها.
حملت هذه التدفقات الهوائية روائح مختلفة وتضمنت روائح من (البشر، جرذ، خاروف)، واختبروا هذه الاستجابات تجاه زفير الانسان، غاز ثاني أكسيد الكربون الاصطناعي، وأكمام سترة جديدة كأجهزة التحكم.
استخدم الباحثون تقنية تسمى الفحص المجهري بتنبيه الفوتون الثنائي لرؤية أي كبيبية تضاء في الاختبارات. هذه الطريقة ترصد الكيماويات الوهّاجة في الأنسجة الحية حتى سماكة ميليمتر. وكانت هذه الاستجابات بسيطة بصورة مفاجئة -الروائح فعّلت ثلاث كبيبات رئيسية، واستجابت إحدى الكبيبات فقط لروائح البشر، وواحدة أيضًا استجابت لروائح الحيوان، وواحدة منها استجابت للاثنين. تظهر هذه الاستجابات أن دماغ البعوض مركّب للتمييز بين البشر والحيوانات الأخرى عن طريق الرائحة.
وبعدها، أجرى الباحثون تجربة نفق الرياح لاختبار إذا كان البعوض يستخدم هذه الكبيبات لتعقب البشر في البرية، وأطلقوا البعوض من الجهة السفلية للرياح في النفق، وكانت هناك سحب مصطنعة من الروائح من الجهة العليا للرياح، واستخدموا الآلات لتصوير تحت الأشعة الحمراء داخل النفق لمشاهدة سلوك البعوض، وأثبتت التجارب أن الحشرات انجذبت بشدة للروائح المصممة لتفعيل الكبيبات الخاصة بالبشر، وكانت هذه الاستجابة ذات فائدة تحديدًا لإيجاد الفريسة على بعد مسافة طويلة، عند غياب الحرارة والإشارات البصرية.
حلّل علماء الأحياء الكيماويات في عيّنات الرائحة لاكتشاف ما الذي جعل أدمغة البعوض تستجيب. وقد وجدوا أن روائح البشر والحيوان تتضمن مجموعات متطابقة من المركبات الكيماوية، ولكن بكميّات مختلفة. إنه كأنك تخلط طلاء الأحمر، الأبيض والأصفر- الطلاء المثقل باللون الأصفر ستحصل على اللون البرتقالي، المثقل باللون الأحمر ستحصل فقط على الأحمر. إنه مثل تفضيلنا بعض الألوان على الأخرى، خليط مختلف من الكيماويات هي أكثر أو أقل جذبًا للبعوض. واستجابت كبيبات الحشرات للنسمات المؤلفة من خليط الكيماويات المماثل للبشر بالطريقة نفسها التي استجابت بها للخليط الطبيعي للبشر.
إذا ما الذي يجده البعوض جذّاب بما يخص روائح البشر؟
إن روائح البشر غنيّة بالشحم، وهي مركبات دهنية تفرز من مسامات الجلد والشعر، وعلى عكس العرق الذي يُنتج عن طريق أجسامنا بالمقدار نفسه، سواء كنا نأخذ قيلولة أو نتمرن، هذه السمات تجعلها كشّاف للبشر وجدير بالاعتماد.
تفضيل البعوض للشحم قد يساعد العلماء بتصميم استراتيجيات أكثر فعالية لحجزهم، ويتفاوت الدهن أيضًا بين أفراد البشر. هذا الاختلاف يمكن أن يفسر لماذا البعوض يستهدف بعض الناس أكثر من غيرهم.
في هذه الدراسة، بعوضة الزاعجة المصرية تفضّل الناس بمستويات شحم قريبة للطبيعية على الذين لديهم مستويات أعلى أو أقل من الدهن.
لتفسير جاذبيتي الشخصية للحشرات، صرّحت أمي ذات مرة أنني من المؤكد “أكثر حلاوة من الآخرين”. على ما يبدو كانت على خطأ.
من وجهة نظر البعوض أن الرائحة التي تنبعث مني متوسطة بوجه لا يقاوم.
- ترجمة: جيسيكا حموي
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1