يكشف النحل عن ذكاء جماعي شبيه بالإنسان لم نكن نعلم بوجوده

النحلة الطنانة المتواضعة دليل على أن حجم الدماغ ليس كل شيء.

أظهرت هذه الحشرة الصغيرة، بدماغها الصغير بصغر حجم البذرة، مستوىً من الذكاء الجماعي في تجارب اعتقد العلماء أنها فريدة تمامًا للبشر.

عندما تدرب النحل الطنان من نوع “Bombus terrestris” في المختبر على فتح صندوق ألغاز بخطوتين، استطاع تعليم الحل لنحلة أخرى لم تر الصندوق من قبل.

هذه النحلة البسيطة لم تكن لتحل اللغز بمفردها. لتعليم النحل “المتظاهر” الحل غير بديهي في المقام الأول، كان يجب على الباحثين أن يظهروا لهم ما عليهم فعله ويقدموا لهم مكافئة بعد الخطوة الأولى لإبقائهم محفزين.

يتحدى هذا الاكتشاف رأيًا شائعًا في هذا المجال: وهو أن القدرة على تعلم السلوكيات اجتماعيًا التي لا يمكن ابتكارها من خلال التجربة الفردية والخطأ فريد بالنسبة للبشر، كما كتب فريق الباحثين المقيمين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

لدى البشر تاريخ طويل في “تحريك الأهداف” فيما يميز جنسنا البشري عن غيره.

في السابق، اعتُقِدَ أن البشر هم الحيوانات الوحيدة التي تتمتع بالثقافة. لكن تشير الأغاني “الفيروسية” بين العصافير، واللهجات والتقاليد المتطورة للحيتان، واستراتيجيات الصيد الإقليمية لحيتان الأوركا، وحيل الأدوات المستفادة من القرود والغربان والدلافين، إلى أن السلوكيات المنقولة اجتماعيًا موجودة في المجتمعات الحيوانية أيضًا.

حتى أن بعض هذه السلوكيات الثقافية تظهر عليها علامات الصقل والتحسين بمرور الوقت. على سبيل المثال، يتعلم الحمام الزاجل من بعضه البعض ويعدل مسارات الطيران الخاصة بثقافته سنة بعد أخرى.

إحدى الطرق المؤثرة لتحريك أهداف الذكاء البشري هي القول بأن البشر متميزون عن الحيوانات الأخرى لأننا نستطيع أن نتعلم أشياء من بعضنا البعض لا يمكننا اختراعها بشكلً مستقل.

فكر في الجهاز الذي تقرأ عليه هذه المقالة الآن، ولا يستطيع أي إنسان أن يخترع جميع أجزائه وآلياته من الصفر بمفرده وفي عمر واحد، لقد استغرق الأمر عقودًا من العمل والتحسين للوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة، حتى أن القراءة بحد ذاتها هي مهارة اكتسبتها أجيال من البشر شيئًا فشيئًا.

من الواضح أنه لا يمكن لأي حيوان تجميع جهاز آيفون أو قراءة مقال عن الذكاء الحيواني. ولكن على المستوى الأساسي، ينضم النحل الطنان إلى الشمبانزي في “إثارة شكوك جدية حول هذا الاستثناء البشري المفترض” كما كتب أليكس ثورنتون، عالم البيئة بجامعة إكستر، في مراجعة لأبحاث النحل الطنان لمجلة Nature.

تتمتع الشمبانزي بأدمغة كبيرة وحياة ثقافية غنية، لكن الاكتشاف بين النحل الطنان، كما يقول ثورنتون، “مثير للإعجاب لأنه لا يركز على أبناء عمومة الإنسان من الرئيسيات، ولكن على… حيوان يبلغ حجم دماغه بالكاد 0.0005% من حجم دماغ الشمبانزي.”.

لقد تم التقليل من شأن النحل الطنان لعقود من الزمن، ويرجع ذلك إلى حد كبير لحجمه، وقد حصل النحل الطنان أخيرًا على حقه.

تظهر التجارب الحديثة في المختبر أن هذا النحل يمكنه التعلم من بعضه البعض، واستخدام الأدوات، والعد إلى الصفر، وتنفيذ المعادلات الرياضية الأساسية.

ولا ينبغي أيضًا استبعاد الذكاء الجماعي لعقولهم الخلية.

ولاختبار ذلك، قامت عالمة السلوك أليس بريدجز من جامعة كوين ماري في لندن وزملاؤها بإيواء مستعمرات من النحل الطنان مع لغز من خطوتين لمدة إجمالية تبلغ 36 أو 72 ساعة على مدار 12 أو 24 يوماً متتالياً دون أي مساعدة بشرية.

وبعد كل هذا الوقت، لم يتمكن النحل من معرفة كيفية الحصول على المكافأة السكرية. يقضي النحل الطنان وسطياً حوالي 8 أيام في البحث عن الطعام طوال حياته، لذلك يبدو الأمر كما لو كان لديهم ما يصل إلى ثلث حياتهم في البحث عن الطعام للعمل على اللغز.

في الصورة أدناه يمكنك رؤية اللغز. الدائرة الصفراء تحتوي على قطرة سكر تحت غطاء بلاستيكي. يمكن للنحل الوصول إليه عن طريق الضغط على اللسان الأحمر، ولكن فقط بمجرد دفع اللسان الأزرق خارجًا.

لقد تطلب الأمر من الإنسان أن يوضح للنحل الطريق، ولم يكن هذا ممكنًا إلا باستخدام مكافأة إضافية. ولكن بمجرد أن تكتشف إحدى النحلات اللغز، يمكنها تعليم الآخرين كيفية تحريك اللسانين للحصول على قطعة سكرية.

كما نُشرت مؤخرًا تجربة مماثلة على الشمبانزي في مجلة Nature Human Behavior. أظهرت دراسات الحالة الخاصة بالفقاريات واللافقاريات تبادلًا للأفكار التي كان من الصعب جدًا تعلمها بمفردك.

وبطبيعة الحال، لم يتم ملاحظة هذا السلوك في البرية. فكان لا بد من تعليمها للنحل والشمبانزي أولًا، لكن النتائج تترك الاحتمال مفتوحًا، أنه إذا كان هناك أمر نادر يحدث لمرة واحدة في العمر في مجتمع الشمبانزي أو النحل – أينشتاين بين النحل – قد تظل أفكاره موجودة في الثقافة الحيوانية وتستخدم لأجيال قادمة.

على سبيل المثال، فإن رقصة النحل الشهيرة التي تهز العسل، مع الإشارة إلى المسافة والاتجاه وجودة مصادر الغذاء، هي سلوك كان يُعتقد في السابق أنه غريزي بحت، ولكن يبدو الآن أنها تتشكل إلى حد ما من خلال التأثيرات الاجتماعية.

وفي عام 2017، قام الباحثون أيضًا بتدريب النحل الطنان على دحرجة الكرة نحو المرمى للحصول على مكافأة. ولكي تسجل الحشرات هدفها، كان عليها أن تتعلم من بعضها البعض وتصحح أخطائها السابقة. وهكذا فعلوا.

وكتب ثورنتون أن أحدث تجربة “تشير إلى أن القدرة على التعلم من الآخرين ما لا يمكن تعلمه بمفردك يجب أن تنضم الآن إلى استخدام الأداة والذاكرة العرضية (القدرة على تذكر أحداث سابقة محددة) والتواصل المتعمد في كومة” من التفسيرات للإدراك والثقافة البشرية.

  • ترجمة: ريتا معلا
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1