أيها الآباء! لا تركزوا على السعادة، بل ساعِدوا في بناء المرونة النفسية بدلاً من ذلك

يريد الآباء الأفضل لأطفالهم، لكنّ المرونةَ النفسية تساعد الأطفال على التعامل بشكل أفضل مع تحدّيات الحياة التي لا يمكن تجنّبها.

ولأن الآباء يريدون الأفضل لأطفالهم، فإنهم غالباً ما يركزون كثيراً على سعادتهم، لكن السعادة تنبع من المرونة التي تساعد الأطفال على التحكّم في المشاعر الصعبة والمواقف العصيبة. والمرونة ليست سمة ثابتة، إنها مهارة يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم على تطويرها.

مقتطف من كتاب (الداخل الجيد): دليل لتصبح الوالد الذي تريده “بقلم بيكي كينيدي. حقوق الطبع والنشر © 2022 للدكتور بيكي كينيدي. نُشِرَ بواسطة Harper Wave، وهي نسخة من دار نشر HarperCollins، تستخدم بإذن كل الحقوق محفوظة. قالت لي إحدى الأمهات:” يجب أن يكون أطفالي أكثر سعادة مما هم عليه الآن، لديهم كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه، وما زالت كلّ هذه الأشياء الصغيرة تزعجهم “.” ابنتي تقلق كثيراً بشأن مثل هذه الأشياء الكبيرة كالتشرّد، والموت، وعدم المساواة من حولها… وهي في السابعة من عمرها فقط! “. يقول أحد الأباء في صفحتي:” أقول لها دائماً: توقفي عن القلق! دعينا نفكر في كل الأشياء الجيدة في حياتك! لكنها لا تزال مستيقظةً في الليل، غير قادرة على النوم “.” لقد كنت طفلاً وحيدًا ومكتئباً “، تعترف لي إحدى الأمهات:” أريد أن أكون والدةً مختلفةً لأطفالي عما كان عليه والداي بالنسبة لي، شريكي ينزعج مني، لأنه يقول إنني أنقذ أطفالنا دائماً، وأجعل حياتهم سهلة للغاية. هل هذا سيئ للغاية؟

لا تفعل ذلك! هل تريد أن يكون أطفالك سعداء يا دكتور بيكي؟ هل أريد أن يكون أطفالي سعداء؟ بالتأكيد ! بالطبع ! ومع ذلك، لا أعتقد أن السعادة هي ما يتحدث عنه هؤلاء الآباء حقاً. أعتقد أن هناك شيئاً أعمق بكثير يحدث. فكّر في هذا: ما الذي يؤدي في الواقع إلى السعادة؟ هل القضاء على القلق والشعور بالوحدة لدى أطفالنا، وضمان شعورهم بالسعادة في جميع الأوقات يمكّنهم من تنمية السعادة بأنفسهم؟ ماذا نعني حقاً عندما نقول: “أريد فقط أن يكون أطفالي سعداء؟” ما الذي نتحدث عنه عندما نقول: “ابتهج!” أو “لديك الكثير مما يجعلك سعيداً !” أو “لماذا لا يمكنك أن تكون سعيداً؟” أنا شخصياً لا أعتقد أننا كذلك نتحدث عن زراعة السعادة، بقدر ما نتحدث عن تجنّب الخوف والضّيق. لأننا عندما نركز على السعادة، فإننا نتجاهل كل المشاعر الأخرى التي ستظهر حتماً طوال حياة أطفالنا، مما يعني أننا لا نعلمهم كيفية التعامل مع تلك المشاعر.

ومرّة أخرى، فإن الطريقة التي نعلّم بها أطفالنا – من خلال تفاعلاتنا معهم فيما يتعلق بالألم أو المشقة – ستؤثر على كيفية تفكيرهم في أنفسهم ومشاكلهم لعقود قادمة. لا أعرف والداً واحداً لا يريد الأفضل لأطفاله. أدخلني في: أريد الأفضل لأطفالي! ومع ذلك، فأنا لست متأكداً أنّ “الأفضل” بالنسبة لهم هو “أن يكونوا سعداء فقط”. وبالنسبة لي، فإن السعادة أقل إلحاحاً بكثير من المرونةالنفسية.

وفي نهاية المطاف، فإنّ تنمية السعادة تعتمد على التحكم في الضيق، فعلينا أن نشعر بالأمان قبل أن نشعر بالسعادة. لماذا علينا أن نتعلّم كيفية تنظيم الأشياء الصعبة أوّلاً؟ لماذا لا تستطيع السعادة الفوز والتغلب على كل المشاعر الأخرى؟ سيكون ذلك أسهل بالتأكيد، ولسوء الحظ، في تربية الأبناء، كما هو الحال في الحياة، فإن الأشياء الأكثر أهمية تتطلب عملاً شاقاً ووقتاً، ومن المُؤكَّد أنّ مساعدة طفلك على بناء المرونة ليس بالأمر السهل، ولكني أعدك أن الأمر يستحق ذلك.

تصوّر جسمك جَرّةً كبيرة، تطفو جميع المشاعر المختلفة التي يمكن أن تشعر بها، ومن أجل التبسيط، لنفترض أن هناك فئتين رئيسيّتين من المشاعر: تلك التي تُشعِر بالانزعاج، وتلك التي تشعر “بسعادة أكبر”، وفي وعاء المشاعر لدينا كل شعور تحت الشمس.

إنّ حجم كل عاطفة يتغير باستمرار وبالتالي المساحة التي تشغلها في الجرة تتغير أيضاً، والآن، تذكر أنّ أجسادنا لديها نظام إنذار فطري، وتقوم بالبحث المستمر عن الخطر قبل أي شيء آخر، فعندما لا نكون قادرين على التعامل مع المشاعر مثل خيبة الأمل والإحباط والحسد والحزن، أي عندما تشغل كل المساحة في وعاء المشاعر، تبدأ أجسامنا في الاستجابة للضغط النفسي.

وليست المشاعر الصعبة وحدها هي التي تدفع أجسادنا إلى الشعور بعدم الأمان. نشعر أيضاً بالضِّيق بسبب تعرضنا للضيق، أو نشعر بالخوف من الخوف. بمعنى آخر (على افتراض عدم وجود تهديد جسدي فعلي، ولكن ببساطة التهديد من المشاعر غير المريحة والساحقة). فعندما نبدأ في التفكير: “آه! أنا بحاجة إلى التخلص من هذا الشعور الآن”، يزداد الضيق وينمو، ليس كردّ فعل على التجربة الأصلية، ولكن لأننا نعتقد أن هذه المشاعر السلبية خاطئة، أو سيّئة، أو مخيفة، أو أكثر من اللازم.

في نهاية المطاف، هذه هي الطريقة التي يترسخ فيها القلق داخل الشخص، فالقلق هو عدم تحمل الانزعاج. إنها تجربة عدم الرغبة في التواجد في جسدك، فكرة أنك يجب أن تشعر بشكل مختلف في تلك اللحظة المحددة، وهذا ليس نتيجة الإحباط أو رؤية نصف الكأس الفارغ، إنه نتاج التطور، فأجسادنا لن تسمح لنا بالاسترخاء إذا كنا نعتقد أن المشاعر بداخلنا طاغية ومخيفة. إذن أين السعادة هنا؟ حسناً، المكان مزدحم. لا يمكن أن تظهر إلى السطح.

وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو، إذ كلما اتسع نطاق المشاعر التي يمكننا تنظيمها، وإذا تمكنّا من إدارة الإحباط وخيبة الأمل والحسد والحزن، زادت المساحة المتاحة لنا لتنمية السعادة. إنّ تنظيم عواطفنا يؤدي بشكل أساسي إلى تطوير وسادة حول تلك المشاعر، مما يخفّفها ويمنعها من استهلاك الجرة بأكملها. إذن التنظيم أولاً، والسعادة ثانياً، وهذا يترجم إلى تربيتنا فكلما اتسع نطاق المشاعر التي يمكننا تسميتها وتحملها لدى أطفالنا (مرة أخرى، هذا لا يعني السلوكيات)، اتسع نطاق المشاعر التي سيكونون قادرين على إدارتها بأمان، مما يوفر لهم قدراً متزايداً من المشاعر والقدرة على الشعور وكأنهم في المنزل مع أنفسهم. هل أريد لأطفالي أن يختبروا السعادة؟ بدون أدنى شك، نعم، أريدهم أن يشعروا بالسعادة كأطفال وكبالغين، ولهذا السبب أركز بشدة على بناء المرونة.

إن المرونة النفسية، في كثير من النواحي، هي قدرتنا على تجربة مجموعة واسعة من المشاعر وبقاء شعورنا بأنفسنا. وتساعدنا المرونة على التعافي من التوتر والفشل والأخطاء والمحن في حياتنا فالمرونة تسمح بظهور السعادة.

إن تطوير المرونة لا يعني أن نصبح محصّنِين ضدّ التوتر أو الصراع، فهذه بالطبع حقائق لا يمكن تجنبها في الحياة، ولكن قدرتنا على التحمل تحدّد كيفية تعاملنا مع تلك اللحظات الصعبة، وكذلك كيف نختبرها. فالأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة هم أكثر قدرة على التكيف عند ظهور اللحظات العصيبة. وإليك معادلة مفيدة (على الرغم من تبسيطها قليلاً): الإجهاد + التأقلم = الخبرة الداخلية. والأخبار الجيدة هي أنّ المرونة ليست سمةً شخصية ثابتة يمتلكها الأطفال، أو يفتقرون إليها، لكنها مهارة يمكن تنميتها، ونأمل أن يساعد الآباء في غرسها في أطفالهم منذ الصغر، لأننا لا نستطيع دائماً تغيير الضغوطات المحيطة بنا، ولكن يمكننا دائماً العمل على قدرتنا على الوصول إلى المرونة النفسية.

  • ترجمة: منار زياد ديوب
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1