من أنا؟ سؤال لا بُدّ لكل مولود من رحم السرطان أن يتفكّر فيه مليًّا

لا تستعجل وانتَقِ حروف الإجابة بعناية، لعلّها تحمل الكثير من معاني الرحلة.

أَثناء تصفحي بتطبيق انستغرام، استوقفني منشور لكاتبة مشهورة استكملت مؤخرًا علاجها مع السرطان. عبَّرت فيه عن استياءها من بعض المسميات التي تُضاف لمرضى السرطان مثل (قوي) أو (مُحارب) ووصفت تجربتها بأَنها لم تَعد كونها مجرد رحلة لشابّة واجهت فيها التحديات التي اعترضت طريقها وبذلت ما في وسعها لتستمتع برؤية طفلها يكبر أمام عينيها.

وضجَّ منشورها بتفاعل المئات من الناجين الذين تحدثوا عن المشاعر التي راودتهم عندما أطلق الناس عليهم هذه المسميات أو صنفوا أنفسهم بناءً عليها.

وأفادت الغالبية العظمى أَن إطلاق المسميات مثل (مُحارب وقوي) تَتفرّع عنه تقسيمات ثنائية مزعجة تحصرك بأن تكون أَما قوي أو ضعيف، غالب أو مغلوب.

في حين رأى آخرون أن وصفهم بالمُحاربين أضفى بريق الشرف والفخر على المعركة التي خاضوا غمارها وانتصروا فيها.

وتُشير العديد من الدراسات أن انتقاء لَقبك وهويتك أثناء رحلة العلاج من السرطان، تكاد تكون أهم الخطوات الأولية لتكتب فيها فصل تجربتك مع السرطان في كتاب حياتك الشخصية، وخير مُعين على تجاوز مرحلة العلاج.

فعلى سبيل المثال، طلب باحثون ألمانيون من مرضى تماثلوا للشفاء من سرطان البروستات بعد سنوات عديدة من تلقيهم للعلاج، أن يختاروا هوية واحدة من أصل خمس هويات متعلقة بمرض السرطان، فاختار معظمهم التعريف عن أنفسهم كشخص أُصيبَ بالسرطان أو (مريض).

وربعهم فقط عرَّفوا أنفسهم كقاهر للسرطان أو (ناجٍ من السرطان).

إلّا أَن مستويات التعافي لديهم كانت أعلى بشكلٍ عام.

أما الذين عرَّفوا أنفسهم كضحية، ارتفعت معدلات إصابتهم بالاكتئاب وانخفضت نسبة التعافي بينهم بالمُجمل.

غير أَن هذه النتائج ليست نتائج عالمية. فمثلًا يعد نوع السرطان عاملًا مؤثرًا في اختيار المسميات. وفقًا لدراسة حديثة استهدفت البالغين المتماثلين للشفاء من أنواع مختلفة من السرطان أثناء طفولتهم، فقد اختار معظمهم أن يعرفوا أنفسهم كناجون، إلّا أَنهُ -وعلى غرار تجربة الناجين من سرطان البروستات المذكورة أعلاه- فإِنَ غالبية الذين عرَّفوا أنفسهم كضحية كانت صحتهم النفسية والعقلية اسوأ بالمُجمل، وكانوا أكثر عرضة للإدمان على الكحول.

وتُشير الدراسات على أَن المرضى الذين ربطوا هويتهم بوصف (ناجٍ) بدلًا من (ضحية) الذي يوحي بالسلبية، كانت نتائج صحتهم النفسية أفضل بعد انتهائهم من العلاج.

وتُبين نتائج أبحاث ل23 دراسة جرت عام 2016 وتناولت موضوع تحديد الهوية لمرضى السرطان بعد استكمالهم للعلاج، وجود رابط وثيق بين تسمية (ناجٍ من السرطان) والتمتع بجودة حياة أفضل بعد السرطان. لعلها إشارة تنبيه تذكرنا بحجم القوة الكامنة في الكلمات التي نختارها لوصف تجاربنا.

ربما نجح السرطان باختراق هويتك والتلاعب بملفات التعريف لديك فزعزع كيانك، لا تقلق، فمن الطبيعي أن تستشعر هذا التغيير وأن يراودك السؤال التالي: (من أنا؟) ولكن التفكير بهويتك المستقبلية أثناء دوران عجلة الحياة، من أنجع الوسائل التي ستهيؤك لمستقبل مغاير كليًا عمّا تخيلته قبل سماعك لكلمة (سرطان) وستتوج مسيرتك مع السرطان بوسام الشرف.

ولعل السرطان غادرك مخلفًا وراءه أكوامًا من المشاعر السلبية. لا عليك، فالتأمل بالماضي وحسن الظن بالمستقبل سيبني من جديد دعائم شعورك بالتحكم في مجريات حياتك، وسيشق لك دروبًا لم تخطر على بالك قبل رحلة العلاج.

ولربما الآن هو الوقت الأمثل للتخطيط لأهدافك واعادة ترتيب قيمك واختيار الهوية التي تُعَبّر عن كيانك.

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1