شهوة تجتاح الحُب: التأثيرات النفسية للموسيقى الحديثة

شهدت العناصر الغنائية للموسيقى الشعبية تغيرًا جسيمًا خلال العقود الأربعة الماضية. حيث كشف التحليل المفصَّل ل40 أغنية تصدَّرت المنصات الإعلانية بين عامي (1971-2011) عن تغير مثير للاهتمام؛ فبينما خمدت أغاني الحُب، اندلعت موجة الأغاني المتمركزة حول الشهوة الخالية من الحُب وبالأخص في موسيقى “الراب الراقصة”.

إن هذا التحوّل في المحتوى الغنائي لا يُمثل مجرد انعكاس للمبادئ المجتمعية، بل يُعنى ضمنيًا بصياغتها وخصوصًا فيما يتعلق بالحياة الجنسية خارج العلاقات العاطفية.

ويُقدّم هذا البحث منظورًا جديدًا للكيفية التي صُوِّرت فيها الرغبة الجنسية (الشهوة) والرغبة العاطفية (الحُب) في الموسيقى الشعبية التي تُعتَبر أداة مؤثرة في تشكيلِ الوعي العام وتحديدًا وسط المراهقين والشباب.

وتسلِّط نتائج البحث الضوء على تغير ثقافي يتجه نحو التقبل المتزايد للحياة الجنسية خارج النطاق العاطفي المتعارف عليه. وركَّز البحث خلال تحليله ل 360 أغنية على التداخل بين فكرتي الشهوة والحُب في كلمات الأغاني الموسيقية وتطورها مع الوقت.

ويعكس تراجع أغاني الحُب والأغاني الجامعة للشهوة والحُب معًا والمقترن بتفشي الأغاني التي ركزت على الشهوة في ظل غياب الحب؛ تغيرًا في السلوك المجتمعي.

ويتجلَّى هذا التوجه خصيصًا في موسيقى “الراب الراقصة” رغم تفشيه في مختلف الأنواع الموسيقية. وبالإضافة لأثره على المبادئ الثقافية، يُعتَبر دليلًا على نقلة مجتمعية تدعو لتقبل الحياة الجنسية خارج حدود العلاقات العاطفية.

ويُعتَبَر المراهقون والشباب أكبر الفئات المستهدفة؛ كونهم يعتمدون على الإعلام كمصدرٍ رئيسي لمعلوماتهم الجنسية. فتعرضهم لهذا التيار الفكري يُشكّل مواقفهم وأدوارهم الجنسية نظرًا لمحدودية خبراتهم الشخصية.

وتلعب الأغاني الشعبية -نظرًا لتصدرها قائمة المحتوى الجنسي مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى الموجَّهة للشباب- دورًا خطيرًا في هذا التيار. والدليل الدامغ لمدى تأثيرها أن نسبة التفاعل مع الموسيقى بين الفئات العمرية من (8-18) عام بلغت 16 ساعة أسبوعيًا.

وعُنيت الدراسة أيضًا بدراسة طريقة تصوير الأدوار بين الجنسين في الموسيقى الشعبية. ووثَّقت توجهها نحو الأدوار النمطية بين الجنسين، فغالبًا ما ظهرت المرأة بصورة وعاء جنسي ومصدر لمتعة الرجل بالأخص في الموسيقى المرئية. وتختلف هذه الصورة باختلاف نوع الموسيقى، حيث أتضح المحتوى الجنسي والتجسيد في موسيقى الراب الراقصة وضوح الشمس.

ومن الجدير بالذكر أن البحث وضع هذه النتائج ضمن إطار التغيير العام الذي طرأ على الموسيقى الشعبية عَبر الزمن. فمنذ ستينيات القرن الماضي تطورت الموسيقى الشعبية من حيث الصوت والمحتوى والأفكار.

هذا التغيير لم يقتصر على المحتوى الجنسي فحسب، بل وصل للأنغام المُثيرة للعواطف كالموسيقى الحزينة والأصوات الصاخبة وتباين طبقات الصوت والتلميح لسلوكيات غير مقبولة مجتمعيًا، وإدمان الخمر. إن هذه التغييرات ما هي إلّا انعكاس لتغيرات أعظم في المجتمع والثقافة.

إن تركيز منهج الدراسة على موضوعي الشهوة والحُب في كلمات الأغاني يزودنا بنظرة فريدة لنفهم حقيقة هذه التوجهات. وخلافًا للدراسات السابقة التي غالبًا ما سلطت الضوء على أفعال جنسية محددة أو المحتوى التجسيدي، تندرج موضوعات الأغاني بشكلٍ عام وفقًا لهذه الدراسة إما تحت الرغبة الجنسية (الشهوة) أو العاطفة الوجدانية (الحُب). ويوضّح هذا المنهج التداخل التدريجي بين هذين الموضوعين في الموسيقى الشعبية.

ولعلَ أبرز نتائج الدراسة أن ازدياد الموضوعات المتمركزة حول الشهوة لا يمثل مجرد تزايد في المحتوى الجنسي إجمالًا؛ خلافًا لذلك، فهو يمثّل تغيرًا في الطريقة التي يُعاد فيها تشكيل الرغبة الجنسية من خلالِ الابتعاد عن طريق العاطفة والجنوح نحو مسارات عابرة مقطوعة.

ويُشير هذا التغير الذي ظهر مع بداية الألفية الثانية لنزعة ثقافية نحو تطبيع الحياة الجنسية خارج إطار العلاقات العاطفية المتعارف عليها.

فضلًا عن ذلك، تناولت الدراسة الأدوات الكامنة وراء هذه التوجهات مثل جنس الفنان ونوع الموسيقى. ومن الجدير بالذكر أن جنس الفنان لم يكن له تأثير ملحوظ على موضوعي الشهوة والحُب في الأغاني؛ بيد أن نوع الأغنية أحدث فارقًا كبيرًا؛ حيث تميَّزت موضوعات موسيقى الراب الراقصة بكونها أشد تركيزًا على الشهوة وأقل توجهًا نحو الحُب بالمقارنة مع الأنواع الأُخرى للموسيقى. ويتوافق هذا التوجّه القائم على النوع مع النتائج السابقة حول صورة الحياة الجنسية في موسيقى الراب الراقصة.

ورغم النتائج التي خَلُصت إليها، تعترف الدراسة بمحدوديتها وتشجّع على استكمال الأبحاث المستقبلية. كما تقترح إجراء تحليلات أعمق يتخللها تقييمات سنوية واختيار عيِّنات أوسع، وبالتالي يزداد عمق فهمنا للفوارق بين هذه التيارات الغنائية.

بالإضافة لذلك، تسلِّم الدراسة بضرورة معرفة أثر هذه الموضوعات على المُستمعين وتحديدًا فئة المراهقين والشباب الأكثر تعرضًا وتأثرًا بالموسيقى الشعبية.

ختامًا، قدمت الدراسة رؤية شاملة لأطوار الموسيقى الغنائية الشعبية على مدى 4 عقود، وأشارت لانعكاساتها وآثارها الضمنية على السلوكيات المجتمعية حول الحُب والشهوة. وشددت على قوة تأثير الموسيقى؛ باعتبارها مقياسًا ثقافيًا وأداة تعكس الوعي العام وتساهم بتشكيله، خصيصًا في نطاق الحياة الجنسية البشرية.

  • ترجمة: آلاء نوفلي
  • تدقيق لغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1