دراسة جديدة تكشف: كيف يمكن أن تكون العضلات المُتعَبَة مصدرًا لألم الرقبة والعمود الفقري
إن تعلم لغات جديدة، إرسال رسائل البريد الإلكتروني، حضور فصل دراسي افتراضي، أو التحدث إلى أحبائك في النصف الآخر من الكرة الأرضية هي بعض المهام التي يمكن إنجازها بلمسة زر على الهاتف الذكي. ولكن للأسف، فإن السهولة والراحة التي توفرها الأجهزة الحديثة تأتي أيضًا مع ألم في الرقبة. فالطبيعة المستقرة للعمل والاستخدام المطول للأجهزة المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ساهمت في زيادة حدة آلام الرقبة.
وبينما كان يُشتبه منذ فترة طويلة في أن التعب في عضلات الرقبة يسبب الألم، فإن التغيرات الميكانيكية الفعلية في العمود الفقري والعضلات التي تسبق الضعف لا تزال سؤالًا بارزًا.
أما الآن، فقد اكتشف باحثون من جامعة تكساس إيه آند إم أن الإجهاد المستمر للرقبة يسبب تعب العضلات الذي يؤدي بعد ذلك إلى زيادة انحناء العمود الفقري العنقي وذلك عن طريق استخدام التصوير بالأشعة السينية عالية الدقة لتتبع حركات العمود الفقري أثناء مهام إجهاد الرقبة، الأمر الذي يؤدي إلى آلام الرقبة.
وقد نُشِرت نتائجهم في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.
قال الدكتور شيدونغ تشانغ، أستاذ في قسم الهندسة الصناعية وهندسة النظم: «نحن نتحدث عن حركات دقيقة للرقبة في الأوضاع الثابتة التي يصعب التقاطها. كما أنها معقدة للغاية لأن هناك العديد من الأجزاء الفردية في الرقبة، أو كما نسميها، مقاطع الحركة. ومع هذه الدراسة، قدمنا لأول مرة دليلًا قاطعًا على أن التعب يسبب تغيرات ميكانيكية تزيد من الخطر».
قال تشانغ إن هذا الفهم يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية عملنا وتصميم المنتجات (مثل الأجهزة القابلة للارتداء على الرأس) التي يمكن أن تقلّل من خطر آلام الرقبة.
تعدّ آلام الرقبة واحدة من أكثر الاضطرابات العضلية الهيكلية شيوعًا، وعلى مستوى العالم، يعاني نحو 2,500 فرد من كل 100,000 من شكل من أشكال آلام الرقبة. في الواقع، بحلول عام 2050، من المتوقع أن يزيد العدد العالمي لحالات آلام الرقبة بنسبة 32.5%. إن عامل الخطر المهم لآلام الرقبة هو الوضعية السيئة والمستمرة لفترات طويلة. وبالتالي، يعتبر العمل لساعات طويلة على الكمبيوتر في وضعية منحنية، أو الاستخدام المطول للأجهزة الذكية عوامل مهمة مساهمة في آلام الرقبة.
تحافظ عظام العمود الفقري على وضعية الرقبة ديناميكيًا وتسحبها إلى موضعها بواسطة العضلات التي ترتبط بها. فعلى الرغم من أن الرقبة مرنة للغاية، إلا أنها غير مستقرة للغاية أيضًا.
قال تشانغ: «تُصدر العضلة الحركات عن طريق إنتاج القوة. لقد افترضنا أنه عندما تتناقص قدرات إنتاج القوة للعضلات المختلفة، فإن أوضاع العظام تتغير ويمكن عندها التقاط ذلك».
ولاختبار فكرتهم، جنّد الباحثون متطوعين أصحاء لمهمة إجهاد الرقبة حتى الإرهاق. لقد حافظ المشاركون على رقابهم في الوضع المحايد، 40 درجة ممدودة (منحنية للخلف) و40 درجة منحنية للأمام لفترة معينة. واستخدم الباحثون تخطيط كهربية العضلات (EMG) لقياس نشاطها الكهربائي. وعلى وجه الخصوص، قاسوا تعب العضلات بشكل موضوعي من خلال التغيرات في تردد إشارة EMG. بالإضافة إلى ذلك، استخدموا تقنية الأشعة السينية الديناميكية عالية الدقة لتتبع حركات العمود الفقري العنقي الصغيرة التي كانت بترتيب بضع درجات.
قال تشانغ: «علينا تخيّل العمود الفقري العنقي كجسر ناتئ. إذا كان هناك إجهاد مفرط و/أو متكرر على هذا الجسر، فقد يترهل أو ينحني؛ وبالمثل، إذا تعبت العضلات، فقد ينحرف العمود الفقري العنقي».
لقد أكدت التجربة النموذجية للباحثين أن الإجهاد المستمر يؤدي بالفعل إلى ظهور إشارات EMG للتعب. فمن الناحية البيوميكانيكية، يعدّل التعب العضلي ميكانيكية العمود الفقري، مما يزيد من احتمالية الإصابة.
كخطوة تالية، سيطوّر الباحثون نماذج بيوميكانيكية ديناميكية، وهو نهج جديد يَعِدُ بتوفير فهم أكثر واقعية للحالات العضلية التي تسبق التعب. وعلى عكس النموذج في هذه الدراسة الذي يفترض إجهاد الرقبة الثابت، سيلتقط النموذج الديناميكي الجديد التغيرات الدقيقة ولكن الحاسمة في العضلات والعظام بمرور الوقت.
- ترجمة: محمد العبود
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1