ربما عثرنا على المكان الذي أصبح فيه الإنسان المعاصر والإنسان البدائي واحدًا
عندما ظهر البشر المعاصرون من أفريقيا، استكشفوا أكثر بكثير من مجرد أماكن جديدة، فقد واجهوا أجناساً بشرية أخرى، وفي جبال زاغروس في إيران، فعلوا أكثر بكثير من مجرد إلقاء التحية. اذ يشير بحث جديد إلى أن هذا هو المكان الذي تزاوج فيه الإنسان العاقل والإنسان النياندرتال (الإنسان البدائي)، مما أدى إلى تغيير مصير جنسنا على الأقل، حيث ما زلنا نحمل الحمض النووي لإنسان النياندرتال بعد آلاف السنين.
وقد استخدم عالم الآثار سامان غوران من جامعة كولونيا الألمانية وزملاؤه مزيجًا من البيانات الجينية والأثرية والطبوغرافية والبيئية لتحديد الموقع. وقد كتب الفريق في بحثهم الصادر: ”نعتقد أن جبال زاغروس كانت بمثابة ممر يسهل انتشار الإنسان الحديث شمالاً وانتشار إنسان نياندرتال جنوباً.“.
تضم هذه المنطقة أحد أشهر مواقع الإنسان البدائي، وهو كهف شانيدار، حيث تم اكتشاف رفات عشرة أفراد من بني البشر البدائيين، بما في ذلك مدفن الزهرة الشهير.
وقد كشفت مثل هذه الاكتشافات أن إنسان النياندرتال أكثر ذكاءً وإبداعًا واهتمامًا مما كنا نعتقده في البداية. اذ تشير نماذج غوران وفريقه استنادًا إلى مصادر البيانات المتعددة إلى أن جبال زاغروس هي المكان الذي تلتقي فيه الظروف البيئية التي تناسب الإنسان الحديث وتلك التي كانت تناسب بشكل أفضل أقاربنا المنقرضين الآن، وهي تشمل مناطق ذات ظروف بيئية أكثر برودة مثل مواطن ولادة إنسان النياندرتال في القطب الشمالي البالياركي وكذلك المناطق الأكثر دفئًا في العالم الأفرو-استوائي التي شهدت ولادة جنسنا البشري.
يقول الباحثون: “تشير الأدلة الأثرية والحفرية إلى أن الإنسان الحديث دخل جنوب غرب آسيا خلال هذا الوقت. “ويتزامن هذا التوقيت، بين حوالي 120 و80 ألف سنة مضت، في الوقت الذي لا زال محفوراً في جيناتنا، وبفضل تنوعها البيولوجي المرتفع، كان لدى منطقة زاغروس أيضاً ما يكفي من الموارد للسماح لكلا النوعين بالعيش جنباً إلى جنب، كما أن تنوع البيئات سمح بوجود أماكن آمنة عندما تصبح الظروف المناخية صعبة.
يوضح غوران وفريقه أن ”المناطق الحدودية بين المجالين مهمة في علم الأحياء لأنها تعمل كملاذ آمن للأنواع من البيئات الجليدية. “بل ربما كانت مثل هذه التحولات في الظروف المناخية هي التي دفعت كلا النوعين إلى التقارب معاً، مما زاد من مستوى تفاعلهما. اذ تدعم سن واحدة من أسنان إنسان نياندرتال عمرها 65,000 سنة، مرتبط بمجموعة من الأدوات الحجرية، نموذج غوران وفريقه البيئي وذلك يضع إنسان نياندرتال في المكان المناسب خلال الوقت المناسب.
وما هو اكثر من ذلك، اذ وجد في البحث السابق أوجه تشابه في ملامح الوجه بين الإنسان البدائي والإنسان الحالي في نفس المنطقة على حد سواء.
ومن الغريب، أنه في حين أن لدينا أدلة دامغة على وجود الحمض النووي لإنسان نياندرتال في البشر، لم نعثر بعد على مثال للحمض النووي للإنسان الحديث في إنسان نياندرتال، وقد يعود السبب في ذلك إلى ندرة عينات الحمض النووي المتوفرة من إنسان نياندرتال، أو قد يكون ذلك بسبب الفصل الجيني بين النوعين الذي دام 500,000 سنة أو نحو ذلك من السنوات، مما جعل التبادل الجيني الناجح نادرًا، لذلك يشجع غوران وفريقه علماء الآثار الإيرانيين على التحقيق في المنطقة التي حددوها بحثًا عن مزيد من الأدلة على مثل هذه الألغاز.
فقد تقاسم النوعان من البشر الهضبة الفارسية لعشرات الآلاف من السنين، قبل أن يفقد الإنسان البدائي سيطرته على الوجود. والآن، لم يبق من هذه البشرية الأخرى شيء على قيد الحياة إلا بفضل هذه اللقاءات.
- ترجمة: شيلان ابنيه
- تدقيق علمي ولغوي: الأيهم عبد الحميد
- المصادر: 1