دواء النسيان، حقيقة موجودة، ولكن هل يجب إستخدامه؟
هل يعدّ نسيان من آذانا الهدية المثالية الحقيقية لعيد الحب؟ كتب بابلو نيرودا عام 1924 “الحب قصير والنسيان طويل”. أفادت صحيفة الجارديان عام 2016: “تخيّل لو كان بإمكانك حذف الذكريات السيئة. حسنًا، يمكنك ذلك.”.
إن هذا التوجه العلاجي حقيقي بالفعل. على وجه الخصوص، تعتمد العديد من الإستراتيجيات على الأدوية لاستهداف عملية إعادة ترسيخ الذاكرة، عندما تكون الذكريات أكثر عرضة للتلاعب. ويمكن أن تندرج العديد من اللحظات -الحوادث، الصدمات النفسية، الكوارث، المعاناة العاطفية والجسدية، المشاهد المروعة، مشاهد الموت – ضمن معايير النسيان بمساعدة طبية، خاصة الذكريات التي تسبب المًا شديدًا أو تعرقل حياة الشخص اليومية.
التخلص منها “وفقًا لما أوردته صحيفة نيورك تايمز، فقد ثبت نجاح دواء” زيب” على الفئران. كما تم استخدام المسكنات العادية، وحتى التخدير، لتخفيف ألم الرفض الاجتماعي أو الذكريات الصادمة. ومن بين الأدوية الأكثر شيوعًا التي توصف لهذا الغرض، دواء حاصرات بيتا بروبرانولول “المتواضع. قد يكون دواء بيتا بلوكر معروفًا لدوره في ضبط ضغط الدم والقلق المرتبط بالاداء، وحتى الصداع النصفي. ويساعد أيضًا على زعزعة الذكريات المخيفة والتي تُعدّ الأصعب نسيانًا.
إذا كانت الذكريات لا تُنسى تمامًا، فماذا لو كان من الممكن نسيان الجانب المؤلم لفصل العاطفة عن المضمون؟
في مقال نُشر عام 2009 عن الذاكرة في مجلة دسكفر تم سرد تجربة ريتا ماجيل، والتي تطوعت للمشاركة في علاج تجريبي لمتلازمة ما بعد الصدمة بعد تعرّضها لحادث سيارة مروّع.
“تناولت جرعة منخفضة من” بروبرانولول “وهو دواء شائع لضغط الدم والذي يقلل نشاط اللوزة الدماغية، المنطقة الدماغية المسؤولة عن معالجة المشاعر. ثم استمعت إلى تسجيل معادٍ لحادث السيارة التي تعرضت له.
لقد عادت لتخيل ذلك اليوم في ذهنها مرارًا وتكرارًا. ولكن الاختلاف هذه المرة أن الدواء قد فك الارتباط بين ذاكرتها الواقعية وذاكرتها العاطفية. يحجب دواء البروبرانولول تأثير الأدرينالين، وبالتالي منعها من التوتر والقلق. ومن خلال جعل ماجيل تفكر في الحادث بينما الدواء يسري في جسدها. أمَل (طبيبها النفسي) في تغيير طريقة تذكرها للحادث بشكلٍ دائم. وقد نجح الأمر. لم تنسَ الحادث لكنها تمكنت بفاعلية من إعادة تشكيل تذكرها للحادث، فنزعت منه الرعب مع الاحتفاظ بالحقائق.
وهذا مشابه لدراسة اجريت عام 2011 باستخدام الميترابون والذي يقوم بدوره لمنع خلق هرمون الاجهاد الكرتزول، في هذه الدراسة تم اخبار مجموعة من الرجال القصة ذاتها وذلك عن طريق عرض تقديمي مصور مُحكم بواسطة جهاز الكمبيوتر. ومثل معظم القصص، تضمنت هذه القصص كلمات وصور محايدة وكذلك كلمات وصور سلبية عاطفيًا.
بعد ثلاثة أيام، طُلب من المشاركين العودة. تلقت واحدة من المجموعات الثلاث جرعة واحدة من الميتيرابون. وتلقت المجموعة الثانية جرعة مضاعفة، بينما تلقت المجموعة الاخيرة جرعة وهمية.
طُلب من المشاركين إعادة سرد القصة، وأعيدت هذه العملية مرة اخرى بعد أربعة أيام. لوحظ أن الرجال الذين تلقوا الجرعة المضاعفة كانوا أقل عرضةً بكثير لتذكر الأجزاء السلبية من القصة. التفاصيل المحايدة، ومع ذلك ظلت التفاصيل المحايدة كما هي.
يثير النسيان العلاجي جدلًا أخلاقيًا واسعًا. يتضمن تقرير عام 2003 والذي صدر من قبل مجلس الرئيس للأخلاقيات الحيوية. والذي يحمل عنوان: “ما وراء العلاج: التكنولوجيا الحيوية والسعي للسعادة” تثبيط الذاكرة “ضمن مجموعة واسعة من الاعتبارات الأخلاقية. (اذا قرأت تقرير واحدًا لمجلس الرئيس المعني بالاخلاقيات الحيوية هذا العام فليكن هذا التقرير!
يطرح التقرير هذه الأسئلة “إذا كانت لدينا القدرة من خلال تناول دواء لتعديل الذاكرة على الفور، على تخفيف التأثير العاطفي لما يمكن أن يصبح ذكريات مؤلمة، متى قد نميل لاستخدامه؟ ولأي الأسباب يجب أن نستسلم أو نقاوم هذا الاغراء؟
يوفر التقرير عدة أسباب للامتناع عن ذلك:
1 – إن هذا الأمر يهدد بتقليل خطورة الأفعال المخزية أو المشاكل الفضيعة ويجعلها تبدو أقل سوءًا مما هي عليه في الواقع.
2 – إن امتلاك ذكريات صادقة ليست مجرد مسألة شخصية. ومن الغريب قول أن ذاكرتنا الشخصية ليست ملكًا لنا فقط، بل هي جزء من نسيج المجتمع الذي نعيش فيه.
3- ربما أكثر من أي موضوع آخر في هذا التقرير، تعد الذاكرة محيرة. فهي جوهر هويتنا كأفراد ومجتمع. لحد الآن يصعب تحديدها بشكلٍ دقيق فهي متغيرة جدًا في معانيها المتعددة ومظاهرها المتنوعة.
ثم هناك صديقتي ليلى، التي بصقت معظم مشروبها على قميصي عندما أخبرتها عن هذا المجال الطبي “هل انتِ جادة حقًا؟” لولا ما حدث لي لما كنت شيئًا على الإطلاق.
أوافقك الرأي، فأنا نفسي عبارة عن مجموعة من الدروس التي استطعت استخلاصها من الأشياء الغريبة والسيئة التي حصلت لي. ولكن دعونا نستمع لعالمة الأعصاب ماريا مونفايلس والتي تعمل لدى مختبر مونفيلس لذاكرة الخوف. والتي قالت لمجلة نيو سنيتيت “أنا باحثة بسيطة في مجال الجرذان. ولن أتدخل بأي حال من الاحوال وأخبر الأطباء المعالجين كيفية معاملة مرضاهم.
ولكن العوامل ذاتها التي تجعل انقراض الذاكرة ممكنًا في المختبر تخلق تحديات هائلة في القيام به في أي مكانٍ آخر. في المختبر، يمكنك محو ذاكرة حديثة بدون سياق تقريبًا ودون أي محفزات. أما خارج المختبر يشكل الواقع الحقيقي التحدي الرئيسي لانقراض الذاكرة العلاجي.
خلال دراسة في علم الأعصاب المعرفي والسلوكي أجريت عام 2016 طُلب من كبار السن المصابين بمرض الزهايمر تقييم مشاعرهم في الوقت الحاضر، ثم عرضت عليهم سلسلة من مقاطع الفيديو، اما مجموعة مختارة لإثارة السعادة (اطرف المقاطع المنزلية في امريكا) أو أخرى لإثارة الحزن (من فيلم الدفتر الى فيلم وجوه الموت). بعد اللقطات يتكرر اجراء تقييم المزاج فورًا ثم بعد خمس دقائق و10-15 دقيقة و20-30 دقيقة.
كما خضع المشاركون أيضًا لاختبار استدعاء تفاصيل المقاطع التي يمكن تذكرها. استمرت مشاعر السعادة أو الحزن الناجمة عن الأفلام حتى في حالة غياب أي استدعاء ذاكري لمحتواها. هذه الدراسة لازالت عالقة في ذهني. اذا كان غياب الذاكرة فراغًا، ما هو بالضبط سحب هذا الفراغ؟
هذا ما حدث في فيلم الشمس المشرقة للأذهان النقية (هل يجب أن أصدر تحذيرًا من وجود حرق لفيلم صدر منذ 15 عامًا؟ ) يخضع جويل أحد طرفي علاقة عاطفية فاشلة لاجراء محو الذاكرة ولكن وفقًا لنقد غريب الأطوار للغاية، فإن ذكرياته عن حبيبته السابقة “تقاوم محاولة مسحها مما يدفعه إلى إدراجها في سيناريوهات ذاكرة مختلفة في سبيل حمايتها.”.
احببت ذلك الفيلم. لقد بكيت بحرقة أثناء مشاهدته والآن وقت رؤية بطاقة عيد الحب، بل إنني حاولت أن اعيش أحداثه في الواقع.
لا يسعني الحديث عن الطرق المؤلمة الأخرى التي يمر بها شخصان مرتبطان سابقًا بشكلٍ وثيق أثناء “الإجراء المحرج المتمثل في عدم معرفة بعضهما البعض”. (شكرًا، جون ابدلك).
لكن كان هذا الانفصال بالتحديد فضيعًا، سحقًا للقلب لا يطاق، تشقق في مكانه، سحابة مظلمة تحجب الماضي، الحاضر والمستقبل.
مما يفرض إعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية. كان سيئًا إلى حد ما لان ذلك حدث من العدم. كلاهما تناولا العشاء. طلبت منه توصيلها، ومع فتح باب السيارة، أخبرتك بأن الأمر قد انتهى.
بكيت كثيرًا وأنا بطريقي إلى المنزل لدرجة أنني اضطرت إلى فك حزام الامان، بعد ذلك شعرت بالذكريات وكانت كالسم، كنت أخشى أن يجعلني ذلك مريرًا وحذرًا إلى الأبد.
في تلك اللحظة كنت املك كل العوامل المساعدة على النسيان المتعمد وقد وجدت دراسة نشرت في مجلةPsychonomic Bulletin and Review study ان الناس عندما تحاول نسيان شي ما، تعمل أدمغتهم على التخلص من سياق الذكريات غير المرغوب فيها.
كانت حبيبتي السابقة أقرب ما يكون الى حالة “اللا سياق” خارج المختبر. حيث التقينا على الإنترنت ولم نكن قد بدأنا المواعدة سوى لبضعة أشهر. لم تكن هناك سوى صورة واحدة لنا معًا، في أي مكان.
كان الأمر الأكثر إيلامًا هو رؤيتها هي وصديقتها الجديدة يسجلان دخولهم على تطبيق فورسكوير، إلى جميع الأماكن التي زرناها سويًا في أول موعد لنا بنفس الترتيب. (2011! فورسكوير ! ) غضبي كان شديدًا وسيطر علي تمامًا لدرجة أنني قررت استغلال ضعف الذاكرة الأولي- ومحو كل شيء.
في ذلك الوقت، تم وصف دواء لي ليس للنسيان المتعمد لكنني قرأت دراسة حالة -دراسة لا يمكنني حتى العثور عليها والتي قالت انه يمكن استخدامها لهذا الغرض.
أستخدمت وزني لتحديد الجرعة، وزعت الحبوب على طبق وكأنها حلوى سحرية ستمحو كل الذكريات المؤلمة. واخذت اثنتين من الطبق ووضعتهما في فمي. بعد ساعة تناولت ثلاثة اخرى وبعد بساعتين تناولت أخرى.
لقد نجحت! (تم وضع علامة لي على الفيسبوك في حفلة لا اتذكر حتى حضورها!) لفترة من الوقت لم أتذكر اي شي آخر سوى صوتها وشكل فمها.
ثم بعدها بدأت في مواعدة شخص جديد، عندما حان الوقت الحتمي للتحدث عن كيفية انتهاء علاقتنا السابقة.
تبع ذلك من جانبي، توقف طويل وتعميمات محيّرة.
لم استطيع تقديم حقيقة واحد متميزة، كنت اشعر وكأنني كاذب.
حاولت أن أشرح السبب “اكتشفت كيف يمكنني محو ذاكرتي بالأدوية ومسحت ذكرى كيفية انفصالنا”.
ما هذا بحق الجحيم! لم يعجبني كيف بدا ذلك، لذلك بدأت بإعادة تجميع القطع معًا.
لمدة عامين قمت بتجميع ذكرياتي عن انفصالي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبالاستماع إلى الاغاني التي كنا نستمع إليها معًا والتحدث إلى اصدقائي عنها. مع مرور الوقت، تم تجميع تفاصيل العلاقة وتعبئتها. لكن الالم ما زال موجود حتى ولو لم تكن التفاصيل موجودة.
عدنا معًا وثم انفصلنا مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر من ذلك.
في هذه المرة صررت على أسناني، وأفكر “لا يمكنك أن تنسى كيف شعرت، لا يمكنك أن تدع نفسك تنسى ثم تعود.
في السنوات العشر الماضية تقريبًا، كُسر قلبي خمس مرات، على الأقل.
في كل مرة على الأقل بشكلٍ عابر، رجعت إلى تلك اللحظة. منذ ما يقارب عقد من الزمن عندما تحطم قلبي كالجليد الرقيق على البحيرة. لقد كان الأسوء، ولكن بعد ذلك لم يكن هناك شيء بهذا السوء مرة اخرى.
- ترجمة: سارة ابو جلبان
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1