استجابة الدّماغ للمكافآت مرتبطة بالخلفيّة الاجتماعيّة الاقتصاديّة
وجدت دراسة من معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا أنّ أدمغة الأطفال الّذين ينشؤون في أسر أقلّ ثراءً تكون أقلّ استجابة للتّجارب المُجزية.
اكتشف علماء الأعصاب في المعهد أنّ حساسية الدّماغ للتّجارب المجزية، وهو عامل حاسم في التّحفيز والانتباه، يمكن أن تتأثّر بالظّروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
ضمن دراسة شملت أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا، تفاوتت حالتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة بشكل كبير، وجد الباحثون أنّ الأطفال من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة منخفضة أظهروا حساسيّة أقلّ للمكافأة مقارنًة بالأطفال من خلفيّات أكثر ثراءً.
قاس فريق البحث نشاط الدّماغ مُستخدمين التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI) بينما كان الأطفال يلعبون لعبة تخمين يكسبون من خلالها أموالًا إضافيّة عند كلّ تخمين صحيح، وعندما خمّن المشاركون من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة أعلى تخمينًا صحيحًا، أضاء جزء من الدّماغ يُسمّى: الجسم المُخطّط – وهو مرتبط بالمكافآت – بشكلٍ أكبر مقارنةً بالأطفال من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة أقلّ.
وتزامنت نتائج تصوير الدّماغ أيضًا مع اختلافات سلوكيّة في كيفيّة استجابة المشاركين من الخلفيّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المختلفة للتّخمينات الصّحيحة، وتشير النّتائج إلى أنّ الظّروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة المنخفضة قد تدفع الدّماغ للتّكيّف مع البيئة من خلال تقليل استجابته للمكافآت، الّتي غالبًا ما تكون نادرة في بيئات اجتماعيّة واقتصاديّة منخفضة.
يقول جون جابرييلي، أستاذ العلوم الصّحّيّة والتّكنولوجيا في جروفر هِرمان، وأستاذ علوم الدّماغ والإدراك وعضو معهد ماكغفرن لأبحاث الدّماغ التّابع لمعهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا: “إذا كنت في بيئة غنيّة بالموارد حيث تتوفّر العديد من المكافآت، فإنّ دماغك يتكيّف بطريقة مُعيّنة وإذا كنتَ في بيئة تكون المكافآت فيها نادرة، فإنّ دماغك يتكيّف مع البيئة الّتي تعيش فيها، بدلاً من أن يكون شديد الاستجابة للمكافآت، يبدو أنّ هذه الأدمغة، في المتوسّط، أقلّ استجابة، لأنّ بيئتها ربّما كانت أقلّ استقرارًا في توفير المكافآت.”.
المؤلّفان الرّئيسيّان للدّراسة هما جابرييلي وراشيل روميو، الّتي كانت زميلة ما بعد الدّكتوراه في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا وهي الآن أستاذة مساعدة في قسم التّنمية البشريّة والمنهجيّة الكمّيّة في جامعة ميريلاند. أمّا ألكساندرا ديكر، زميلة ما بعد الدّكتوراه في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا، فهي المؤلّفة الرّئيسيّة للورقة الّتي نُشرت في مجلّة علوم الأعصاب (جورنال أوف نيوروساينس – Journal of Neuroscience).
استجابة الدّماغ للمكافأة
أظهرت أبحاث سابقة أنّ الأطفال من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة أقلّ يميلون إلى الأداء بشكل أسوأ في اختبارات الانتباه والذّاكرة، كما أنّهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، ومع ذلك، حتّى الآن، لم تنظر إلّا قلّة من الدّراسات في الارتباط المحتمل بين الخلفيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وحساسيّة الدّماغ للمكافأة.
ركّز الباحثون في الدّراسة الجديدة على جزء من الدّماغ يُسمّى: الجسم المخطّط، وهو يلعب دورًا مهمًّا في استجابة المكافأة واتّخاذ القرار. وقد أظهرت الدّراسات في البشر ونماذج الحيوانات أنّ هذه المنطقة تصبح نشطة بشكل كبير أثناء التّجارب المجزية.
وللتّحقيق في الرّوابط المحتملة بين حساسيّة المكافأة، الجسم المخطط، والحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، عيّن الباحثون أكثر من 100 مراهق من خلفيات اجتماعيّة واقتصاديّة متنوّعة، قياسًا بدخل الأسرة ومستوى التّعليم الّذي تلقّاه الوالدان.
خضع كلّ مشارك لمسح رنين مغناطيسيّ وظيفيّ أثناء لعبهم لعبة تخمين يُعرض خلالها سلسلة من الأرقام بين 1 و9، وقبل كلّ تجربة كان يُطلب من المشاركين تخمين ما إذا كان الرّقم التّالي سيكون أكبر أو أقلّ من 5، وأُخبروهم أنّه مقابل كلّ تخمين صحيح، سيكسبون دولارًا إضافيًا، ومقابل كلّ تخمين غير صحيح، سيخسرون 50 سنتًا.
أٌعِدَّت اللّعبة -دون علم المشاركين- بحيث يتحكّم الباحثون فيما إذا كان التّخمين سيكون صحيحًا أم خاطئًا، وهذا سمح لهم بضمان أنّ كلّ المشاركين خضعوا لتجربة متشابهة، تتضمّن فترات من المكافآت الوفيرة أو القليلة. في النّهاية، انتهى الأمر بالجميع فائزًا بنفس المبلغ من المال (بالإضافة إلى المكافأة الّتي تلقّاها كلّ مشارك مقابل المشاركة في الدّراسة).
أظهرت الأعمال السّابقة أنّ الدّماغ يبدو وكأنّه يتتبّع مُعدّل المكافآت المتاحة، عندما تكون المكافآت وفيرة، يميل النّاس أو الحيوانات إلى الاستجابة بسرعة أكبر لأنّهم لا يريدون تفويت العديد من المكافآت المتاحة، رأى الباحثون هذا في هذه الدّراسة أيضًا: عندما كان المشاركون في فترة كانت معظم استجاباتهم فيها صحيحة، كانوا يميلون إلى الاستجابة بسرعة أكبر.
تقول ديكر: “إذا كان دماغك يخبرك أنّ هناك فرصة كبيرة حقًا للحصول على مكافأة في هذه البيئة، فسوف يحفّزك ذلك على جمع المكافآت، لأنّه إذا لم تتصرّف، فإنّك تفوّت الكثير من المكافآت”.
يبدو من مسوحات الدّماغ أنّ درجة نشاط الجسم المخطّط تتبع التّقلّبات في معدّل المكافآت عبر الزّمن، وهو ما يعتقد الباحثون أنّه يمكن أن يعمل كإشارة تحفيزيّة لوجود العديد من المكافآت من أجل جمعها، أضاء الجسم المخطّط بشكل أكبر خلال الفترات الّتي كانت فيها المكافآت وفيرة وأقلّ خلال الفترات الّتي كانت فيها المكافآت نادرة، ومع ذلك، كان هذا التّأثير أقلّ وضوحًا لدى الأطفال من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة أقل، ممّا يشير إلى أنّ أدمغتهم كانت أقلّ توافقًا مع التّقلّبات في معدّل المكافأة مع مرور الوقت.
وجد الباحثون أيضًا أنّه خلال فترات المكافآت النّادرة، كان المشاركون يميلون إلى أخذ وقت أطول للاستجابة بعد تخمين صحيح، وهي ظاهرة وُضِّحَت سابقًا.
- ترجمة: نِهال عامر حلبي
- تدقيق علمي ولغوي: الأيهم عبد الحميد
- المصادر: 1