داء النقرس يخسر لقبه داء الملوك

«أسرعوا! لقد أصيبت الملكة بنوبة داء النقرس!»

هكذا صرخت السيدة ميغ غريبة الأطوار في فيلم “المفضلة” للمخرج يورجوس لانثيموس، الذي لعبت فيه دور الملكة آن الممثلة أوليفيا كولمان، إذ كانت تعاني الملكة من السمنة المفرطة ومن الوهن، والعديد من الأمراض الأخرى، من بينها داء النقرس، وهو اضطراب يتسبب بالتهابات في المفاصل وآلام شديدة.

في الفيلم، حينما صرخت الملكة من شدة الألم، كانت قدماها المتورمتان ملفوفتين بشرائح لحم البقر لتسكين الألم. وفي اليوم التالي، جمعت أبجيل، التي كانت على وشك أن تصبح المفضلة الجديدة للملكة، أعشابًا برية لصنع دواء لها، اكتشفت أنّه أكثر فائدة من اللحم النيء.

لطالما شعرت بالأسى على الملكة، لأن فرص شفائها ضئيلة، ولم يكن لأطباء عصرها أي خيارات علاجية لهذا الداء سوى العلاجات الوهميّة التي لا تنفع بشيء.

ولربما خضعت الملكة للعديد من العلاجات الشائعة في ذلك الوقت لتخفيف الأعراض؛ مثل كيّ الأوعية الدموية المغذية للقدمين، أو دهنها بدهن الإوز، أو إجراء الفصد باستخدام العلق. ولكن بحلول العام 1714، توفيت الملكة آن عن عمر يناهز 49 عامًا، ولعلّها رحّبت بالموت الذي سينهي معاناتها وأوجاعها.

لم تكن الملكة آن الوحيدة من الأسرة الحاكمة التي عانت داء النقرس، بل عاناه كذلك الأمير الوصيّ على العرش (لاحقًا جورج الرابع)، لذا ارتبط داء النقرس في الأذهان فيما بعد بطبقة الأرستقراطيين والانغماس بالملذات.

إلا أنّ داء النقرس لا يزال يصيب الكثير من الناس. إذ بلغ في الواقع عدد الإصابات به في عام 2020 ما يقارب 56 مليون فردًا حول العالم، وهذا العدد قابل للازدياد إلى 96 مليون بحلول العام 2050.

وهكذا، تحوّل المرض الذي كان يصيب الملوك والملكات يومًا إلى مرض يصيب عامة الناس، ويستمر تشخيصه حتى اليوم، ويشخّص به حتى صغار السن.

لحسن الحظ، لم نعد بحاجة في وقتنا الحاضر إلى الأعشاب البرية ولا للحم البقري النيء للعلاج، لأننا بتنا نعلم ماهيّة المرض وكيفية علاجه وآلية منع تكراره.

فهم داء النقرس

داء النقرس هو داء التهاب المفاصل البلوري، وهو مجموعة من اضطرابات المفاصل التي تحدث عندما تتراكم البلورات في المفاصل والأنسجة الرخوة. ويتطور المرض بارتفاع مستويات حمض اليوريك في الدم، الأمر الذي يؤدي إلى ترسّبه على المفاصل فتتصلّب ويصعب تحركيها وتتشكّل بلورات كالإبر مسببةً التهابات وآلامًا مبرحة.

وعندما نقول “مؤلم”، فإن ذلك يعني أنّه مؤلم فعلًا: فقد قال العديد من الناس ممن عانوا آلام داء النقرس إنّهم لم يشهدوا ألمًا أشدّ منه، ويُعدّ إبهام القدم أكثر الأماكن عرضةً للإصابة به، حتى اللمسة الخفيفة على الجلد تصبح غير محتملة. لذلك، يوضع للمرضى في أثناء النوم قفصًا خاصًا فوق القدم لرفع أغطية السرير عن موضع الألم.

وقد يصيب داء النقرس المفاصل الأخرى. كما أنه يتسبب ب “التوفة” وهي (تورمات صلبة حول المفاصل والأذنين).

عمليًا، يحدث داء النقرس على شكل نوبات ويتحسن بإعطاء العلاج، ولكن لا بدّ من استخدام علاج أقوى في حال تكرر حدوثه.

يعتمد تشخيص المرض على الأعراض التالية الأساسية: ألم حاد، وتورم في المفاصل المصابة وما يحيط بها، بالإضافة إلى الإحمرار.

ويظهر بالفحص المجهري لعينة من سائل الورم حول المفصل وجود بلورات، كما يُظهر تحليل الدم ارتفاعًا في مستويات حمض اليوريك.

حمض اليوريك المرتفع

غالبًا ما يعود سبب ارتفاع حمض اليوريك إلى الإفراط في شرب الكحول والسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم، ولعل أقوى المؤشرات لارتفاع حمض اليوريك هي الحميات الغذائية العالية بالبيورينات.

تتكون البيورينات من حمض اليوريك. إذ تحتوي الحميات الغنية بها على اللحوم ولواحقها، وعلى السمك الزيتي كالماكريل والأنشوفة، والأطعمة التي تحتوي على الخميرة كالمارميت والبيرة. لذا من المفيد تجنب الإفراط في تناول هذه الأطعمة لمن يعاني من نوبات داء النقرس.

العلاج

لا يكفي تغيير النمط الغذائي وحده لمنع الأعراض، بل يعتبر إعطاء الأدوية المناسبة كفيل بتخفيف النوبات ومنع تكرارها.

في حالة تهيج المفصل والتهابه، تُعطى المضادات الالتهابية كالإيبوبروفين والنابروكسين أو الأدوية الإسترويدية، ومن الخيارات المتاحة أيضًا الكولشيسين، ولكن على المدى القصير، إذ إن فاعليته كبيرة بالرغم من أنّه غالبًا ما يسبب الإسهال.

ومن المهم عند توقف النوبة الالتهابية، الوقاية من عودتها في المستقبل، فيستخدم ألويبيورينول لتقليل خطر تكرار النوبات، فهو يعمل على تخفيض مستوى حمض اليوريك. ومن الاقتراحات أيضًا تناول الكرز وشرب عصيره الحامض ولا سيما إذا شرب مع ألويبيورينول.

أخيرًا وليس آخرًا، إن أردت أن لا تصاب بهذا المرض، فالوقاية خير من العلاج وذلك عن طريق تغيير نمط حياتك المتبع. لذا، حافظ على وزن صحي، واجعل حمياتك الغذائية متوازنة، وأقلع عن شرب الكحول لتجنب الإدمان عليه، ومارس الرياضة بانتظام، ولا تنسى الإكثار من شرب الماء.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1