لأول مرة في التاريخ تم زراعة كلية خنزير لدى إنسان وكان هذا الحدث تقدم كبير في مجال زراعة الأعضاء، لكن هل هذا هو المستقبل؟

الأسبوع الفائت قام جراحون أمريكيون ولأول مرة في التاريخ بزرع كلية من خنزير مُعدّل وراثياً في إنسان حي. حيث قالت تقارير الأخبار أن هذه العملية كانت تقدّماً كبيراً في مجال زراعة الأعضاء الغيرية حيث يتم نقل أعضاء أو خلايا أو نسج من نوع إلى آخر.

صرّح أحد المدراء التنفيذيون للتقانة الحيوية أن الخنازير المعدلة وراثياً تعدّ مخزون واعد لا متناهي من الأعضاء القابلة للزرع.

يعتبر خبراء زراعة الأعضاء هذه التقنية هي الحل لنقص الأعضاء حول العالم. في ديسمبر 2023 كان هناك 1,445 شخصاً على لائحة انتظار الكلى المتبرع بها، اما في الولايات المتحدة الأمريكية اللائحة فيها مايزيد عن 89,000 شخص.

على الرغم من ذلك، ليس الجميع مقتنعاً بأن زرع أعضاء حيوانية في البشر هو حقاً الحل لنقص الأعضاء، أو حتى إذا كان من الصواب استخدام أعضاء من حيوانات أخرى بهذه الطريقة.

يعتمد نجاح هذه العملية على تجاوز أمرين أساسيين أولهما هو رفض الجسم للعضو المزروع، أما الثاني هو نقل الفيروسات الحيوانية لمتلقي هذه الأعضاء. لكن في العقد الماضي ظهرت تقنية واعدة لحل هذه المشكلات تُعرف باسم CRISPR/Cas9 (التي غالباً ما يتم اختصارها إلى CRISPR).

ما هي تقنية كريسبر؟

تعديل الجينات بتقنية كريسبر يستغل نظاماً موجود أساساً في الطبيعة حيث تم تطوير “مقص كريسبر الجيني” في الجراثيم والميكروبات الأخرى لمساعدتهم في التصدّي للفيروسات حيث تتيح أجهزتهم الخلوية إمكانية الإندماج بالدنا الفيروسي وتدميره بشكل نهائي عن طريق تقطيعه.

في عام 2012، اكتشف مجموعتان من العلماء كيفيّة تسخير هذا النظام المناعي الجرثومي وذلك عن طريق تكرار مصفوفات من الدنا والبروتينات المتعلقة بها المسماة CAS أو CRISPR-associated protiens.

عندما استخدموا بروتيناً معيّناً من بروتينات CAS الذي هو (CAS9) مع RNA مُرشد وجدوا أنّ بإمكانهم برمجة المعقّد CRISPR/CAS9 لتحطيم وإصلاح الحمض النووي في مواقع دقيقة مرغوبة، حتى أنه قادر على إضافة جينات جديدة في موقع الإصلاح.

في عام 2020، حاز العالمان القائدان لهاتين المجموعتين على جائزة نوبل لعملهما.

و في هذه الحالة التي تم فيها زراعة أعضاء غيرية، تم استخدام تقنية كريسبر لتعديل 69 جين عند الخنزير المتبرع لتعطيل الجينات الفيروسية، إضافة جينات بشرية للخنزيركما تم التخلص من جينات الخنزير الضارة.

بينما يعطينا التعديل الجيني بتقنية CRISPR أملاً جديداً لإمكانيّة زرع الأعضاء الغيري، تظهر التجارب الأخيرة أنه لازال هناك ما يبرر توخّي الحذر الشديد.

في عامي 2022 و2023، مُنح مريضين مصابين بأمراض قلب مستعصية وغير مؤهلين لإجراء عمليات زرع القلب التقليدية إذناً تنظيمياً لتلقي قلب خنزير معدل جينيّاً حيث تم إجراء عشر تعديلات جينومية على قلوب هذه الخنازير لجعلها أكثر ملاءمة للزرع في البشر، ومع ذلك توفيّ كلا المريضين في غضون عدّة أسابيع من الإجراءات.

في وقت سابق من هذا الشهر سمعنا أن فريقاً من الجراحين في الصين قاموا بزرع كبد خنزير معدّل جينيّاً في رجل ميّت سريريّاً (بموافقة الأسرة) وعمل الكبد جيداً لمدة عشرة أيام من التجربة.

ما الاختلاف عن هذا المثال الأخير؟

تم زرع كلية الخنزير المعدلة جينياً في شخص بالغ يافع نسبياً، حيّ، مؤهل قانونياً وموافق.

كان العدد الإجمالي لتعديلات الجينات التي تم إجراؤها على الخنزير المتبرع مرتفع للغاية حيث أفاد الباحثون بإجراء 69 تعديل لتعطيل الجينات الفيروسية وإضفاء الطابع البشري على الخنزير باستخدام جينات بشرية بالإضافة إلى التخلص من جينات الخنازير الضارّة.

من الواضح أن السباق لتحويل هذه الأعضاء إلى منتجات قابلة للاستخدام بالزرع يتصاعد بشدّة.

من حلم التكنولوجيا الحيوية إلى واقع سريري:

قبل بضعة أشهر فقط ظهر تعديل الجينات بتقنية CRISPR لأول مرة في الطب السائد.

في نوفمبر، وافق منظموا الأدوية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية على أول علاج للاستخدام البشري لتعديل الجينوم في العالم يعتمد على تقنية كريسبر وهو علاج للأشكال المهددة للحياة من فقر الدم المنجلي.

يستخدم العلاج المعروف باسم Casgevy تقنية CRISPR/Cas9 لتعديل الخلايا الجذعية الخاصة بدم المريض (نقي العظم) من خلال تعطيل الجين الغير سليم الذي يعطي كريات الدم الحمراء شكلها المنجلي، حيث أن الهدف هو إنتاج كريات حمراء ذات شكل كروي صحّي.

على الرغم من أن العلاج يستخدم خلايا المريض نفسه إلّا أن المبدأ الأساسي نفسه ينطبق على الزرع السريري الحديث حيث يمكن تعديل المواد الخلوية الغير مناسبة لجعلها مفيدة علاجيّاً للمريض.

سنتحدث أكثر عن تعديل الجينات:

يُطلب من منظمي تكنولوجيا الطب والجينات وبشكل متزايد الموافقة على تجارب جديدة لاستخدام تعديل الجينات وتقنية CRISPR.

و لكن لا يؤدي زرع الأعضاء الغيري ولا التطبيقات العلاجية لهذه التكنولوجيا إلى تغييرات موروثة في الجينوم.

حتى يحدث ذلك يجب تطبيق تعديلات كريسبر على الخلايا في المراحل الأولى من حياتها مثل الخلايا الجنينية في المراحل المبكرة في المختبر.

في أستراليا يعتبر إحداث تغييرات وراثية مُتعمّدة في الجينوم البشري جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة 15 عام. كما لا يوجد قانون في العالم يسمح صراحة بتعديل الجينوم البشري الموروث، ومع ذلك تفتقر بعض البلدان إلى تشريعات محددة بشأن هذا الإجراء.

هل هذا هو المستقبل؟

حتى بدون إحداث تغييرات جينية موروثة فإن زرع الأعضاء الغيرية باستخدام تقنية CRISPR مازال في بدايته. على الرغم من العناوين الواعدة بهذا الخصوص إلا أنه لا يوجد حتى الآن ولا مثال عن زرع عضو غيري مستقر في إنسان حيّ دام أكثر من سبعة أشهر.

على الرغم من أنه تم منح الإذن لعملية الزرع الأمريكية الأخيرة هذه بموجب ما يسمى “الإعفاء الرحيم”، إلا أن التجارب السريرية التقليدية لزرع أعضاء خنازير عند البشر لم تبدأ بعد. لكن من المرجح أن يتطلب احتمال إجراء مثل هذه التجارب تحسينات كبيرة في النتائج الحالية للحصول على موافقة الجهات المنظمة في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر.

على نفس المنوال، قد تبدو الموافقة على زراعة أعضاء غيريّة بما في ذلك الكلى المعدلة جينياً بعيدة بعض الشيء.

  • ترجمة: ناديا أبوسمرة
  • المصادر: 1