كيف يمكننا اختراق ساعاتنا البيولوجية لتحسين صحتنا؟

تتحكم الساعة البيولوجية في أجسادنا في كل شيء تقريبًا، بدءًا من أنماط النوم وحتى مستويات الهرمونات، ودرجة حرارة الجسم، والشهية. تعمل هذه الساعات الداخلية على مدار 24 ساعة تقريبًا، وتتأثر بشكل أساسي بالضوء والظلام.

لكن ماذا لو تمكنا من تعديل هذه الساعات البيولوجية؟ يُجري العلماء أبحاثًا حول كيفية “إعادة ضبط” إيقاعاتنا اليومية، سواء من خلال تغيير أنماط السلوك، أو التعرض للضوء، أو حتى باستخدام الأدوية، وذلك بهدف تحسين صحتنا العامة.

ما أهمية الإيقاعات اليومية؟

تُعرف الإيقاعات اليومية بأنها الدورات البيولوجية التي يمر بها الجسم خلال 24 ساعة، وهي تنظم وظائفه الحيوية عبر التحكم في النشاط الهرموني، ودرجة حرارة الجسم، وعملية الأيض، وغيرها. يتم التحكم في هذه الإيقاعات من خلال مجموعة من الخلايا العصبية في الدماغ تُعرف باسم النواة فوق التصالبية (SCN)، وهي جزء من منطقة تحت المهاد (Hypothalamus)، وتستجيب هذه النواة للإشارات الضوئية القادمة من شبكية العين.

عندما يتم تعطيل هذه الإيقاعات، كما يحدث عند العمل بنظام الورديات الليلية أو السفر بين المناطق الزمنية المختلفة، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلات صحية تشمل اضطرابات النوم، ضعف التمثيل الغذائي، وزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

كيف يمكننا التلاعب بهذه الإيقاعات؟

يدرس الباحثون طرقًا متعددة للتأثير على الإيقاعات اليومية بهدف تحسين الصحة. وتشمل هذه الطرق:

1. تعديل التعرض للضوء

يُعد التعرض للضوء الطبيعي، وخصوصًا ضوء الشمس في الصباح، من أقوى العوامل التي تساعد في تنظيم الساعة البيولوجية. بالمقابل، فإن التعرض المفرط للضوء الاصطناعي، وخاصة الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، في المساء يمكن أن يثبط إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن النوم، مما يؤدي إلى اضطرابات في نمط النوم.

2. ضبط مواعيد الوجبات

أظهرت الأبحاث أن توقيت تناول الطعام يمكن أن يؤثر على الإيقاعات اليومية. على سبيل المثال، تناول الطعام في وقت متأخر من الليل قد يؤدي إلى اضطرابات في عملية التمثيل الغذائي وزيادة خطر الإصابة بالسمنة والسكري.

3. الصيام المتقطع

تشير بعض الدراسات إلى أن تقييد فترة تناول الطعام بساعات محددة خلال اليوم، كما هو الحال في نظام الصيام المتقطع، قد يساعد في تحسين تنظيم الإيقاعات اليومية ودعم وظائف التمثيل الغذائي.

4. العلاج بالضوء

يُستخدم العلاج بالضوء لعلاج اضطرابات النوم والمزاج، حيث يتم تعريض الأفراد لضوء صناعي قوي في أوقات محددة من اليوم للمساعدة في إعادة ضبط ساعتهم البيولوجية.

5. الأدوية والمنبهات الكيميائية

يبحث العلماء في إمكانية استخدام بعض الأدوية أو المكملات الغذائية للتأثير على الإيقاعات اليومية. على سبيل المثال، هناك دراسات حول تأثير الميلاتونين على تحسين النوم، وكذلك أبحاث حول بعض المركبات الكيميائية التي قد تساعد في تعديل الساعة البيولوجية.

التحديات والمستقبل

لا تزال الأبحاث في هذا المجال مستمرة، وهناك العديد من العوامل التي تجعل التلاعب بالإيقاعات اليومية أمرًا معقدًا، حيث تختلف هذه الإيقاعات من شخص لآخر وتعتمد على مجموعة واسعة من العوامل الجينية والبيئية. مع ذلك، فإن فهم كيفية عمل هذه الساعات الداخلية يمنحنا فرصة لتطوير استراتيجيات جديدة يمكن أن تحسن الصحة العامة وتقلل من مخاطر الأمراض المزمنة.

  • ترجمة: لينى محمد طريش
  • المصادر: 1