
التمارين لا تحرق سعرات حرارية بقدر ما تعتقد
ينظر عمومًا إلى ممارسة التمارين الرياضية على أنها عنصر أساسي في فقدان الوزن. لكن هذا الاعتقاد السائد أصبح موضع جدل في السنوات الأخيرة، إذ ظهرت العديد من المقالات والبودكاست التي تزعم أن فكرة أن التمارين تعزز معدل الأيض وتساعد على حرق السعرات الحرارية بعد التمرين ليست سوى خرافة.
المبدأ الأساسي لهذه التقارير هو أن كمية السعرات الحرارية التي نحرقها يوميًا محدودة بطريقة ما. اقترح عالم الأنثروبولوجيا التطوري هيرمان بونتزر هذه الفرضية لأول مرة في عام 2012.
اقترح بونتزر أنه عند زيادة استهلاك الطاقة اليومي (أي السعرات الحرارية المحروقة) من خلال النشاط البدني، فإن الجسم سيجد طرقًا لتعويض ذلك عبر تقليل الطاقة المصروفة على عمليات بيولوجية أخرى، مثل معدل الأيض أثناء الراحة. وبالتالي يبقى إجمالي استهلاك الطاقة اليومي دون تغيير تقريبًا.
أصبحت هذه النظرية أكثر انتشارًا بعد نشر بونتزر لكتابه عام 2021 بعنوان Burn، حيث يفترض فيه أن “معدل حرق السعرات الحرارية لدينا يظل ضمن نطاق ضيق جدًا، ويصل إلى نحو 3000 سعرة حرارية يوميًا، بغض النظر عن مستوى نشاطنا البدني”.
استنادًا إلى ذلك يقترح بونتزر أن:
“الخلاصة هي أن مستويات نشاطك البدني اليومي ليس لها تأثير يُذكر على عدد السعرات الحرارية التي تحرقها كل يوم”.
لكن قبل أن تتخلى عن حذاء الجري الخاص بك، دعنا نلقي نظرة إلى ما تكشفه الأبحاث. تشير أقوى الأدلة وأكثرها موثوقية حول هذا الموضوع إلى أن التمارين الرياضية تزيد بالفعل من استهلاك الطاقة، ولكن ربما ليس بالقدر الذي كنا نتوقعه.
التمارين الرياضية وإنفاق الطاقة
استندت الأدلة التي استخدمها بونتزر لدعم فرضيته إلى دراسات استقصائية قارنت معدل استهلاك الطاقة بين مجموعات سكانية مختلفة حول العالم. في هذا النوع من الدراسات يقتصر دور الباحثين على قياس البيانات وإجراء المقارنات بين المجموعات دون إجراء أي تغييرات.
إحدى أبرز الدراسات التي استند إليها بونتزر كانت بحثًا عن قبيلة الهادزا، وهي واحدة من آخر المجتمعات التي لا تزال تعتمد على الصيد وجمع الغذاء في إفريقيا. يفترض عادةً أن أفراد هذه المجتمعات يتمتعون بنشاط بدني عالٍ لضمان بقائهم. لكن المثير في الدراسة هو أنها أظهرت أن أفراد قبيلة الهادزا لم ينفقوا طاقة أكثر مما ينفقه الشخص الغربي العادي يوميًا.
راجعنا فرضية تقييد استهلاك الطاقة في عام 2023، واستنتجنا أن نظرية بونتزر تطرح بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام. ومع ذلك، فهي ليست مقنعة جدًا بشكل عام بسبب طبيعة الأدلة المتاحة.
في الواقع، تُظهر البيانات الملاحظة التي جمعها بونتزر أن معدل استهلاك الطاقة اليومي يمكن أن يختلف بأكثر من 1000 سعرة حرارية يوميًا بين مجموعة من كبار السن. وهذا يتناقض بشكل مباشر اقتراحه بأن المعدل ثابت عند 3000 سعرة حرارية يوميًا للجميع.
عند النظر إلى البيانات المستمدة من التجارب السريرية العشوائية المضبوطة، يمكننا أن نرى بوضوح أن التمارين الرياضية تؤثر بالفعل في استهلاك الطاقة.
تتيح التجارب السريرية العشوائية المضبوطة للباحثين تحديد العلاقة السببية بين العلاج أو التدخل الطبي ونتائجه، إذ تمكن من إجراء مقارنات عادلة بين مجموعات من الأشخاص، مع التحكم في جميع المتغيرات الأخرى باستثناء متغير واحد يغير في كل مرة.
زيادة متواضعة
من المهم الإشارة إلى أن هذه التجارب أظهرت أن الزيادة في استهلاك الطاقة اليومي لم تكن دائمًا كبيرة كما هو متوقع. ببساطة حرق 600 سعرة في التمرين لا يعني بالضرورة زيادة مماثلة في الاستهلاك اليومي للطاقة.
ومع ذلك، فإن الزيادة الأقل من المتوقع في استهلاك الطاقة تختلف تمامًا عن الادعاءات القاطعة التي تقول إن التمارين الرياضية لا تؤثر في استهلاك الطاقة اليومي على الإطلاق. لكن من الصعب تحديد رقم دقيق لهذا التأثير، نظرًا لوجود اختلافات كبيرة بين الأفراد.
كما نناقش في مراجعتنا، هناك أسباب عديدة محتملة لعدم زيادة استهلاك الطاقة بفعل التمارين الرياضية بقدر ما هو متوقع.
قد تشمل بعض هذه العوامل الاستعاضة عن النشاط البدني، أي عندما تحل التمارين الجديدة محل نشاط بدني كنت ستقوم به بالفعل في ذلك الوقت، مما يعني أنك قد تحرق سعرات حرارية إضافية أقل مما كنت تتوقع. بالإضافة إلى ذلك هناك التعويض السلوكي، إذ يقل النشاط البدني لاحقًا خلال اليوم بعد التمرين الصباحي.
كما يسلط هذا الضوء على سوء فهم شائع حول مدى تأثير التمارين الرياضية. فعلى الرغم من أن التمارين قد تبدو مرهقة، فإن الناس قد يتوقعون بشكل غير واقعي نتائج كبيرة مقارنة بالجهد المبذول. ولكن عند النظر إلى الواقع، فإن خمس ساعات من التمارين في الأسبوع تمثل فقط حوالي 4% من وقت يقظتنا اليومي، مما يعني أن تأثيرها في إجمالي السعرات الحرارية المحروقة خلال النشاط البدني قد يكون محدودًا نسبيًا.
يرتبط جزء من سوء الفهم حول التغيرات في استهلاك الطاقة وإمكانية فقدان الوزن من خلال التمارين بتوقعات غير واقعية بشأن عدد السعرات الحرارية التي نحرقها أثناء التمارين.
لذلك، وبغض النظر عما قرأت أو سمعت، تُظهر أقوى الأدلة من التجارب الدقيقة أن التمارين تزيد استهلاك الطاقة اليومي، وإن لم يكن ذلك بالقدر الذي قد تأمله.
- ترجمة: رغداء محمود الطبجي
- المصادر: 1