التفكير المفرط في الصحة قد يكون علامة على اضطراب القلق المرضي

تعرّف على اضطراب القلق المرضي، وكيف يمكن لعمليات البحث المكثفة عبر الإنترنت أن تسهم في الإصابة بما يُعرف بـ”كوندريا الإنترنت”.
على مدار حياتنا، يشعر كثير منّا بالقلق على صحته، سواء تعلق ذلك بالنظام الغذائي، أو نمط الحياة، أو غيرهما. لكن بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يتجاوز هذا القلق حدود الاهتمام العابر ليصبح هاجسًا مستمرًا ومصدرًا للضيق النفسي.

يشرح تيموثي سكاريلّا، أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد، أن القلق الصحي أصبح مصطلحًا عامًا يشمل طيفًا واسعًا من الحالات. يبدأ هذا الطيف بمستوى صحي من القلق يدفع الشخص لمراجعة الطبيب والقيام بالفحوصات الدورية، لكنه قد يصل إلى مستويات مرضية تؤدي إلى انشغال مفرط بالحالة الصحية.
يقول سكاريلّا: “لو أجريت فحصًا نفسيًا لجميع الناس، لوجدت تفاوتًا كبيرًا في مدى قلقهم بشأن صحتهم، ومدى الإزعاج الذي يسببه ذلك في حياتهم”.

اضطراب القلق المرضي
يُشار إلى القلق المستمر بشأن الصحة شعبيًا باسم “الوسواس المرضي” أو “الهيبوكوندريا”، لكن عندما يتحول هذا القلق إلى سلوكيات مفرطة أو ضارة، يُطلق عليه طبيًا اسم “اضطراب القلق المرضي”.
يقول سكاريلّا: “الشخص المصاب باضطراب القلق المرضي يكون منشغلاً بشكل مفرط بفكرة أنه مريض أو قد يصاب بمرض خطير. هذه الفكرة تتردد في ذهنه باستمرار، ويفكر فيها بشكل مفرط، وغالبًا ما تسبب له انزعاجًا كبيرًا”.

القلق يقود إلى “الدكتور غوغل”
يشير المختصون في الرعاية الصحية إلى ظاهرة جديدة نتجت عن الإفراط في البحث عبر الإنترنت عن تشخيصات طبية، تُعرف باسم “دكتور غوغل”. عندما يبدأ الناس في البحث المستمر عن الأعراض والمعلومات الصحية، فقد يؤدي ذلك إلى حالة تُسمى “كوندريا الإنترنت” أو “القلق السيبراني”.
يعني هذا أن قضاء وقت طويل في تصفح الإنترنت بحثًا عن معلومات صحية قد يزيد القلق ويُضخّمه، خاصة لدى من لديهم استعداد للقلق المرضي. وفي بعض الحالات، يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر وتفاقم المشكلات النفسية.
يقول سكاريلّا: “لو أراد أحدهم قضاء 24 ساعة في اليوم يبحث عن الأعراض والأمراض، فبإمكانه ذلك. وهذا أمر لم يكن ممكنًا قبل عشرين عامًا”.
ويضيف أن توفّر هذه المعلومات قد يكون نافعًا أحيانًا، لكنه قد يضر أولئك الذين يعانون من القلق المرضي أو المفرط.

لماذا يُعد القلق الصحي مشكلة؟
يقول ديفيد سميثسون، مدير التواصل في جمعية القلق البريطانية: “غالبًا ما يعاني المصابون باضطراب القلق المرضي من صعوبة في إيجاد الطمأنينة بالطرق المنطقية، مما يدفعهم إلى سلوكيات متكررة أو تصاعدية للحصول على الراحة النفسية”.
وقد يشمل ذلك زيارات متكررة للأطباء وإجراء فحوصات طبية مستمرة. كما قد يتطور الأمر إلى عادات ضارة مثل العزلة الاجتماعية أو تعاطي المواد، وقد يؤدي إلى مشاكل نفسية أخرى مثل الاكتئاب.
ويضيف سميثسون: “ينشغل بعض الناس بأدق الإشارات التي قد تشير إلى وجود أعراض مرضية في أجسامهم. وإذا اعتقد أحدهم أنه مصاب بمرض خطير، فقد يصبح ذلك عبئًا نفسيًا كبيرًا يستهلك حياته”.

الأسباب والمخاطر
يختلف سبب الإصابة باضطراب القلق المرضي من شخص لآخر. فبعض الأشخاص لديهم استعداد فطري للقلق، وقد يتحول هذا الاستعداد إلى اضطراب كامل. كما أن التجارب الشخصية مثل المرض أو وفاة أحد الأقارب قد تلعب دورًا في تحفيز هذا الاضطراب أو زيادته.
ويشير سكاريلّا إلى أن كثيرين ممن يعانون من هذا الاضطراب قد يتجنبون الفحوصات الطبية خوفًا من اكتشاف مرض خطير.
ويضيف: “يظن البعض أن هؤلاء الأشخاص أكثر صحة لأنهم يهتمون بأجسادهم بشدة، لكن الواقع — بحسب التجربة والبيانات العلمية — هو العكس”.
ويتابع: “غالبًا ما يهمل هؤلاء الأشخاص الفحوصات الوقائية، مثل زيارات طبيب الأسنان أو فحوصات الكشف المبكر عن السرطان، لأن قلقهم يوجه انتباههم نحو الأمور الخاطئة”.
وقد أظهرت دراسة أُجريت عام 2023 على آلاف الأشخاص في السويد أن المصابين باضطراب القلق المرضي قد يموتون في وقت أبكر من غيرهم بنحو خمس سنوات، وأنهم أكثر عرضة للانتحار.

علاج القلق
الخبر الجيد أن هذه الحالات قابلة للعلاج. فهناك مجموعة من العلاجات التي تساعد من يعانون من القلق المفرط بشأن صحتهم، خاصة الحالات الشديدة. وتشمل هذه العلاجات الأدوية في بعض الحالات، إضافة إلى العلاج النفسي والسلوكي المعرفي.
يقول سميثسون: “شكل العلاج يختلف من شخص لآخر، وأحيانًا يكون مجرد إدراك سبب القلق وفهمه خطوة كافية لتمكين الشخص من التعامل معه بشكل أفضل”.
ويتفق معه سكاريلّا، مؤكدًا أهمية طلب المساعدة من المختصين، لأن ذلك يمكن أن يحسّن جودة الحياة بشكل كبير.
ويختم بالقول: “هذا اضطراب يمكن علاجه. ويبدأ الأمر بإخبار الطبيب بأنك تحتاج إلى المساعدة. كثيرون ممن سيطر عليهم هذا القلق سابقًا استطاعوا أن يعودوا إلى حياة طبيعية تمامًا”.

  • ترجمة: ماهر حبيب أحمد
  • المصادر: 1