وهم يسكن بصدق: كيف يخدع الدواء الوهمي الدماغ لتسكين الألم

يُفعّل الدواء الوهمي نظام الأفيونات الدماغي لتسكين الألم
ما إن تتناول مسكنًا قويًا، حتى تشعر مباشرةً بانخفاض الألم، ولو كان المسكن مجرّد وهم! هذا ما يفعله الدواء الوهمي “البلاسيبو”، إذ يقنعك عقلك بفاعلية الدواء فستتحسن ما إن تتناوله.
يُستغل تأثير الدواء الوهمي في الدماغ لتسكين الألم وتقليل جرعات المسكنات، فيخفّض الآثار الجانبية للأدوية والإدمان عليها. ولتأثيره النفسي دورٌ مهمّ في التحفيز، وتُعدّ مراقبته على البشر أسهل من الحيوانات، غير أنّ تحديد الدوائر العصبية عند البشر ليس بالأمر الهيّن، وذلك لاستحالة استخدام التقنيات الجراحية خلال إجراء البحوث.

يقول ييلونج كوي من مركز ريكين للعلوم الطبية التكاملية: «تحول الاعتبارات الأخلاقية وضعف الإمكانات التقنية بيننا وبين تحديد الخلايا العصبية والدوائر الدماغية المسؤولة عن تأثير الدواء الوهمي على البشر، ولكن بإمكاننا تحديد الآلية بدقّة أكبر في حال استطعنا توليد هذا التأثير عند الحيوانات».
نفّذ ييلونج وزملاؤه هذه الفكرة عمليًا، عن طريق تكييف الفئران سلوكيًا بحقنها جرعات مسكنة للألم لأربعة أيام متتالية. وقد ربطت الفئران الحقن بانخفاض الألم، حتى عندما كانت الحقن محلولًا ملحيًا خاملًا، إلا أنّه أحدث استجابة الدواء الوهمي لديها.

قال كوي مضيفًا: «لقد شكّك الباحثون في البداية حدوث تأثير الدواء الوهمي عند الحيوانات، ولكننا نجحنا بافتعاله مخبريًا عند الفئران باستخدام التكييف الكلاسيكي على طريقة بافلوف». فقد أظهر نحو ثلث الفئران تأثرًا كليًّا بالدواء الوهمي، أما الثلث الآخر فكان تأثره جزئيًا، عدا أنّ الثلث المتبقي لم يُظهر أي تأثير يُذكر.
ثمّ استطاع الفريق رصْد الأنشطة الدماغية لتلك الحيوانات باستخدام تقنيات التصوير العصبي الجراحيّة التي يصعُب استخدامها على البشر في أثناء إجراء الدراسات. وقد لاحظوا حدوث أنشطة دماغية عند تطبيق الدواء الوهمي لدى الحيوانات المصابة باعتلال الأعصاب. قال كوي: «يوجد تشابه إلى حد كبير في طريقة الاستجابة مع تلك المسجّلة لدى البشر، فقد حدّدنا الآلية بوضوح على مستوى الخلية العصبية الواحدة».

وفيما بعد، اكتشف الفريق أنّ تأثير الدواء الوهمي يحدث كنتيجة للإشارات الدماغية المرتبطة بنظام الأفيونات الداخلية في القشرة أمام الجبهة الأنسية، وهي منطقة تقع في مقدمة الدماغ وتُنبّه نظام تثبيط الألم النازل عند الحقن فيتنشّط.
حاليًا، يتتبّع الفريق العمليّة للوصول إلى المنشأ الأولي لها، وذلك من خلال مراقبة العوامل المحفّزة لإشارات الأفيونات الداخلية.

الملخّص:
يحدث التأثير المسكّن للدواء الوهمي بسبب تنشيط النظام الأفيوني الداخلي، وهو علاج غير فعّال (لأنّه يعتمد على اعتقاد المريض بفعاليته رغم عدم احتوائه على مواد فعّالة)، فيحدث فقدان الإحساس بالألم بالاشتراك مع وظائف الدماغ الداخلية، ولكن يبقى الأساس العصبي الخلوي لهذه العمليّة مبهم.
واكتشف الباحثون في هذه الدراسة أنّ الإشارات الأفيونية تنبّه القشرة أمام الجبهة الأنسية للألم النازل فيعمل الدواء الوهمي على منع الإحساس بالألم لدى الفئران.
تُستخدم الكيمياء الوراثيّة Chemogenetics، وهي أسلوب علمي للتحكم في نشاط الخلية العصبية، إمّا لتنشيط الخلايا العصبية لمستقبلات الأفيون (MOR+) الموجودة في القشرة الجبهيّة المتوسطية (mPFC)، أو لتثبيط الدائرة العصبيّة بين القشرة الجبهيّة المتوسطة والمادة الرمادية المحيطة بالمسَال الجانبي البطيني (vIPAG)، مما يُفضي إلى تثبيط تأثير الدواء الوهي المسكن للألم في الفئران .

وتبيّن أنّ الخلايا العصبيّة المستقبلة للأفيون (MOR+) في القشرة الجبهيّة المتوسطة المتصلة عبر مشابك أحادية تثبّط بشكل غير مباشر العصبونات الهرميّة في الطبقة الخامسة التي تمتد إلى الطبقة الرماديّة المحيطة بالمسال الجانبي البطيني عبر مستقبل غابا-أ (GABA). فتطلق الإشارات الأفيونيّة في القشرة الجبهيّة المتوسطة تثبيطًا عن التدفق المتجه إلى المنطقة الرمادية المحيطة بالمسال، وذلك بكبح الخلايا العصبية المستقبلة للأفيون (MOR+)، فيتنشّط نظام منع الإحساس بالألم النازل والذي يحفّز على تأثير الدواء المسكّن.
تكشف هذه النتائج عن الآلية العصبيّة الحيويّة الأساسيّة لتأثير الدواء الوهمي التي تقلّل تناول الجرعات المسكنة وتقلّل الآثار الجانبيّة للأدوية في العلاج الطبي.

 

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1