قد يكون العلماء حلوا أخيرًا مشكلة “الثقوب السوداء المفقودة” في الكون

الثقوب السوداء الأولية هي أحد أقوى المرشحين لتكون المادة المظلمة المفقودة في الكون. لكن نظرية جديدة تشير إلى أن لم يتم تكوين ما يكفي من الثقوب السوداء الصغيرة لتكون هذه هي الحالة.

أشارت دراسة جديدة إلى أن الكون المبكر احتوى على عدد من الثقوب السوداء الصغيرة أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، مما يجعل أصول المادة المفقودة في كوننا أمرًا أكثر غموضًا.

الثقوب السوداء الصغيرة، المعروفة أيضًا بالثقوب السوداء الأولية، هي ثقوب سوداء يُعتقد أنها تكوّنت في الجزء الأول من الثواني الأولى بعد الانفجار الكبير، ووفقًا للنظريات الرائدة، فإن هذه الثقوب السوداء التي لها حجم قطعة نقدية معدنية، تكونت من مناطق سريعة الانهيار من الغاز الكثيف والساخن.

إن جيوب الزمكان غير محدود الكثافة هي تفسير العديد من الفيزيائيين لمادة الظلام في الكون، فهو كيان غامض مع أنه غير مرئي تمامًا، إلا أنه يجعل الكون أثقل بكثير مما يمكن تفسيره بالمادة التي نراها.

لكن مع أن هذه الفرضية منتشرة، توجد مشكلة كبيرة واحدة: لم نلاحظ مباشرة أي ثقوب سوداء أولية حتى الآن. والآن، أظهرت دراسة جديدة تفسيرًا محتملًا لسبب عدم تكوّنها، مما يفتح مجالًا أوسع للتكهن بمشكلة مادة الظلام في علم الكون.

ووفقًا للبحث، يمكن أن يكون الكون الحديث قد اكتسب شكله بوجود ثقوب سوداء أولية أقل بكثير مما تقدره النماذج السابقة. ونشر الباحثون نتائج دراستهم في 29 مايو /أيار في مجلة “Physical Review Letters”.

«يشعر العديد من الباحثين أن الثقوب السوداء الأولية هي مرشح قوي لمادة الظلام، ولكن يجب أن يوجدد الكثير منها لتحقيق تلك النظرية»، قال جيسون كريستيانو، المؤلف الرئيسي وطالب الدراسات العليا في الفيزياء النظرية في جامعة طوكيو، في بيان له: «إنها مثيرة للاهتمام لأسباب أخرى أيضًا، فمنذ ابتكار علم الموجات الجاذبة، اكتُشِفَت دمجات ثنائية للثقوب السوداء، ويمكن تفسيرها إذا كانت الثقوب السوداء الأولية موجودة بأعداد كبيرة. ومع أن هذه الأسباب قوية لتوقع وجودها بكثرة، إلا أننا لم نر أي منها مباشرة، والآن لدينا نموذج يجب أن يفسر لماذا يحدث هذا».

ثقب في الصورة

بدأ الكون قبل 13.8 مليار سنة بالانفجار العظيم، مما تسبب بانفجار الكون الفتي نحو الخارج بسبب قوة غامضة تعرف بالطاقة الداكنة.

مع نمو الكون، تكثفت المادة العادية، التي تتفاعل مع الضوء، حول تجمعات من المادة المظلمة غير المرئية لتشكيل أولى المجرات، ترتبط ببعضها البعض من خلال شبكة كونية واسعة. في الوقت الحاضر، يعتقد علماء الكون أن المادة العادية، والمادة المظلمة، والطاقة الداكنة يشكلون حوالي 5%، 25%، و70% من تكوين الكون على التوالي.

في البداية، كان الكون غير شفاف، مستنقعًا بلازميًا لا يمكن للضوء أن يعبره دون أن تلتقطه حقول كهرومغناطيسية تنتجها الشحنات المتحركة. ولكن بعد 380,000 سنة من التبريد والتوسع، أعاد البلازما التفاعل إلى مادة محايدة، مشعًا بالضوضاء الميكروية التي أصبحت أول ضوء للكون، الخلفية الكونية الميكروية (CMB).

علماء الكون يبحثون عن هذه الثقوب السوداء الأولية من خلال دراسة أول صورة للكون الأوّلي. ومع ذلك، حتى الآن، لم يتم العثور على أي منها.

يعتقد بعض الفيزيائيين أن هناك احتمالًا أنهم لم يكتشفوا أعداد الثقوب السوداء الأولية الضخمة اللازمة لشرح مادة الظلام ببساطة لأنهم لم يتعلموا بعد كيفية اكتشافها.

لكن عن طريق تطبيق نموذج مبني على شكل متقدم من الميكانيكا الكمومية يسمى نظرية الحقل الكمومي على المشكلة، وصل الباحثون وراء الدراسة الجديدة إلى استنتاج مختلف – لا نستطيع أن نجد أي ثقوب سوداء أولية لأن معظمها ببساطة غير موجودة.

يُعتقد أن الثقوب السوداء الأولية نشأت من انهيار موجات جاذبية قصيرة ولكن قوية تتمدد عبر الكون. ومن خلال تطبيق نموذجهم على هذه الموجات، وجد الباحثون أنه يمكن أن يتطلب وجود كمية أقل من هذه الموجات للاندماج مقارنة بتقديرات النظريات الأخرى لتشكيل هياكل أكبر عبر الكون. وكلما كانت كمية الموجات اللازمة لإعادة إنتاج الصورة أقل، قلّ عدد الثقوب السوداء الأولية.

قال كريستيانو: «المعتقد السائد أن انهيار أطوال موجية قصيرة ولكن قوية في الكون المبكر هو ما يخلق الثقوب السوداء الأولية. دراستنا تشير إلى أنه يجب أن توجد أعداد أقل بكثير من الثقوب السوداء الأولية مما هو ضروري إذا كانت حقًا مرشحًا قويًا لمادة الظلام أو لإحداث موجات الجاذبية».

و يتطلع الباحثون لتأكيد نظريتهم إلى مستقبل أجهزة كشف الموجات الجاذبية فائقة الحساسية مثل مشروع الليزر التداخلي للفضاء (LISA)، الذي من المقرر إطلاقه إلى الفضاء على صاروخ آريان 3 في عام 2035.

  • ترجمة: محمد عمر الدهان
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1