ما الذي يجب أن تفعله كي تحدث تغييراً في عملك؟

أخبر نفسك قصة جديدة، يتوق البشر إلى العيش بترابط منطقي. إذ أننا نتوق إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نتصرف بطريقة تتفق مع ما نؤمن به ونقدره. كما أننا نريد أن نعيش ونعمل بشكل أصيل. إن هذا السعي لتحقيق الترابط المنطقي أمر لا بد منه؛ فغالباً ما يشير علماء النفس إلى البشر على أنهم “آلات صنع المعنى”. إن أدمغتنا تخلق هذا التماسك من خلال ربط تجربتنا الداخلية مع ما نلاحظه في بيئتنا، من خلال عملية سرد تلقائية تشرح أسباب ما نفعله والآخرون. وعندما نكرر القصص الناتجة لأنفسنا (غالباً دون وعي)، فإنها تصبح نصوصاً وروتيناً يوجه أفعالنا. وبدلاً من التعرف على قصصنا من حيث بنيتها، قد نفسرها خطأً على أنها حقائق ثابتة، مثل “الطريقة التي تسير بها الأمور”.

لقد واجهنا عدداً لا يحصى من القصص بين عملاءنا الذين يعملون في مجال تطوير القيادة والتدريب على مهارات الحياة والتي تشكل طريقة تفكيرهم وقيادتهم، مثل: “كل شيء هنا عبارة عن معركة دائمة”. إن قصصنا تشكل ما نلاحظه وكيف نفسره للأفضل أو للأسوأ. كما أنها تخبر عن عملية صنع القرار والسلوك لدينا. على سبيل المثال، إذا رأيت مكان عملك كساحة معركة، فإنك تتوقع العداء. وتجد نفسك مستعد للهجوم والدفاع دائمًا. وقد تفترض أن وقوع الضحايا أمر لا مفر منه. كما أنك قد تسيء تفسير نوايا الأشخاص وتغفل فرص التعاون. ثم قد يأتي وقت تحتاج فيه إلى تحويل قصتك الإرشادية إلى قصة تمكنك من متابعة أهداف جديدة أو القيام بالأشياء بشكل مختلف.

كان هذا هو الحال مع (كريس)، المستشار الإداري الذي أصبح يواجه أزمة صحية ومهنية. لقد انضم إلى إحدى شركات الاستشارات الاستراتيجية الكبرى مباشرة بعد تخرجه من كلية إدارة الأعمال واستوعب سرب “الذكر المتفوق” الذي جسّد تركيز الشركة على الصلابة والمنافسة والشهية التي لا تشبع للنمو. وقد سهلت هذه القصة صعوده إلى أعلى السلم الوظيفي في الشركة. ولكن بعد عقد من الزمن، أصبح في حالة صحية خطيرة وانفصل عن عمله. فالقصة التي كانت محفزة له في السابق جعلته الآن في حالة من المعاناة. الأمر الذي جعله يسعى للحصول على تدريب على مهارات الحياة لعدم تأكده مما يجب فعله.

إن الخطوة الأولى لتأليف القصص المتحررة هي تحديد وفحص القصص التي ترويها لنفسك وللآخرين. لأن هذا سيساعدك على فهم ما تمثله ولماذا تتصرف وتتفاعل بالطريقة التي تفعل. عندما تحدد التحدي الشخصي أو الجماعي الذي تواجهه، ما هي القصة الأساسية التي ترويها لنفسك حول هذه القضية؟ كان التحدي الذي واجه (كريس) هو أنه أصيب بالإرهاق ولم يعد يجد أن عمله ذو معنى. حيث كانت ساعات العمل الطويلة ومتطلبات العمل العالية والسفر تؤثر سلباً على صحته الجسدية والعقلية. ووفقاً لمنطق قصته التوجيهية، كان ينبغي أن يكون قادراً على التغلب على أي تحدٍ من خلال قوة الإرادة والجهد، مع إعطاء الأولوية دائماً لنجاح الشركة.

وبمجرد أن تكتشف القصة وتنفض الغبار عنها، فإن الخطوة التالية هي التفكير في مدى تأثيرها عليك. هل الأمر يجعلك مقيد أم متحرر؟ حيث يمكن لحالتك البدنية أن تقدم أدلة. فعندما نظر (كريس) إلى معاناته في ضوء معاييره هو وزملاؤه في القدرة على التحمل اللامحدود، شعر وكأنه قد تعرض لصفعة من الحياة. ماذا تستطيع إنشاءه من قصتك؟ لم تتح قصة (كريس) أي مساحة للرعاية الذاتية، طرق مختلفة للعمل، أو تعريفات بديلة للنجاح؛ هذه العلامات تدل على الضعف. وكان المسار الوحيد الذي قدمته هو الالتزام والعمل بجدية أكبر. لقد أدرك أن هناك انفصالًا بين ما يريده (استعادة صحته وإيجاد معنى أكبر لعمله) والسرد الذي يبرر الطريقة التي يفكر ويتصرف بها هو وزملائه الاستشاريين.

نادراً ما يتم إنشاء قصصنا بمعزل عن غيرها، إذ أنها تنطوي على علاقاتنا مع الآخرين. لذلك، يعد العمل مع الجوانب الشخصية لقصصنا خطوة أساسية نحو تأليف القصص التي تدعم التطوير المنشود. عند انضمامهم للشركة، تم إعداد (كريس) وزملاؤه اجتماعياً لقبول قصة الذكر المتفوق. ففي الشركات الكبيرة، تعمل الروايات المشتركة كآليات تحكّم، تخبر الموظفين بما يجب تقديره وكيفية التصرف. شعر (كريس) بأنه مدين للشركة ورئيسه الذي استثمر الكثير في حياته المهنية. لذا، فإن ولائه وتصوره لذاته، باعتباره صاحب أداء عال يمكن الاعتماد عليه، جعل من الصعب عليه رفض السرد السائد من خلال اتخاذ خيار يتناقض مع ما توقعه الآخرين منه.

إذا وجدت أن إحدى قصصك الإرشادية تقيدك، فإن الخطوة التالية هي التفكير في ما ترغب في تغييره وكيف تعيد صياغة قصتك لمساعدتك في تحقيق هذا التحول. كان (كريس) يتوق إلى تبني أسلوب حياة أكثر صحة، وإيجاد إحساس جديد بالجدوى في العمل، وبناء علاقات أقوى مع أفراد عائلته. ولإجراء هذا التغيير، كان عليه اختيار عناصر القصة التي يجب إبرازها وأيها يجب التخلي عنه. حيث أكد (كريس) مجدداً التزامه بالأداء العالي والتعلم المستمر واستخدام مهاراته التحليلية والاتصالية والقيادية القوية. إذ وفر الاحتفاظ بهذه العناصر السردية أساساً متيناً لقصته الجديدة. وأضاف التزاماً بالقيام بعمل هادف له تأثير اجتماعي إيجابي. كما قرر التخلي عن الأجزاء من قصته التي كانت تساوي بين الالتزام المهني والعمل بكثافة غير مستدامة.

اتبع (كريس) خيارات أخرى للخطوة التالية في حياته المهنية: إما دور متخصص في شركته أو دور قيادي في مؤسسة غير ربحية. وفي النهاية، قرر أن الدور غير الربحي كان الأكثر اتساقاً مع قصته الجديدة “الصحة والإنجاز”. كان كريس قلقًا بشأن رد فعل الآخرين في شركته على قراره بالمغادرة. إذ تمثل قصته الجديدة خروجاً عن القصة، والتي كانت على ما يبدو، غير متماسكة مع رواية الذكر المتفوق القديمة. في البداية، رفض رئيسه التفسير الذي قدمه لاستقالته، قائلا: “أنت فقط بحاجة إلى القليل من الراحة”.

أثناء التدريب على مهارات الحياة، فكر (كريس) في قصص الحياة الأخرى التي شكلت هويته. على سبيل المثال، كان والديه المهاجران يبديان دائماً قيمة كبيرة في التقارب العائلي؛ ومثلهم، يعتقد (كريس) أن وحدة الأسرة أكثر أهمية من أي شركة أو مؤسسة. وقد وفر هذا نظاماً جذرياً لدعم تطوير سرده المهني الجديد. كما عزز ذلك قناعته بتعريف نفسه بمصطلحاته الخاصة ومكنه من فصل نفسه عن السرد المشترك للذكر المتفوق. وعندما روى (كريس) قصته الجديدة بثقة، ساعد ذلك رئيسه والآخرين على رؤيته في ضوء جديد وفهموا أن قراره نابع من قيم راسخة.

بمجرد أن ندرك أن سلوكنا ينبع من القصص التي نبنيها ونكررها حتى تبدو ثابتة كالصخر، نصبح أكثر قدرة على تأليف القصص المتحررة. إن إعادة تشكيل قصصنا بحيث تساعدنا على التحرك في الاتجاه الذي نريد أن نسير فيه هي عملية اختيار وفهم مقصود. يمكن لأي قائد أن يبدأ في تطوير هذه المهارة القوية من خلال تعلم كيفية التعرف على القصص التي يعيشها – بشكل فردي وجماعي كفريق أو مؤسسة – ودرس آثارها، وصقلها للتأكيد على عناصر التمكين. وتشمل مكافآت القيام بذلك الشعور المتزايد بالإنسانية والتماسك والتحرر.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: ساره سعد
  • المصادر: 1