البشر معرّضون للمبالغة في إدراك قدراتهم؛ وهو ما يُعرف بتأثير دانينغ-كروجر

وفقًا للباحثين، فإنّنا جميعًا نختبر تأثير دانينغ-كروجر.

هنّأ المؤلّف توم فاندربيلت خصمه بأدب بعد خسارته أمامه في بطولة للشّطرنج.

وكان الفائز صبيًّا يبلغ من العمر ثمانية أعوام يرتشف الحليب بالشّوكولاتة من علبة صغيرة باستخدام قشّة في أثناء الجولة.

وقد أبلغ فاندربيلت، الذي كان يقترب من سنّ الخمسين حينئذٍ، المسؤول عن البطولة بالنّتائج بمنتهى التّواضع.

كان تعلّم الشّطرنج أحد التّجارب التي سجّلها فاندربيلت في كتابه: “مبتدئون”: متعة التّعلّم متواصل مدى الحياة وقدرته على التّغيير.

(جدير بالذّكر أنّ فاندربيلت قد تعلّم أيضًا التّلاعب بالكرات، والغناء وركوب الأمواج). لكن الشّطرنج هو المهارة الوحيدة، من بين المهارات التي تعلمّها، قد قدّمت له تصورًا يمكن عن طريقه مقارنة نفسه بالآخرين. إذ تعني إحصائيّات وتقييمات البطولة أن فاندربيلت يعرف المستوى العام لمهارته.

ومع ذلك، فإنّ معظم التّجارب الحياتيّة لا تقدّم ردود فعل كتلك التي تقدّمها بطولة شطرنج. فقد وجد علماء النّفس أنّه عندما يقيّم النّاس أنفسهم، فإنّ من يقدّمون الأداء الأسوأ هم في الغالب الأكثر ثقة حيال قدراتهم.

ما هو تأثير دانينغ-كروجر؟

في أواخر التّسعينيّات، كان عالم النّفس ديفيد دانينغ أستاذًا في جامعة كورنيل، عندما لاحظ أنّ الطّلاب الذين يرغبون في مناقشة دراجاتهم الضّعيفة في الاختبار بدوا متفاجئين من أدائهم. عادةً ما يشعر الطّلاب بالثّقة عند دخول الامتحان. وفي أحيان أخرى، قد يخطؤون في بعض الأسئلة معتقدين أنّهم أجابوا عليها بشكلٍ صحيح.

يقول دانينغ، الذي أصبح الآن أستاذًا في جامعة ميتشيغان-آن آربور: “اعتقدت أنّه لا بدّ من أن يكون لديهم دراية بأنّ أداءهم سيء”.

تعاون دانينغ مع طالب دراسات عليا يُدعى جاستن كروجر لقياس مدى الثّقة بالنّفس والإدراك الذّاتيّ للأداء. وتوصّلت النّتائج إلى ما يُعرف الآن باسم تأثير دانينغ-كروجر.

تأثير دانينغ-كروجر والثّقة بالنّفس

يشير تأثير دانينغ-كروجر إلى ميل الأشخاص غير المُتمكّنين في مجال معيّن إلى عدم إدراك عيوبهم. وعندما يُطلب منهم تقييم قدراتهم، فإنّهم يميلون إلى تقييم أنفسهم بمستوى أعلى ممّا يستحقّون.

وتأثير دانينغ-كروجر هو انحيازٌ إدراكيّ، يتمثّل في عدم وعي الشّخص بما ينقصه من المعرفة أو المهارة. ومن دون أن تؤرّقهم هذه العيوب، فإنّهم يشعرون بثقة أكبر حيال قدراتهم بشكلٍ مُبالغٍ فيه.

على سبيل المثال، شعر طلّاب علم النّفس الذين فشلوا في اختباراتهم بثقة مفرطة عند دخول الامتحان، ولم يدركوا المواد التي فشلوا في استيعابها وإتقانها أو شعروا بالثّقة حيال معرفتهم بكلّ ما سيتناوله الاختبار، لذلك قصَّروا في الدّراسة. عدم معرفتهم بما لا يعرفونه يعني أنّهم ذهبوا إلى الاختبار وهم يشعرون بثقة مفرطة.

التّحقق من الثّقة

في دراسة أجريت عام 1999 نُشِرت في مجلّة الشّخصيّة وعلم النّفس الاجتماعيّ، استعرض كلّ من دانينغ وكروجر بشيء من التّفصيل أربع تجارب قاسوا فيها قدرة المشاركين على القيام بمهمّة معيّنة بالإضافة إلى شعورهم بكيفيّة مقارنتهم بالآخرين ممّن أنجزوا المهمّة نفسها.

ألزمت كلّ تجربة من التّجارب الأربعة المشاركين بإثبات قدرتهم في مجال معيّن. تضمّنت دراستان الاستدلال المنطقيّ، وركّزت أخرى على القواعد النّحويّة، أمّا الأخيرة فكانت لقياس الحسّ الفكاهيّ. كان على المشاركين تقييم قدراتهم في كلّ مجال وكيف يرون أنفسهم بها مقارنةً بالمشاركين الآخرين في الدّراسة. وأخيرًا، تعيّن عليهم تقييم وتحديد عدد العناصر التي شعروا أنّهم أجابوا عليها بشكلٍ صحيح.

على سبيل المثال، في إحدى تجارب الاستدلال المنطقيّ، كان على طلّاب جامعة كورنيل (عددهم45) حلّ 20 سؤالًا منطقيًا مأخوذًا من اختبار القبول في كليّة الحقوق (LSAT). أمّا في تجربة الحسّ الفكاهيّ، أكمل طلّاب جامعة كورنيل (عددهم65) استبيانًا لتقييم جودة 30 نكتة مأخوذة من كتب الفكاهة. (كما قام مجموعة من الكوميديّين المحترفين بتقييم النّكات وتحديد معيار أساسيّ لما هو مضحك وما هو سخيف).

مقارنة الذّات والثّقة

عبر التّجارب الأربعة، وجد دانينغ وكروجر أنّ الأشخاص ممّن احتلّوا الرّبع الأخير في نتائج الاختبارات مالوا إلى المبالغة في تقدير قدراتهم وأدائهم. فظنّوا أنّهم أجابوا إجابات صحيحة على أسئلة أكثر ممّا فعلوا في الواقع، واعتقدوا أنّهم أدّوا أفضل من أقرانهم، بعكس ما كان الأمر عليه في الواقع.

عندما يتعلّق الأمر بمقارنة أنفسهم، كان أصحاب الأداء الأضعف هم الأكثر جهلاً بكيفيّة مقارنتهم بالآخرين. الأشخاص ممّن كانت نتائجهم أفضل من 12% فقط من أقرانهم، ظنّوا أنّهم أفضل من 62% من أقرانهم.

وقال دانينج: “لم يكونوا واثقين من أنفسهم بنفس درجة أصحاب الأداء العالي، لكنّهم كانوا مبالغين في ثقتهم مقارنة بأدائهم الفعليّ”.

تجنّب تأثير دانينغ-كروجر

من السّهل أن ننظر إلى دراسة عام 1999 ونفترض أنّ الطّلّاب ذوي الأداء الضّعيف كانوا غير أكفاء بطريقة أو بأخرى. ومع ذلك، يقول دانينغ أنّ الجهل جزء من الحياة وشيء نواجهه جميعًا في مرحلة ما.

ويضيف: إنّ ذلك الجهل يطالنا جميعًا عاجلًا أو آجلًا، نحن لا نعرف متى ندخل إلى مستنقع الجهل الخاصّ بنا.

غالبًا ما يكون النّاس غير مدركين لأوجه قصورهم، خاصّة عندما لا يفهمون موضوعًا ما بشكلٍ جيّد بما يكفي لفهم ما يفتقرون إليه. ونتيجةً لذلك، ينصح دانينغ كلّ شخص بالمبادرة للحصول على ردود الأفعال.

ويوضّح دانينغ قائلًا: إنّ الأخطاء التي نرتكبها تكون غير مرئيّة بالنّسبة لنا، ولكنّها قد لا تكون غير مرئيّة للآخرين، لذلك من الجيّد دائمًا مراجعة الملاحظات مع أشخاص آخرين.

إنّ مراجعة الملاحظات مع الآخرين أمر مهم بشكلٍ خاصّ عند اتّخاذ قرار كبير للمرّة الأولى. على سبيل المثال، عند شراء منزل لأوّل مرّة، يرى دانينغ أنّ هناك الكثير لنتعلّمه.

فبين المزايدة والإقراض، قد يعتقد الشّخص أنّه فهم كلّ شيء لكن يمكنه الاستفادة فعليًا من خلال مطالبة الآخرين بالإدلاء بآرائهم.

يقول دانينغ: “لست في حاجة للقيام بذلك طوال الوقت وإلّا ستتعطّل، ولكن إذا كنت تخوض تجربة جديدة للمرّة الأولى، عليك أن تسأل نفسك،” ما الذي لا أعرفه؟ “.

  • ترجمة: رانا عبد الرحمن
  • تدقيق علمي ولغوي: ريمة جبارة
  • المصادر: 1