طرق إنقاص الوزن بالسعرات الحرارية

هل تعتبر مقولة «تدخل السعرات الحرارية الجسم وتخرج بحرقها» صحيحة؟ تبدو أن الإجابة هي نعم، وإنما في الواقع تبدو القصة مختلفة تمامًا.

فابتداءً من اللحظة التي يلامس فيها الطعام لسانك إلى لحظة خروجه من جسمك، يعمل كل من الجهاز الهضمي وميكروبيوم الأمعاء معًا لاستخلاص المغذيات من هذا الطعام. إذ تعمل الإنزيمات المتواجدة في الفم والمعدة والأمعاء الدقيقة على هضم الطعام لامتصاصه ويتحلل المتبقي منه بفعل البكتيريا الموجودة في الأمعاء الغليظة.

يُستدلّ من مفهوم “دخول السعرات الحرارية وخروجها من الجسم” على تغير الوزن الذي يحدده التوازن في عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الجسم وتلك التي يحرقها، ولا يشتمل ذلك على عدد السعرات الحرارية التي تتناولها بسبب الشهية أو تلك التي تمتصها بالهضم فحسب، بل يتضمن أيضًا مدى كفاءة حرق السعرات التي امتُصّت من خلال عملية التمثيل الغذائي.

لقد أوضح بحث حديث أن أحد العوامل المهمة التي تتسبب في تغير الشهية عند الأفراد، إلى جانب عمليتي الهضم والتمثيل الغذائي، هي ما تبقى من الطعام المهضوم الذي يعد مكونات نشطة بيولوجيًا تعرف بالمنشطات الحيوية BioActives، وهي تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم مراكز التحكم الأيضية في الجسم مثل مركز الشهية في الدماغ، والوطاء، والمفاعلات الحيوية التي تقوم بعملية الهضم في الأمعاء، والميكروبيوم، ومراكز الطاقة المسؤولة عن العمليات الأيضية بالخلايا، والميتوكوندريا.

أنا طبيب أعمل في تخصص الجهاز الهضمي منذ عشرين سنة مضت، وأنا أدرس دور ميكروبيوم الأمعاء في مكافحة أمراض التمثيل الغذائي، وسأشارك هنا كيف يمكن للمنشطات الحيوية الغذائية أن تساعد في تفسير سبب تناول البعض للطعام بكثرة لكن دون زيادة في الوزن، وسأعرض عليكم بعض الأدوات الغذائية التي تساعد على تحسين عملية التمثيل الغذائي (الأيض).

التفكير بالشهية والهضم

أوضحت الأبحاث أن استهلاك الأطعمة «الغنية» بالألياف الطبيعية والبولي فينول (أغلفة خلوية ومركبات ملونة تتركب منها النباتات وتمنحها قيمتها الغذائية الصحية) قد يؤدي إلى فقدان الكثير من السعرات الحرارية في البراز مقارنةًبالأطعمة المعالجة التي «تحلّلها» المصانع إلى نشويات بسيطة، ودهون مكررة، وغيرهما من الإضافات.

ثمة طريقة واحدة تعبّر عن خلو السعرات الحرارية وتؤثر على معادلة «دخول السعرات الحرارية وخروجها بحرقها»، والتي يمكن أن يستفيد منها مجتمع يغلب عليه الإفراط في تناول السعرات اللازمة، وهي الإكثار من تناول جميع أنواع الأطعمة والتقليل من تناول الأطعمة المعالجة التي تجعلك ببساطة تأكل كثيرًا، إذ تخرج الكثير من السعرات الحرارية غير المعالجة من الطرف الآخر دون استخدام.

يساعد كل من الألياف والبولي فينول في تنظيم الشهية في الدماغ وتناول السعرات الحرارية، إذ يحوّل الميكروبيوم ما تبقى من هذه المنشطات الحيوية إلى نواتج (مستقلبات) أيضية، وهي نواتج ثانوية عن عملية الهضم، الأمر الذي يقلل الشعور بالشهية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المواد تنظم عمل الهرمونات التي تفرزها الأمعاء، ومنها استُلهم التوصل إلى عقاقير لإنقاص الوزن كويجوفي، وأوزيمبك، ومونجارو المنظمة للشهية من خلال التحكم في الوطاء المسؤول عن مركز الشبع في الدماغ.

تفتقر الأطعمة المعالجة إلى هذه المنشطات الحيوية في حين يكثر فيها الملح، والسكر، والدهون، وغيرها من الإضافات التي تجعل الطعام مستساغًا، فتشتهيه وتأكل المزيد منه.

ما هو الدور الرئيسي الذي تلعبه الميتوكوندريا؟

يعتمد حساب السعرات الحرارية بالكامل على مدى فعالية حرق الجسم لاستخلاص الطاقة اللازمة للحركة، والتفكير، والمناعة، وغيرها من الوظائف اللازمة للجسم، وهذه عملية تساهم فيها الميتوكوندريا إلى حد كبير. إذ يتمتع الأصحاء بميتوكوندريا ذات قدرة عالية على القيام بمعالجة السعرات الحرارية بكل بساطة وذلك لإتمام الوظائف الخلوية، في حين لا تعمل الميتوكوندريا بصورة سليمة عند أولئك الذين يعانون من الأمراض الأيضية، الأمر الذي يؤدي إلى انفتاح الشهية بصورة مفرطة، وضمور العضلات، والتخزين المتزايد للدهون. كما يفتقر هؤلاء الأفراد إلى نوع آخر من الدهون الذي تمتلئ به الميتوكوندريا وهي الدهون البنية. فبدلًا من تخزينها، تقوم هذه الدهون بحرقها لإنتاج الطاقة. ولعل هذا يفسر سبب انخفاض درجة حرارة الجسم عند البعض ممن يعانون من السمنة مقارنةً مع غيرهم، ولماذا تنخفض درجة حرارة الجسم عن معدلاتها الطبيعية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الثورة الصناعية.

على غرار ذلك، تفسّر الميتوكوندريا الصحية التي تحرق الكثير من السعرات الحرارية سبب تناول البعض الآخر الطعام دون زيادة في الوزن. وهنا يُطرح السؤال: لماذا يتمتع البعض بميتوكوندريا سليمة أكثر من غيرهم؟

تتوقف صحة هذه العضية على عدة عوامل، وهي عادةً ما ترتبط بكامل البنية الجسمية التي تشتمل على أداء التمارين بصورة منتظمة، وأخذ قسط كاف من النوم، وإدارة الضغوط، وتناول الأطعمة الصحية.

من المسؤول عن بطلان مفعول النواتج الأيضية؟

كشفت الأبحاث التي أجريت مؤخرًا في مجال التغذية عن الدور الذي تلعبه العوامل الغذائية التي لم تنل تقديرًا يُذكر في الحفاظ على صحة الميتوكوندريا. إذ ذكرت هذه الأبحاث أنه بخلاف المغذيات الكبرى الأساسية التي تشتمل على كل من الدهون، والبروتينات، والنشويات، والمغذيات الصغرى مثل الفيتامينات، والمعادن، توجد عوامل أخرى تلعب أيضًا دورًا كبيرًا في عملية التمثيل الغذائي (الأيض) وهي بقايا الطعام التي تتضمن الألياف، والبولي فينول، والدهون النشطة حيويًا، ونواتج التخمير.

فعلى عكس النظام الغذائي الغربي الذي غالبًا ما يفتقر إلى المنشطات المذكورة سلفًا، فإن النظم التقليدية كحميتي البحر المتوسط والأوكيناوا غنية بجميع ألوان الطعام مثل المكسرات، والبذور، والفواكه، والخضراوات، الحبوب، والأطعمة المخمرة، وكلها غنية بالعوامل المذكورة آنفًا.

قد تمر الكثير من المنشطات الحيوية بالأمعاء الدقيقة غير مهضومة لتصل إلى الأمعاء الغليظة. وهنا يحولّها الميكروبيوم إلى نواتج أيضية نشطة تُمتص للتأثير على عدد من الميتوكوندريا الموجودة في الخلايا وعلى الوظائف التي تقوم بها.

فعلى مستوى بيولوجيا الخلية الأساسي، تقوم تلك النواتج الأيضية بتشغيل المفاتيح الجزيئية أو إطفائها في الجينات من خلال عملية الوراثة اللاجينية التي تؤثر عليك وعلى نسلك. وعند تشغيل تلك «الأضواء» الأيضية، فإنها تنشط الميتوكوندريا المسؤولة عن التمثيل الغذائي (الأيض) بشكل أسرع وتعمل على زيادة سرعة حرق السعرات الحرارية بفاعلية.

يرجى الانتباه إلى فجوة الميكروبيوم

ينتج الميكروبيوم الصحي مجموعة كاملة من النواتج الأيضية المفيدة التي تدعم حرق السعرات الحرارية من الدهون البنية والقدرة على التحمل العضلي، والحفاظ على سلامة التمثيل الغذائي، إلا أنه ليس لكل فرد ميكروبيوم قادر على تحويل تلك المنشطات الحيوية إلى نواتج أيضية نشطة.

فتناول الأطعمة المعالجة المحتوية على القليل من المنشطات الحيوية والكثير من الملح والإضافات لمدة طويلة يعيق قدرة الميكروبيوم على إنتاج النواتج (المستقلبات) الأيضية اللازمة للحفاظ على صحة الميتوكوندريا بصورة مثالية. كما أن الإفراط في تعاطي المضادات الحيوية، والإجهاد الزائد، وعدم ممارسة التمارين تؤثر بصورة سلبية على صحة الميكروبيوم والميتوكوندريا الأمر الذي يخلق فجوة غذائية ثنائية وهي: الافتقار إلى نظام غذائي صحي وخلل في الوظائف البكتيرية المسؤولة عن تحلل المنشطات الحيوية.

وقد تكون الأساليب الغذائية المدروسة كحمية البحر المتوسط غير فعالة لبعض الذين يعانون خللًا في وظائف الميكروبيوم ما يؤدي إلى ظهور أعراض معوية كالإسهال، وغيرها من الأعراض التي تؤثر سلبًا على سلامة التمثيل الغذائي (الأيض).

وفي هذه الحالات، تُجرى الأبحاث للكشف عن الفوائد الصحية المحتملة للعديد من النظم الغذائية التي تحتوي على القليل من النشويات التي تستوفي الحاجة لميكروبيوم سليم.

وبينما يقلل ارتفاع البروتينات في النظم الغذائية من إنتاج النواتج (المستقلبات) الأيضية المفيدة، يحفّز القليل من الكربوهيدرات إنتاج الكيتونات، يسمى أحدها بيتا هيدروكسيبيوتيريت Beta-hydroxburate، التي قد تقوم بعمل الميكروبيوم لإنتاج البيوتيريت butyrate اللازم لتنظيم الميتوكوندريا.

وقد تثبت الأساليب التي تستهدف الميكروبيوم الناشئ أنها مفيدة لتحسين صحة التمثيل الغذائي: البيوتيريت وغيرها من البوستبيوتيك لإنتاج النواتج (المستقلبات) الأيضية المتشكلة سابقًا، وإنشاء خطة تغذية مخصصة للوصول إلى نظام غذائي يناسب احتياجاتك، والصوم المتقطع الذي يساعد على إصلاح الميكروبيوم، واحتمال تقديم العقاقير المستقبلية المحتوية على البكتيريا الحية لاستعادة صحة الميكروبيوم.

أدوات تحويل الدهون إلى وقود

تعد استعادة صحة الميكروبيوم من الناحية الحيوية سهلة التحقيق للكثير من الناس وذلك من خلال النظم الغذائية التقليدية كحمية البحر المتوسط، على سبيل المثال، لكنها لا تبدو دائمًا عملية بسبب عدة تحديات منها الوقت، والتكلفة، واختلاف المذاق.

لكن في النهاية، ترجع صحة التمثيل الغذائي إلى الركائز الأساسية البسيطة وهي ممارسة التمارين، والنوم بقدر كاف، وإدارة الضغوط، واتباع نظام غذائي صحي.

إليك بعض الطرق والأدوات التي تجعل نظامك الغذائي صحيًا بصورة سهلة: فالأطعمة مثل الألياف، والبولي فينول، والمخمرات، والدهون غير المشبعة يمكنها أن تساعدك في التركيز على أنواع الأطعمة التي تدعم الميكروبيوم والميتوكوندريا ب«البقايا». إضافةً إلى أن الآلات الحاسبة والتطبيقات التي تعمل بالطاقة الحيوية يمكنها أن تساعد في اختيار الأطعمة التي تنظم الشهية، وعملية الهضم، والتمثيل الغذائي وذلك من أجل إعادة التوازن للسعرات الحرارية التي «تدخل وتخرج من الجسم».

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1