لماذا يعد النوم العميق مهمًا جدًا للذاكرة؟
تعتبر الموجات الدماغية البطيئة مفتاحًا لعملية عصبية مهمة.
ليس سرًا صحيًا خفيًا أن النوم مفيد حقًا للجسم. فهو يساعد الأنظمة المناعية ويدعم كل أجهزة الجسم تقريبًا. كما أننا نعلم منذ ما يقارب عقدين من الزمن أن الموجات الكهربائية البطيئة المتزامنة في الدماغ أثناء النوم العميق تدعم تكوين الذاكرة. ومع ذلك، لم نكن نعرف بالضبط كيف يفعل الدماغ ذلك حتى الآن. إذ تستقبل القشرة الحديثة، حيث تُخزّن الذاكرة طويلة المدى في الدماغ، بشكل خاص المعلومات الجديدة بفعل هذه الموجات البطيئة. وقد نُشرت تفاصيل هذه النتائج في دراسة في 12 كانون الأول/ديسمبر في مجلة Nature Communications.
كيف تتشكل الذكريات الدائمة
يعتقد العلماء أن الأدمغة البشرية تعيد تشغيل أحداث اليوم عند النوم. إذ ينقل الدماغ المعلومات من الحُصين، حيث تُخزّن الذكريات القصيرة المدى، إلى القشرة المخية الحديثة لتصبح ذكريات طويلة المدى. ويكمن المفتاح لهذه العملية في تلك الموجات البطيئة. فهذه الموجات هي عبارة عن تذبذبات ثابتة ومتزامنة للجهد الكهربائي في القشرة المخية تحدث أثناء النوم العميق. يمكن قياس هذه الموجات البطيئة باستخدام اختبار يسمى مخطط كهربية الدماغ (EEG). وتبدأ هذه الموجات عندما يرتفع الجهد الكهربائي في العديد من الخلايا العصبية وينخفض في وقت واحد مرة واحدة كل ثانية.
قال يورج جايجر، أحد مؤلفي الدراسة ومدير معهد علم وظائف الأعصاب في جامعة شاريتيه الطبية في برلين بألمانيا، في بيان له: «لقد عرفنا لسنوات عديدة أن تقلبات الجهد هذه تساهم في تكوين الذاكرة. فعندما تُعزّز الموجة البطيئة خلال النوم بشكل مصطنع من الخارج، تتحسن الذاكرة. لكن ما لم نعرفه حتى الآن هو ما يحدث بالضبط داخل الدماغ عندما يحدث ذلك، لأنه من الصعب للغاية دراسة تدفق المعلومات داخل الدماغ البشري».
دراسة أنسجة الدماغ السليمة
في الدراسة الجديدة، استخدم الفريق أنسجة دماغية بشرية سليمة ونادرة للغاية. فقد درسوا عينات من أنسجة القشرة المخية الجديدة السليمة التي أُخِذَت من 45 مريضًا خضعوا لعملية جراحية لعلاج ورم في الدماغ أو الصرع في المركز الطبي الجامعي هامبورج-إيبندورف في هامبورج، ألمانيا. ثم أجروا محاكاةً لتقلبات الجهد النموذجية للموجات الدماغية البطيئة أثناء النوم العميق في الأنسجة. قاسوا بعد ذلك استجابة الخلايا العصبية باستخدام ماصات زجاجية دقيقة موضوعة أسفل النانومتر. كما استخدموا ما يصل إلى عشرة “مجسات ماصة” في وقت واحد لمعرفة كيف تحدث الاتصالات القائمة بين الخلايا العصبية المتعددة المتصلة عبر الأنسجة. ويُعدّ ذلك عدد كبير بشكل خاص لطريقة الاستماع للأعصاب هذه والتي تسمى تقنية الرقعة المتعددة.
لقد توصل الفريق إلى أن تلك الروابط بين الخلايا العصبية في القشرة المخية الحديثة تتعزّز بشكل كبير عند نقطة زمنية محددة أثناء تقلبات الجهد الكهربي.
إذ قال فرانز زافير ميترماير، أحد المشاركين في الدراسة وعالم وظائف الأعصاب، في بيان له: «تعمل المشابك العصبية بكفاءة أكبر فور ارتفاع الجهد الكهربي. وخلال تلك الفترة الزمنية القصيرة، يمكن اعتبار أن القشرة المخية وُضعت في حالة من الاستعداد المرتفع. فإذا أعاد الدماغ تشغيل ذاكرة ما في هذا الوقت بالضبط، تُنقل عندئذ إلى الذاكرة طويلة المدى بفعالية عالية».
من المرجح أن تدعم هذه الموجات البطيئة خلال النوم تكوين الذاكرة من خلال جعل القشرة المخية الحديثة التي تخزن الذاكرة طويلة المدى أداة استقبال فعّالة لفترات قصيرة من الزمن.
العثور على التوقيت المثالي
يقول الفريق إنه يمكن استخدام هذه المعرفة لابتكار أساليب علاجية أفضل لتحسين الذاكرة. إذ تعمل العديد من مجموعات البحث في مختلف أنحاء العالم على تطوير أساليب لاستخدام النبضات الكهربائية الدقيقة، والتي تسمى التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة، أو الإشارات الصوتية كوسيلة للتأثير على الموجات البطيئة أثناء النوم.
قال جايجر: «في الوقت الحالي، يجري تحسين أساليب التحفيز هذه من خلال التجربة والخطأ، وهي عملية شاقة وتستغرق وقتًا طويلًا. وقد تساعدنا النتائج التي توصلنا إليها حول التوقيت المثالي في هذا الأمر. لكن الآن، وللمرة الأولى، تسمح لنا هذه النتائج بتطوير أساليب تحفيز مستهدفة لتعزيز تكوين الذاكرة».
- ترجمة: عبير ياسين
- المصادر: 1