اختبار وراثي قد يحافظ على حياتك بتكلفة 400 دولار

«لم يعد البقاء وطول العمر للأقوى ولا الأكثر جلادة أو شدة. إنما للأكثر فضولًا، لأولئك الذين يتحرون أسس حمضهم النووي ويسبرون أغواره بغية العيش حياة صحية مديدة».

إنه العام 2025، وقد دُفعت للتو 400 دولار لتحليل شريطك الوراثي بالكامل، والذي كانت تكلفته نحو 10 ملايين دولار قبل بضعة عقود.

يمكنك الآن بالتعاون مع الطبيب معرفة كل خفية في جسمك، ووضع خطة لمجابهة الميل الوراثي نحو بعض الأمراض، مما يزيد فرصة عيشك حياة صحية وطويلة.

علم الجينوم الشخصي

يتألف الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (الدنا DNA) البشري من أزواج قواعد كيميائية، هي الأدنين A والثايمين T أو السايتوسين C والغوانين G، ترتبط معًا كدرجات سلم طويل ملتوٍ. المورثات (الجينات) هي أجزاء قصيرة من الدنا، والشريط الوراثي (الجينوم) هو كل المورثات في جسدك.

تمد المورثات الخلايا بالتعليمات، وتوجهها أحيانًا لصنع بروتين معين، ولكن في حال وجود خلل في ترتيب القواعد في أي مورثة- كارتباط TA بدل ارتباط CG كفيل بحدوث الأمراض.

تحليل الشريط الوراثي (السَلسَلة) هي عملية كتابة كل القواعد -التي يبلغ عددها قرابة 3 مليار قاعدة- بالترتيب. وله أهمية في مساعدة العلماء لفهم الأمراض الوراثية.

ولمعرفة شكل الرعاية الصحية في المستقبل، دعونا نلقي نظرة على تاريخ الشريط الوراثي، والشركة الناشئة التي ترغب باستخدامه لتحسين صحتك، وربما تساعدك في العيش حياة أطول.

الطريق إلى علم الجينوم الشخصي (أين كنا)

* في عام 1953، أعلن عالم الأحياء الأمريكي جيمس واتسون والفيزيائي الإنكليزي فرانسيس كريك أن بُنيَة الدنا حلزونية كشريط مزدوج يربط أزواجًا كيميائية من على جانبيه- الأدنين مع الثايمين والسايتوسين مع الغوانين.

* في عام 1968، صار كلا العالمين راي وو وآرمن ديل كاسير أول من سلسل الدنا ورتب 12 قاعدة من الأزواج الكيميائية للفيروس البكتيري لامادا، لكن طريقتهما تطلبت جهدًا بالغًا وخطوات عديدة.

* في عام 1977، طوّر عالم الكيمياء الحيوي البريطاني فريدرك سينجر طريقة يدوية أسرع لترتيب كامل الدنا في كائن حي -الفيروس البكتيري العاثي فاي إكس 174- لأول مرة. وكان سبب اختيار الفيروس أن شريطه الوراثي يحتوي على عدد قواعد قليل نسبيًا- 5375 قاعدة.

* بعد ذلك في سنة 1986، طور الباحثان ليروي هود وليود سميث من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا جهازًا آليًا أَتْمت العديد من خطوات تسلسل الدنا، ما جعل العملية أسرع وأرخص.

* في عام 2003، انتهى مشروع الجينوم البشري بإعلان نجاحه في سلسلة 92% من الشريط الوراثي البشري. بلغت تكلفة المشروع 3 مليارات دولار واستغرق 13 عامًا، لكنه حقق تطورات تقنية عديدة في مجال سلسلة الشريط الوراثي.

* من ثم في عام 2004، أطلق المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري مبادرة “برنامج جينوم بألف دولار”. وهي تقدّم منحًِا للباحثين الذين يطورون تقنيات يمكنها تخفيض تكلفة التحليل الحالية التي تتراوح من 10 ملايين دولار إلى ألف دولار- وهو يقارب تكلفة اختبارات التشخيص السريرية المتقدمة الأخرى.

* بعد ثلاثة أعوام، في العام 2007، بدأت شركة (23 andMe) ببيع “خدمة الجينوم الشخصي” بسعر 999 دولار للمستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية وجعلته من ضمن نشاطاتها. لم تحلل الشركة كامل الشريط الوراثي، بل ركزت على “الفحص الجيني” لما يصل إلى مليون قاعدة معروفة تختلف من شخص إلى آخر، وهذا يوفر المعلومات للعملاء عن صحتهم وأنسابهم.

* في نفس العام، أعلنت شركة نوم Knome، وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا الحيوية شارك في تأسيسها عالم الوراثة جورج تشيرش من جامعة هارفرد، أنها ستقدم خدمة سلسلة كامل الشريط الوراثي وتحليله ل20 شخص بتكلفة 350000 دولار للشخص الواحد، ولأول مرة ستقدم هذه الخدمة مباشرةً إلى المستهلك.

* في العام 2014، كشفت شركة إليومينا (Illumina) النقاب عن نظام السلسلة HiSeq x10، وتمكّن هذا النظام الذي بلغت تكلفته 100 مليون دولار من سلسلة 16 شريطًا وراثيًا بالكامل في ثلاثة أيام وبتكلفة 1000 دولار للشخص الواحد- وهذه أول مرة يحقق فيها مجتمع الجينوم التكلفة التي يطمع بها.

* في عام 2021 دمج اتحاد تيلومير تو تيلومير (T2 T) تقنيات التسلسل المتقدمة لسد النقص الذي خلفه مشروع الجينوم البشري (HGP), وأنتج أول سَلسَلة وراثية بشرية كاملة- مبشرًا بحقبة جديدة في علم الوراثة.

إلى أين نحن ذاهبون (ربما)

في غضون العقود التي مرت منذ انتهاء مشروع الجينوم البشري، انخفضت تكلفة سلسلة الشريط الوراثي الكامل انخفاضًا ملحوظًا- في العام المنصرم لوحده، طرحت شركة أليومينا جهازًا جديدًا قالت إنه يستطيع إنجاز المهمة لقاء 200 دولار فقط.

وفي الوقت نفسه، زاد حجم البيانات الوراثية المتاحة للتحليل بشكل كبير. ففي عام 2023، أعلن البنك الحيوي في المملكة المتحدة عن إنشاء قاعدة بيانات تحوي تسلسل وراثي ل 500 ألف متطوع مجهول، مع معلومات عن سجلاتهم الصحية التي وضعها البنك في متناول الباحثين المعتمدين.

هذا يعني أننا لن نكتفي بإجراء سلسلة وراثية للشخص بتكلفة منخفضة نسبيًا وحسب، بل نملك أيضًا أمثلة كافية عن المورثات والحياة لفهم ما نكتشفه.

وإذا ما أضفنا ذلك إلى الاكتشافات الجديدة في العلاج الوراثي، التي من شأنها أن تستخدم بتصحيح “الأخطاء” في الشفرة الوراثية، سيكون المجتمع على أعتاب حقبة طبية جديدة.

وتتطلع شركة نيوكليوس جينومك الناشئة لأن تكون رائدة في هذا المجال، إذ أطلقت في شهر آب (أغسطس) لعام 2024 في بروكلين أول منتجاتها: خدمة سلسلة الشريط الوراثي وتحليله بتكلفة 399 دولار فقط، وتتيح العضوية السنوية للعميل التي تبلغ 39 دولار الوصول إلى الميزات والتقارير الجديدة فور توفرها.

وقال كيان صادقي مؤسس شركة نيوكليوس تزامنًا مع إطلاقها: “إن نيوكليوس هو اختبار وراثي شامل، وقد تحققت وعود مشروع الجينوم البشري أخيرًا”.

أدرك صادقي قوة علم الوراثة يوم كان في الخامسة من عمره عندما توفيت ابنة عمه المراهقة فجأًة وهي نائمة. ظن الأطباء لاحقًا أنّها كانت تعاني طويلًا من متلازمة QT وهي اضطراب نادر في نظم القلب.

وبعد أن أصبح صادقي طالبًا جامعيًا في قسم علم الأحياء الحسابي في جامعة بنسلفانيا، وجد طريقًا لتسخير علم الوراثة في مساعدة الآخرين لتجنّب مآسٍ كهذه.

وقال صادقي في حديث للمنصة الإعلامية فريثينك: “كنت في محاضرة عندما أحضر أستاذ الكليّة مخططًا يُظهر الانخفاض في تكلفة سلسلة الشريط الوراثي الكامل، إذ كانت مليار دولار وانخفضت إلى ألف دولار فقط آنذاك في 2020”.

وقال صادقي: “أسررت في نفسي أنّه يجب أن تنخفض هذه التكلفة إلى الصفر، ليستطيع كل فرد في هذا البلد الاستفادة من سلسلة كاملة للدنا. لذا تركت المدرسة وعدت أدراجي إلى غرفتي في بروكلين لأبدأ التأسيس من هناك”.

وبحلول العام 2021، كان صادقي جاهزًا لإطلاق شركته نيوكليوس جينوم من العدم. وفي العام 2022، جمعت الشركة الناشئة تمويلًا بمبلغ يزيد عن 18 مليون دولار، وترأست التمويل شركة استثمارية تدعى سيفن سيفن سِكس التابعة للمؤسس المشارك ريدت أليكسيس أوهانيان.

وغرّد أوهانيان لاحقًا عبر تويتر: “لا أطيق صبرًا حتى تصل هذه المنصة إلى المرحلة القادمة من التحليل الذي سيحسن -وقد ينقذ- الأرواح”.

يستخدم العملاء مجموعة الاختبار الخاصة بنيوكليوس لجمع عينات من الدنا خاصتهم والممسوحة من الشدق، ثم تُرسل كل عينة إلى أليومينا لإجراء السلسلة.

تحدث العملية برمتها في الولايات المتحدة الأمريكية وبأجهزة أمريكية الصنع، ويختار للعملاء تلقائيًا رفض مشاركة بياناتهم مع طرف ثالث (غير إنه يمكنهم اختيار مشاركة برامج البحث).

وبعد نحو ستة أسابيع تقريبًا من تقديم العينات، يُرسل إخطار إلى العملاء بأن تقاريرهم باتت جاهزة ومتاحة عبر الانترنت، وسيخبرهم التقرير في حال وجود أي تغير في التسلسل الوراثي -خلافًا للشريط الوراثي البشري القياسي- وسيطلعهم أيضًا عن تأثير هذه التغيرات على صحتهم.

كذلك يتضمن التقرير الدرجات الوراثية المشتركة (التي تُعرف أيضًا بدرجات المخاطر الوراثية المتعددة) لأكثر من 20 مرضًا. وتتنبأ هذه الدرجات بمخاطر الإصابة بالأمراض الموروثة من أسلافهم.

إن خوارزميات شركة نيوكليوس هي التي تعد التقارير، وتأخذ بالحسبان المتغيرات الوراثية المتعددة وأحدث الأبحاث الموثقة. وتقدم تقارير نيوكليوس درجات تشير إلى الميل الوراثي للعملاء نحو الإصابة بالأمراض، وتستند التقارير إلى المعلومات الوراثية وغير الوراثية كبيئة الشخص وعمره ومؤشر كتلة جسمه BMI، للتنبؤ باحتمالية إصابته بمرض معين أُصيب به أحد من أصوله.

وقد أضافت نيوكليوس مؤخرًا لتقاريرها السمات وطول العمر، فتتنبأ السمات بميل الشخص لصفات معينة كالصلع أو حب المغامرة، أما طول العمر فيتنبأ باحتماليّة أن يعيش الشخص حتى سن 80 أو أكثر مقارنةً بالآخرين الذين يشبهونه.

أعلن صادقي عن الميزة الأخيرة في “قمة لا تمت”، التي نظمها برايان جونسون الرئيس التنفيذي لشركة بلوبراينت، وتوقّع أنّ سلسلة الشريط الوراثي الكامل قد تفضي إلى نموذج جديد من التطور البشري: الفضوليون يعيشون حياةً أطول.

وقال للجمهور: لم يعد البقاء وطول العمر للأقوى ولا الأكثر جلادة أو شدة. إنما للأكثر فضولًا، لأولئك الذين يتحرون أسس حمضهم النووي ويسبرون أغواره بغية العيش حياة صحية مديدة.

إنّ مجرد معرفة تسلسل الشريط الوراثي لن يكون سببًا في حياة طويلة وصحية، إذ لا بد من الانتفاع بالمعلومات التي يوفرها تقرير نيوكليوس. وهنا يأتي دور فكرة “تحسينات الحياة”، وهي ما على الشخص فعله لمواجهة الأمراض التي يمكن أن تصيبه، ويصنفها صادقي إلى ثلاث فئات، إذ قال في حديث لفري ثنكر:

إن الفئة الأولى سمّيتها طارئة وقابلة للتنفيذ، وتشبه السبب الذي أرجعه الأطباء إلى وفاة ابنة عمي- فإذا علمت أنك تعاني مثلًا متلازمة اضطراب نظم القلب QT، كل ما عليك فعله هو تناول حاصرات بيتا التي من شأنها تقليل مخاطر (الحوادث القلبية).

أما الفئة الثانية فهي ليست طارئة مثل الأولى لكنها أيضًا قابلة للتنفيذ، على سبيل المثال: إذا اكتشفت حدوث طفرة في بروتين BRCA1 المسؤول عن إصلاح الدنا، والذي يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، يجب الحرص على إجراء الفحص السريع والمواظبة عليه أو الخضوع لعملية استئصال الثديين لتقليل مخاطر الإصابة. وقد يمكن تلقي العلاج الوراثي لإصلاح الطفرة في المورثة، ولو أن مثل هذه العلاجات نادرة حاليًا.

أما الفئة الثالثة فتشمل حالات كمرض الزهايمر، أي التي لا يستطيع الشخص اتخاذ أي إجراء لتقليل خطر تطورها حاليًا.

يعتقد صادقي أن معرفة الأشخاص ميلهم الوراثي نحو مرض معين قد يكون مفيدًا– ربما يكون حافزًا لهم لمواكبة أحدث الأبحاث الطبية أو محاولة اتباع نمط حياة صحية بشكل عام.

وعملت نيوكليوس في شراكة مع شركة ستيدي ام دي للرعاية الصحية عن بعد على تحديد المواعيد مع المستشارين الوراثيين، الذين يساعدون العملاء في تحديد نوع التحسينات المناسبة لهم، وتتوفر هذه الميزة للعملاء مقابل رسوم إضافية، وتهدف الشركة الناشئة في نهاية المطاف إلى تقديم مساعدة أكبر للأشخاص من خلال تحويل نتائج تقاريرهم إلى أفعال تحقق لهم حياة طويلة وصحية.

  • ترجمة: ايات حبيب
  • المصادر: 1