
كيف تؤثر المضادات الحيوية المبكرة على فعالية لقاحات الرضع؟
تعد السنوات الأولى من الحياة فترة فارقة في تطور الميكروبيوم؛ إذ إن للمضادات الحيوية التي يمكن أن تؤثر سلبًا على ميكروبيوم الأمعاء أثرًا طويل الأجل على التمثيل الغذائي، والوزن، والجهاز المناعي. غير أن الأطباء يعطونها في الأسبوع الأول من الولادة إذا ظهرت على حديثي الولادة أعراض عدوى أو إذا كان الرضيع معرضًا لخطر الإصابة بالإنتان (تعفن الدم)، وقد أوضحت عدة دراسات أنه من بين ١٪ إلى ١٤٪ من الرضع الخدج المتأخرين والمكتملين يتلقون المضادات الحيوية خلال الفترة الوليدية؛ مما يؤدي إلى حدوث اضطراب في تطور الميكروبيوم لدى عدد كبير منهم.
في هذه الآونة، نشر بحث في دورية نيتشر، وتوصل إلى أنه من بعد ثمانٍ وأربعين ساعة من تناول المضادات الحيوية في الأسبوع الأول من الولادة، تُثبط الاستجابة المناعية للقاحات لدى الرضيع لمدة تصل فيما بعد إلى خمسة عشر شهرًا.
تتبّع بحث قاده «ديفيد لين»، أخصائي علم المناعة بمعهد جنوب أستراليا للبحوث الصحية والطبية وجامعة فليندرز و«هيلين مارشال»، اختصاصية في علم اللقاحات بشبكة صحة المرأة والطفل كيف يستجيب الجهاز المناعي لدى 191 طفلًا من الأطفال الأصحاء، والرضع المكتملين، وحديثي الولادة الطبيعية للقاحات. ولهذا، قاسا مستويات المضادات الحيوية بعد تلقي عدة لقاحات روتينية، بما فيها اللقاحات التي تفزر الأجسام المضادة للوقاية من عدوى المكورات الرئوية، والمكورات السحائية، وفيروس الروتا، والخناق، والكزاز، والسعال الديكي، والتهاب الكبد B، وشلل الأطفال، والمستدمية النزلية من النوع B.
وفيما يتعلق بالعديد من اللقاحات التي تحتوي على المستضدات، لاحظ الباحثون انخفاض الاستجابة المناعية للرضع التي تتراوح أعمارهم من سبعة إلى خمسة عشر شهرًا، وذلك بعد تلقيهم الأجسام المضادة بعد الولادة بوقت قصير، إلا أنهم لم يلحظوا هذا التأثير في الأجنة المعرضة للأجسام المضادة التي يفرزها جسم الأم سواء كان قبل الولادة أم بعدها.
ولفهم الفروقات بصورة أعمق، درس الباحثون كيف تؤثر الأجسام المضادة على الميكروبيوم في الأسبوعين الأول والسادس من الولادة، وعقّب «لين» بقوله: «في الحقيقة، يعد الأسبوع السادس لحظة فارقة لمعظم الرضع؛ لأنهم يتلقون الجرعة الأولى من اللقاحات، باستثناء لقاح التهاب الكبد B الذي يعطى بعد الولادة». واتضح للباحثين أنه في حين أظهر تعرض الأجنة للأجسام المضادة التي يفرزها جسم الأم قبل الولادة تغيرات أولية في الميكروبيوم خاصتهم، الذي يشمل تراجع عدد سلالات البيفيدوبكتيريا، فإنه يمكن حل هذه التغيرات قبل حلول الموعد المحدد لتلقي الجرعات الأولى من اللقاحات في الأسبوع السادس، وهذا ما يرجح سبب عدم اكتراث الباحثين للتغيرات التي تطرأ على الاستجابة المناعية من بعد تناول المضادات الحيوية بعد الفترة ما بين المخاض والولادة، مع أن الرضع الذين يتلقون العلاج بالمضادات الحيوية لديهم نقص في مستويات البيفيدوبكتيريا في ميكروبيوم الأمعاء عند التطعيم، وهي واسعة الانتشار في ميكروبيوم الأمعاء، إضافة إلى أنها كثيرًا ما تضاف إلى البروبيوتيك، أو تستخدم في وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة؛ لأنها تساعد في الحد من خطر الإصابة بالالتهاب المعوي القولوني الناخر Necrotizing Enterocolitisالمرتبط بخلل التوازن البكتيري المعوي Gut Dysbiosis. ويرتبط نقص البيفيدوبكتيريا بنقص في عيار الأجسام المضادة ضد مجموعة من اللقاحات؛ لكن حسبما أشار «لين»، فإنه «على مستوى الدراسات السريرية، يصعب الفصل بين الارتباط والسببية». لذا، اتجه الفريق البحثي إلى النماذج الحيوانية لإجراء التجارب والتحقق ما إذا كانت البكتيريا تؤثر على الاستجابة المناعية للقاحات أم لا.
استخدم الفريق الفئران الخالية من الجراثيم التي تفتقر إلى الميكروبيوم، والتي تظهر خللًا في استجابة الأجسام المضادة للقاحات ضد عدوى المكورات الرئوية، ثم حقنوها بمزيج من سلالات البيفيدوبكتيريا كي تستعيد الاستجابة المناعية للقاح. وهنا، لاحظ الفريق النتائج نفسها التي أظهرتها أيضًا البروبيوتيك المتاحة على الصعيد التجاري في أسبوع واحد قبيل التطعيم، ونوه «لين» إلى أن «البروبيوتيك تستخدم أيضًا في أستراليا عند إجراء التجارب السريرية، ولكن في سياقات أخرى؛ لما لها من إمكانات قوية للترجمة التطبيقية السريرية».
ذكرت «فانيسا هاريس» وهي باحثة في الأمراض المعدية بمركز أمستردام الطبي الجامعي و لم تشارك في الدراسة سالفة الذكر أن الغموض ما زال يكتنف التفاعل بين الميكروبيوم والاستجابة المناعية، مضيفة «إن عملهما على البيفيدوبكتيريا مذهل، وأعتقد أنه إضافة جيدة على الدراسات السابقة».
ونوهت أن انخفاض تركيز الأجسام المضادة لا يُترجم بالضرورة إلى انخفاض في مستوى الحماية؛ مما يصعب تحديد الصلة السريرية؛ إذ إن معظم الرضع – على سبيل المثال – أظهروا الحماية في شهر بعد تلقيهم الجرعة الأولى من اللقاحات.
تلقى «لين» وفريقه مؤخرًا دعمًا تمويليًّا لإجراء تجربة عشوائية محكمة على تدخل البروبيوتيك في الرضع الذين يتناولون المضادات الحيوية في الأسبوع الأول من الولادة. وقد خطط الباحثون لإعطاء الرضع يوميًّا إحدى البروبيوتيكات أو العقاقير الوهمية مدة أسبوعين قبيل الجولة الأولى من تلقي اللقاحات، ثم أخذ عينات دم وبراز من هؤلاء الرضع و سيتبين من خلالها التفاعل بين الاستجابات المناعية والميكروبيوم.
يرى «لين» أن للبروبيوتيك تأثير بالغ؛ إذ يسهل استهداف الميكروبيوم، موضحًا أن «تدخلات بحجم البروبيوتيك رخيصة نسبيًّا، وقابلة للتوسع قد تلعب دورًا إيجابيًّا في الخفض النسبي للتكلفة من حيث تعزيز الحماية المناعية التي تتحقق بفعل اللقاحات».
في سياق متصل، عقبت «هاريس» أنه «إذا أظهر هذا التدخل فوائد سريرية واضحة، فإنه سيصبح تدخلًا فعَّالًا».
- ترجمة: زينب محمد الأصفر
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1