السمكة التي أكلت أسلافنا

نحن نأتي من بداياتٍ متواضعةٍ، متواضعةٍ لدرجة أنّنا كنّا في وقتٍ ما طعامًا للأسماك.

عندما كانت الحياة تكافح لتستقرّ على اليابسة في أواخر العصر الديفوني، كان هناك حيوان مفترس ينتظر لينتزعها ويعود بها إلى الأعماق؛ (Hyneria udlezinye)، سمكة ذات أسنان حادّة من عصور ما قبل التاريخ يُقدّر أن يصل طولها إلى تسعة أقدام.

وهي تمثّل أكبر سمكة مفترسة تمّ اكتشافها حتّى الآن من هذه الفترة. ويبدو أنّها كانت تتربّص في المياه قليلة الملوحة في موقع مزرعة (واترلو) الحديثة في جنوب أفريقيا، في انتظار فريستها.

كشفت الحفريّات عن جدارٍ من الحفر هناك في عام 2016، في أثناء بناء الطرق، وأدّت إلى هذا الاكتشاف وعددٍ من الاكتشافات الأخرى، بما في ذلك حفرة رباعيّ الأرجل المبكّر، الفريسة المحتملة للأسماك الضخمة. ويعتبر هؤلاء هم الأسلاف الجينيّة الأوائل للإنسان الحديث، ويشبهون سمك السمندل الكبير أو التمساح الصغير ويمشون على أربعة أقدام (وبالتالي رباعي الأرجل).

العثور على الأسماك القديمة

بفضل انجراف القارات، كان العالم مكانًا مختلفًا قبل حوالي 360 مليون سنة، عندما كانت سمكة H. udlezinye تحكم البحيرات ومصبّات الأنهار. كانت مزرعة واترلو تابعة لقارة كبيرة، تسمى غوندوانا، التي امتدّت من القطب الجنوبيّ. وتشير الدراسة الجديدة إلى أنّ جنس (Hyneria) بدأ هنا وليس على قارة ديفونية أخرى، وهي قارة أمريكا الشمالية. وفي حين تمّ التعرف من قبل الباحثين على عدة أقارب لH. udlezinye، فإنّ هذا المخلوق يظلّ الأكبر حجمًا، بأنيابه وفكّه الطويل.

للتنقيب عن الهيكل العظميّ المكتشف، قاموا بالتقاط العظام بريشات النيص وأزالوا العديد من شظايا جمجمة السمكة المذهلة. وبعد قص نسخ ورقية من كلّ منها، قاموا بتركيبها معًا مثل اللغز وكشفوا عن وجه مستدير بشكل سلس كان سينزلق عبر الماء مثل أنف طائرة. وقال الباحثون لموقع Live Science: إنّ زعانف السمكة مكّنتها من الانقضاض على الفريسة ومفاجأتها.

بينما قد يصل طول أفراد آخرين من هذا النوع إلى تسعة أقدام، قام الفريق بتقدير طول H. udlezinye المُكتشف بحوالي ستّة أقدام، وقالوا: إنّه كان مغطًى ب (حراشف طويلة) يصل طولها إلى ثلاث بوصات. كشف الهيكل العظميّ أيضًا عن غرفة خيشوميّة أكبر من المتوقّع، وهي المنطقة المستخدمة لتدوير المياه من خلال الخياشيم، ممّا يشير إلى أنّ السمك قد تطوّر للبقاء في مياهٍ فقيرةٍ بالأوكسجين في أثناء انتظاره الفريسة.

كانت هذه الأسماك وغيرها من الأسماك العملاقة ثلاثيّة الأجنحة ترعب المياه العذبة والمالحة في العالم، مع العثور على أدلّة في شرق جرينلاند الحديثة، ووسط روسيا، وبنسلفانيا، ونيو ساوث ويلز (المواقع التي تمّ ترتيبها بشكلٍ مختلفٍ خلال العصر الديفوني). ولكنها، مثل العديد من الأنواع، انقرضت في أثناء الانقراض الجماعي الذي أنهى هذه الفترة ولا يزال يثير الجدل.

السمكة العملاقة القديمة

لا تزال الأسماك العملاقة تسبح في المياه الحديثة؛ ففي عام 2022، اصطاد الصيادون في كمبوديا سمكة قرش عملاقة في المياه العذبة، والتي تزن 661 رطلاً ويبلغ طولها ثلاثة عشر قدمًا، بما في ذلك الذيل، ممّا يجعلها أكبر أسماك المياه العذبة التي يتمّ صيدها على الإطلاق. وتفوّقت هذه السمكة بفارق ضئيل على سمكة السلور التي يبلغ وزنها 646 رطلًا والتي تمّ اصطيادها أيضًا في نهر ميكونغ. لكن، هذه الأسماك تفتقر إلى نفس طعم رباعيات الأرجل مثل H. udlezinye.

عندما زحف أسلافنا البعيدون إلى البر، وجدوا عالمًا سريع التطور، وفقًا ل (PBS)، بما في ذلك ظهور النباتات الخشبيّة الأولى و (الأنظمة البيئية النباتيّة المعقدة). بينما كان العالم تحت الماء يتطوّر ويتغيّر، كذلك كان العالم الموجود فوق الماء يتطور أيضًا.

والأسماك العملاقة مثل H. udlezinye تُركت في الخلف.

  • ترجمة: ميسم رحال
  • تدقيق لغوي: آية الخلفان
  • المصادر: 1