مع الحمض النووي البشري القديم، يظهر تاريخ إفريقيا العميق للعلن

في عام 2010، سمحت ظروف استثنائية لعلماء الوراثة بإعادة بناء أول جينوم كامل لإنسان قديم: جاء الحمض النووي من كرة شعر، تجمدت لمدة 4000 عام في تربة جرينلاند. ومنذ ذلك الحين، تحسنت الأساليب البحثية كثيرًا من حيث التكلفة والفعالية لدرجة أن الأوراق البحثية الفردية تقدم الآن بيانات جينومية من مئات القتلى. نُشر الحمض النووي القديم (aDNA) الآن لأكثر من 2000 بشري من السلف، يعود تاريخه إلى ما قبل 430.000 عام.

لكن حوالي 70% من تلك التسلسلات من أوراسيا، حيث ساعدت برودة المكان في حفظ الحمض النووي، وقد أجريت أبحاث أثرية واسعة على ذلك. بالنسبة للباحثين المهتمين بالتاريخ الجيني لأوروبا وآسيا، هناك الكثير من الهياكل العظمية المحفورة، والموجودة في المتاحف والمجموعات الأخرى، وهناك فرصة جيدة أن تحمل هذه العظام حمضًا نوويًا واضحًا.

يختلف الوضع في إفريقيا، حيث المكان الذي نشأ فيه الإنسان العاقل منذ حوالي 300000 عام واستمر في التنويع منذ ذلك الحين. على الرغم من أهمية إفريقيا في القصة البشرية، لم يُنشر سوى 30 جينومًا قديمًا يتراوح عمرها بين 300 و 15000 عام من القارة.

جزء من السبب منهجي وبيئي: الظروف الحارة والرطبة تدمر الحمض النووي في الرفات البشرية، قبل وقت طويل من محاولة علماء الوراثة استخراجه. ومع ذلك، أظهر العلماء في عام 2015 أن الحفاظ على الحمض النووي القديم يمكن أن يكون أعلى بمقدار 100 مرة في العظم الصخري، وهو عظم كثيف يحيط بالأذن الداخلية، ويشكل أجزاءا أخرى من الهيكل العظمي. في عام 2018، استخدم الباحثون هذا العظم لاستعادة أقدم جينومات أفريقية حتى الآن، من هياكل عظمية عمرها 15000 عام أُجري التنقيب عنها في كهف في المغرب.

من غير المحتمل أن يستخلص علماء الوراثة الحمض النووي الأفريقي بالغ القدم. لذا، فإن اكتشاف العظم الصخري قد يحدث تغييرا صادما، بيد أنه لن يصنع المعجزات. لكن العظام التي يتراوح عمرها بين 5000 و 15000 عام، والمحيطة ببداية عصر الهولوسين، أي الحقبة الجيولوجية الحالية، يمكن أن تكشف الكثير عن التاريخ الجيني لإفريقيا. هذا لأنها تسبق الأحداث الكبرى التي قلبت السكان والأقاليم الأإريقية. وتشمل هذه تجارة الرقيق والاستعمار. ففي وقت سابق، كانت هناك هجرات كبيرة داخل إفريقيا مرتبطة بانتشار الرعاة والمزارعين، والتي بدأت منذ حوالي 5000 عام.

تقول إليزابيث سوتشوك، عالمة الآثار التي تعمل في شرق إفريقيا: «ما نراه هو هذا الكم الهائل من الضوضاء من 5000 سنة الماضية».

سيسمح الحمض النووي من بقايا عصر الهولوسين للباحثين بالنظر إلى ما وراء هذه الضوضاء، لإلقاء نظرة خاطفة على الخريطة الجينية لإفريقيا قبل الزراعة والهجرات التاريخية. إذ أضحى ذلك ممكنًا تقنيًا.

ومع ذلك، هناك سبب للتوقف، حيث تلقت دراسات الحمض النووي القديمة انتقادات. إذ يتهم علماء الآثار والمؤرخون علماء الوراثة بتقديم ادعاءات شاملة تستند فقط إلى بيانات الحمض النووي، دون النظر إلى قرون من الأدلة والمنح الدراسية التي جمعتها المجالات الأخرى. كما أثيرت مخاوف أخلاقية حول أخذ عينات من الهياكل العظمية من إفريقيا إلى المختبرات الغربية للعملية المدمرة للتسلسل الجيني. علاوة على ذلك، قد تغذي النتائج مطالبات الأصول للأراضي أو التراث الثقافي، وبالتالي تؤثر في الأشخاص الأحياء الذين لم يوافقوا على البحث.

في هذا السياق، يتقدم بعض العلماء بحذر، وهناك عدد من مشاريع الحمض النووي الإفريقي قيد التنفيذ. واحدة من أكبرها يقودها ساوشك، وعالمة الآثار ماري برندرغاست وعالم الوراثة ديفيد رايش، الذي يدير مختبر الحمض النووي القديم aDNA في كلية الطب بجامعة هارفارد.

تحدث موقع Discover في حوار مع ساوشك، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة Stony Brook، حول المخاطر والمكافآت المحتملة لـ aDNA الإفريقي.

لماذا يعتبر الحمض النووي القديم الإفريقي مهمًا؟

إنه المكان الذي تطور فيه جنسنا البشري، لأطول فترة من الزمن. ونتيجة لذلك، تمتلك إفريقيا أعلى تنوع جيني على هذا الكوكب. لذا من المحتمل أن يخبرنا أكثر عن جنسنا البشري، لكنه جانب لا نعرف عنها إلا أقل القليل.

لماذا هذا؟

إلى حد كبير بسبب نقص التمويل البحثي، فالذهاب إلى إفريقيا مكلف للغاية. القارة عملاقة، ويتعذر الوصول إلى المناطق لأسباب جغرافية وبيئية وسياسية. نتيجة لذلك، حُدد عدد أقل من الهياكل العظمية والمواقع الأثرية لهذه المنطقة الضخمة وفترة زمنية طويلة. كما أن الحفاظ على [الحمض النووي] أمر سيء لأن الحرارة العالية والرطوبة والمياه تدمر المحتوى العضوي للعظام. كان يُنظر إلى إخراج الحمض النووي القديم من هذه القارة على أنه شيء نرغب جميعًا القيام به، لكن لا أحد يستطيع فعله.

الآن وقد أصبح ذلك ممكنًا من الناحية التكنولوجية، فلماذا يجب على الباحثين توخي الحذر؟

الرفات البشرية هي الرابط المباشر الوحيد الذي لدينا بالماضي. فلدينا عدد أقل بكثير من الهياكل العظمية في إفريقيا مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم، لذا فإن كل هيكل عظمي ثمين للغاية. مما يضع عبئًا كبيرًا حقًا على مشاريع علم الوراثة هذه من حيث كمية المواد التي تؤخذ منها العينات، وعدد المواقع التي تؤخذ منها هذه العينات أيضًا، إذا كانوا يأخذون عينات من جميع المواقع.

هناك قلق أساسي: أنت لا تعرف الهياكل العظمية والمواقع التي ستحفظ الحمض النووي القديم فيها، لذلك علينا فقط تجربتها جميعًا. لكن إذا جربناها جميعًا الآن، في 5 سنوات، أو 10 سنوات، أو 15 سنة، أو 50 سنة، قد يكون العلم مختلفًا تمامًا، وربما نكون قد قيدنا أنفسنا في المستقبل. لذا فنحن في وضع صعب.

ما هي بعض اهتمامات الأفارقة في الوقت الحاضر؟

عبر قارة كبيرة كقارة إفريقيا، تمتلك البلدان ذات التاريخ الاستعماري الفردي والإلزامي طرقًا مختلفة جدًا للتعامل مع تراثها القومي. فنقل المواد خارج إفريقيا إلى غرفة نظيفة لتقليل التلوث وزيادة فرصة الحصول على تسلسل يعد واحدة من الكثير من المبررات الاستعمارية لإزالة القطع الأثرية من بلدانها الأصلية إلى مؤسسات أوروبية أو أمريكية ممولة بشكل أفضل. لذلك يجب أن يكون هناك قدر كبير من الدقة حول كيفية التعامل مع الرفات البشرية وأخذ عينات منها ومعالجتها وإعادتها في النهاية.

كيف استجاب المشروع لهذه المخاوف والانتقادات الأخرى لبحوث الحمض النووي القديم؟

لقد استغرق الأمر وقتًا أطول بكثير مقارنة بالمشروعات الجينية الأخرى للحصول على الأذونات والبدء بالمشروع، واستمالت جميع الأطراف فعليًا، والقيام بذلك بشكل صحيح. يستغرق الأمر وقتًا فقط، وقتًا لمواجهة الأشخاص الذين يمكنهم الذهاب إلى هناك، واقتراح هذا البحث عليهم، وجلب متعاونين أفارقة ليقوموا بدور كبير، للقيام بهذا المشروع والمضي قدمًا معًا.

العديد من الانتقادات الموجهة لمشاريع الحمض النووي الأخرى هي أنها تركز على الحمض النووي أولاً، ثم على الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) ثانيًا. وقد كان فعليًا أول مشروع أنثروبولوجيا. إذ أنها مدفوعة بالأسئلة التي طرحها العديد من علماء الأنثروبولوجيا الآخرين منذ عقود، ولكن دَُمَج هذا الخط الجديد من الأدلة بالحمض النووي.

من المثير حقًا أن يكون لدينا هذا النوع الجديد من الأدلة، لكن الحمض النووي لن يكون المفتاح السحري لكل هذه الإجابات. إنه ليس استبعادًا لعقود ومئات السنين من دراسات الفخار، ودراسات الأدوات القديمة، وعلم آثار المناظر الطبيعية، وعلم الأعراق (الإثنوغرافيا) . فهذه كلها مجرد قطع من الأحجية نحتاج إلى تجميعها. ويجب أن يكون هذا دائمًا جهدًا متعدد التخصصات، حيث نعمل مع أنواع أخرى من العلماء كما نعمل مع المجتمعات المحلية.

ماذا وجد حتى الآن؟

لقد أُخذت عينات من مؤسسات في تنزانيا وزامبيا وكينيا. وستكون هذه واحدة من أكبر دراسات الحمض النووي الإفريقي حتى الآن عند صدورها.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1