كيف تتخذ قرارت عظيمة وبسرعة

وعلى غرار الكثير من القادة الشُبان، وفي بداية حياتي المهنية كنت أؤمن أن القرار العظيم هو القرار الذي يحظى بتأييدًا واسعَ النطاقِ. متی ما ابتسم زملائي وأومأوا برؤوسهم جميعًا (ولو في مخيلتي) فهذا يعزز من كوني صانعَ قراراتٍ بارعًا. ولكن مع مرور الوقت شَهِدْتُ مغالطةَ هذا الأسلوب. يتطلب السعي لتوافق الآراء بالإجماع بذلَ جهودٍ إضافيةٍ لإيجاد حلٍ وسطيٍّ يُرضي جميع الأطرافِ. وبهذا سيكون قرارًا مشتركًا يتعايشُ معَه الجميعُ ولكنْ لا أحدَ سعيدًا به.

والأسوءُ من ذلكَ، غالبًا ما يكون البحث عن الإجماعِ بطيئًا للغاية وكلما ارتقى القائدُ سلمَ النجاحِ، لم يتسنَى لهم التمتعُ بترفِ الوقتِ. وخلال سنواتي كرئيس تنفيذي كان يطلب مني بشكل دوري اتخاذ قرارت سريعة وحاسمة في التصدي للأحداث الدقيقة والحرِجة مثل… قضية إعلامية سلبية تتطلب الاستجابة العاجلة أو وجود خرق روتيني يُجرَى فيه التحقيق من قِبَلِ الجهاتِ المُنظِمة أو تغييرات في النظام المالي أو الإفلاس وما إلى ذلك. وما وجدته أنَّ القراراتِ التي اِتخذتُــها تحت وطأةِ الضغوطِ كانتْ جيدةً على الأقلِ إنْ لم تكنْ الأفضل من القرارات التي أخذتها في أيامٍ ما.

قادني هذا لأسأل نفسي سؤالين:

  1. تبين لي إنني بإمكاني اتخاذ قرارت جيدة تحت ضغوط زمنية صارمة وما هو اساس هذه القرارات وما الذي يجعلها في الواقع قرارات جيدة؟
  2. لو كان بإمكاني أن أكون منضبطًا بشكلٍ كافٍ لفرضِ الضغطِ علىَّ وقت اتخاذ قرارٍ ما، فهل ستكون القرارات الناتجة أسرع وأفضل؟

لقد استخلصت خبراتي إلى ثمانية عناصر أدت لتحسين سرعة ودقة قراراتي. على مدى السنوات العشر الماضية من مسيرتي المهنية في الشركة، ساعدني وضع هذه الفلسفة أو هذا المعتقد موضع التنفيذ على رفع أدائي القيادي وتعزيز نتائج فريقي بشكل كبير.

عناصر اتخاذ القرار العظيم الثمانية

بصفتك قائدًا جديدًا، فإن تعلم اتخاذ القرار الجيد بدون تردد ومماطلة وتسويف كفاءةً تميزُك عن أقرانِك أو زملائِك. بينَما يتزعزعُ الآخرينَ فِي قرارتٍ صعبةٍ، فإن فريقك قد وصل للمواعيد النهائية لمشاريعهم وبنتائج ذات قيمة واقعية وملموسة. وهذا ما ستحصل عليه ويتجلى على الفريق.

السبيل الوحيد والمؤكد لتقييم كفاءة قراراتك هو تقييم النتائج. ستكتشف بمرور الزمن ما إذا كان القرار صائبًا ام خاطئًا أو بين البين. ولكن إذا كنت تعتمد فقط التحليل بأثر رجعي، فقد يكون مسارُك لقرارٍ جيدٍ ضئيلٍ: تدارك نتائج القرار متأخرًا عرضةً لأضرارٍ لا تتدارك.

وهذا يعني، إذا كانت لديك قائمة مرجعيَّة بالسمات لتقييم قرار ما مستقبليًا (مثل القرار الوارد أدناه)، فيمكنك التنبؤ مسبقًا بما إذا كان من المحتمل أن يكون قرارًا جيدًا أم لا. بناءً على تجربتي، هذه هي العناصر الأساسية الثمانية للقرارات العظيمة.

1. يصاغ القرار العظيم بالنظر للكثير من وجهات النظر المختلفة.

عندما نقول إن السعي لتوافق الآراء ليس هدفًا، فإن هذا لا يعطيك الحرية بالتصرف منفردًا. قد تحتاج للتشاور مع أشخاصٍ بإمكانهم المُساهمَةُ بطريقةٍ هادفةٍ ليمكنك تشكيل واتخاذ قرار صحيح.

وهذا لا يعني سعيك لأخذ رأي الجميع. وإنما من الضروري أن يكون للأشخاص ذوي الخبرة الملائمة بالموضوع إبداء رأيهم بوضوح لمساعدة المسؤول عن اتخاذ القرار (وهو أنتَ) بتوسيع أفق منظورك واتخاذ القرار الأفضل. السعي لمعطيات مفيدة هو أساس النقاش القوي والسليم. وهذا سيساعدك على اكتساب أكبر قدر من التفهم للمشكلة التي تحاول حلها والتوصل لحلول ذكية وفعالة.

2. تتخذ القرارات العظيمة في أقرب ما يكون للحدث

من الذي يجب أن تسعى للحصول على تعقيبات منه بالضبط قبل اتخاذ القرار؟ الأشخاص الذين لديهم قدر من المعرفة والخبرة ووجة نظر حول القضايا المطروحة. هذا بشكل عام لشخص يعمل بأدنى مستوى في المؤسسة، وليس بالضرورةِ شخصًا في المكان الذي يتخذ فيه القرار.

تذكرْ أنَّ الأشخاصَ الأكثرَ نفوذًا في شركتك نادرًا ما يقومون بالمهامِ العمليَّة على أرض الواقع. اسعَ للحصولِ علَى المُعطياتِ والدلائلِ من أعضاء الفريق الأقرب للحدثِ وامنحْهُم التقدير في جعلهم قرارك أفضل.

3. لا تعالجُ القراراتُ العظيمةُ العواقبَ فقطْ بل الأسبابَ الجذريةَ

قد تتساءل عن نوع المعلومات التي يجب عليك السعي للحصول عليها من أعضاء فريقك أو زملائك. غالبًا عندما تواجه مشكلة عصيبة فإنك من البداية تركزُ على تحديد العواقب وليس المسألة الأساسية المُسبِبَة للمشكلة. إذا قمتَ بفعلِ هذا فمِنْ المُؤكَد ظهور نفس المشكلة في طريقك.

على الرغمِ من أنك بمجرد الانتهاء من ذلك قد تحتاج إلى معالجة العواقب بشكلٍ عاجلٍ، لذلكَ يجبُ عليك دائمًا وضع خطة لإصلاح السبب الرئيسي. سيساعدك الوصول إلى الأشخاص الأقرب إلى المشكلة المطروحة على تحديد ماهية هذا الأمر. استغلْ وقتَكَ معهُم لجمعِ تلكَ المعلوماتِ.

4. تُـتَـخَـذُ القراراتُ العظيمةُ من شخصٍ مسؤولٍ لا يدعُ مجالًا للخطأِ

حتى بعد تلقي الآراء فإنك تحتاجُ لأخذ قرارٍ مدروسٍ وتذكرْ أنتَ وحدَك من عليه أن يكون جاهزًا لتحملِ مسؤوليةِ اختيارِك. يجد القادة الضعفاء أنه من المريح تأييد قراراتهم من قبل الأشخاص من حولهم. فهم لايريدون أنْ يشعروا بأنهم مكشوفون للعلن عند إجرائهم لمحادثةٍ حاسمةٍ قدْ لا تحظَى بشعبيةٍ بغضِ النظرِ عَنْ مَدَى ضرورةِ ذلكَ. ولكن عند تقاسم المسؤولية فهذا يضعفُ مِنْ قرارِك وفاعليتِك كشخصٍ يُجرِي المُحادثةَ.

عندما تجد بنفسك الأساس لتصبح قائدًا فإن فكرةَ الخروجِ عن المألوف تشعرُك بالخوف بالأخص عندما تكون في بداياتك لتعزيز ثقتك بنفسك. ومع ذلك، فإن السيطرة والتأكُد مِنْ أنَّ كلَ قرارٍ رئيسيٍّ يتُخذ من قِبل شخصٍ مسؤولٍ وواعٍ هو المفتاح لبناء الثقة مع أعضاء فريقك ورؤسائك ونمذجة الاستقلالية وتحسين الأداء العام. وبدون عنصر المُساءَلة فإن سلاحَك الوحيد لاتخاذ قرار جيد هو إدارة اللجنة واتخاذ قرار بالإجماع.

5. تَأْخُذُ القراراتُ العظيمةُ بعينِ الاعتبارِ الآثارَ الشاملةَ للمشكلةِ

تتمثل إحدى طرق بناء ثقتك بنفسك في ممارسة موازنة المخاطر والتأثيرات المحتملة لكل قرار تتخذه باستمرار. هذه ببساطة مسألة تفكير على أوسع نطاق ممكن لتحديد «ماذا لو» من اختيارك. ما مدى احتمالية ظهور نتيجة سلبية محتملة، وإذا حدث ذلك، فما هي العواقب؟

على سبيلِ المثالِ، حتى اتخاذ قرارٍ بسيطٍ نسبيًا لتغيير سياقِ أحدَ مشاريعِ فريقك قد يتطلب منك التفكير في التأثيرات المحتملة على الميزانية وتخصيص الموارد والإطار الزمني والجودة ورضا العملاء.

6. توازن القرارات العظيمة بين الفائدة قصيرة الأجل والفائدة طويلة الأجل

بينما تفكر في المخاطر مقابل التأثير خذ بعين الاعتبار أيضًا التكاليف والفوائد قصيرة الأمد وطويلة الأمد. التفكيرُ قصيرُ المدَى لعنةٌ تصيبُ العديدَ من القرارات التي يتخذها القادة. من الرائعِ التفكيرُ فقط بالنتائج قصيرة المدى لا سيما عندما يكون الحكم عليك فقط بناءً على عملك السنوي.

كلما تقدمت في حياتك المهنية، أصبح الأمر أكثر وضوحًا عندما لا تولي اهتمامًا كافيًا للآثار طويلة المدى لاختياراتك. يُعَدُ إيجادُ التوازنِ الصحيحِ بين الاعتبارات قصيرة الأجل وطويلة الأجل أمرًا أساسيًا للافساح عن الفائدة الحقيقيَّة. كُلَمَا تمكنتُ مِنْ ضَمِ هذا مُبَكِرًا لعملية اتخاذك للقرار كلما كان أفضل.

7. القرار العظيم يكون بالتواصل مع الجهات المعنية

في حين أنك لا تريدُ مشاركةَ جميعِ مَنْ لدَيه مصلحةٌ مؤقتةٌ في عملية اتخاذك للقرار، فإنك في نفس الوقت تريدُ موافقةَ الجميعِ على نتيجة القرار. لهذا من الهام جدًا توصيل الأسباب لأصحاب المصلحة وراء قراراتك (بما في ذلك الأشخاص المؤثرين في المكان).

ليست الغاية من هذا التواصل الحصول على موافقة أو إجماع لكيفية حل المشكلة. وإنما تتطلع أنْ يحصلَ الجميعُ على مستوى متوافق من الفهم وغالبًا ما يكون ضروريًا لسلاسة تنفيذ قرار كبير.

8. القرار المناسب في الوقت المناسب

تبدأ سرعة جاهزية اتخاذك للقرارات عندما تدرك العناصر المحورية للقرار الجيد. إذا أخذت بعين الاعتبار جميع العناصر المذكورة أعلاه فهذا ببساطة مجرد معالجة كل عنصر بإدراك متزايد.

مثال ذلك، عوضًا عن استشارة كل من يريد مشاركة رأيه بتحفظ، أسعَ لأخذ المشورة من أشخاص بإمكانهم فعلًا إضافة الفائدة لقرارك، ولا تنتظر موافقة الجميع. بل اِستخدمْ حكمَك الخاص وتحليل التكلفة والعائد لرسم مسار أفضل للمضي قدمًا بالمعلومات المتلقاة.

يماطل العديد من القادة بقراراتهم بسبب الخوف الذي يتملكهم من اقتراف الخطأ أو الأسوأ من ذلك في ألا يصبحوا مَحَطَ الإعجابِ. ولكن يجب أن يكون نطاق اتخاذك للقرار في أي وجهٍِ يرتكزُ على شيءٍ واحدٍ وهو المجازفة (المخاطرة). تقييمك للمخاطر سيحدِدُ ما إذا كان يجبُ عليكَ اتباعَ نهجٍ أكثرَ أو أقلَ حذرًا.

مع التزامك بالتقييم المستقبلي لقرارتك ستجدُ نفسَك قادرًا على اتخاذ قرارات أسرع وأفضل مما في السابق. كقائد شاب فإن تعلُّمَ هذا سيُسَرِعُ مِنْ تطوَّرِك ويرفعُ أداءَ فريقِك. كُلمَا عَــلا مركزُك، كُلمَا زادَ تأثيرُ هذه المهارة على ثقافة وأداء مؤسستك.

  • ترجمة: فرح سعد رحيم
  • تدقيق علمي ولغوي: متولي حمزة
  • المصادر: 1