ثمان طرق يحل بها العلماء ألغاز دماغ الإنسان

لا يوجد هناك لغز علمي أكثر تعقيداً من دماغ الإنسان. إنه بمعظمه مكون من الماء، ومكون من الشحم بمعظم النسبة المتبقية. على الرغم من ذلك، هذه الكتلة اللزجة التي بالكاد تزن ثلاث باونداتٍ تنتج أفكارنا وذكرياتنا وعواطفنا. دماغنا يتحكم بطريقة تفاعلنا مع العالم، وهو يدير جسدنا. بدأ العلماء، وبشكل متزايد، بحل تعقيدات عمل الدماغ وفهم كيف تقوم ستٌ وثمانون من الخلايا العصبية بإنتاج الأفكار والمشاعر من خلال الاتصالات فيما بينها، وكذلك فهم القدرة على التواصل والتفاعل. نقدم لكم رحلة موجزة في بعض من أحدث الأبحاث المنجزة ــــ وسبب أهميتها.

كيف تقوم مجموعة من الخلايا بإنتاج الأفكار والسلوكيات؟

المفهوم:

يدرس أخصائيو علم الأعصاب السلوكي والإدراكي كيف تسبب البروتينات والجينات وبنى أدمغتنا ظهور سلوكياتنا وعملياتنا العقلية. كيف يفهم الدماغ الأمور ويتذكرها؟ كيف يقوم باتخاذ القرارات؟ كيف يتعامل ويتجاوب مع العالم؟

سبب الأهمية:

قد يساعدنا فهم الذاكرة على علاج مرض الزهايمر، قد يساعدنا فهم نظام الثواب في الدماغ على الاستدلال على الإدمان، وقد يقدم فهم العواطف معلوماتٍ جديدةً حول منع حدوث الاكتئاب.

أحدث المعلومات:

تدرس أخصائية الأعصاب في مشفى Hospital for Sick Children في تورنتو، شينا جوسلين كيفية ومكان تخزين الدماغ للذكريات. تقول أنه من الممكن أن يكون التعرف على الحلقات العصبية – المجموعات المتصلة من الخلايا العصبية – المسؤولة عن تخزين الذكريات هو مفتاح علاج اضطرابات الذاكرة، لأنه ليس من المنطقي أن نعطي شخصاً دواءً يؤثر على الدماغ بأكمله.

تقول جوسلين “لا يمكننا معاملة الدماغ كصحن من الحساء إذا أضفت له بعضاً من التوابل يصبح أفضل.” “يجب علينا أن نفهم تماماً أين نريد استهداف الأشياء.” من أجل تقديم علاجات موجهة نحو أهداف معينة، تريد جوسلين أن تفهم الخلايا العصبية والحلقات العصبية المهمة لتشكيل وتخزين واستعادة الذكريات أكثر.

مؤخراً، قام مختبر جوسلين بالتعرف على سبيل عصبي جديد هام لاسترجاع الذكريات القديمة. هذا الطريق يعبر الحصين – وهو منطقة من الدماغ يتحكم بالتعلم والذاكرة – نحو المهاد، والذي يعتبر كمحطة عبور للمعلومات الحسية في الدماغ. عندما قام الباحثون بتخريب هذا السبيل عند الفئران، استطاعت الفئران تذكر معلوماتٍ تعود لليوم السابق لكن لم يستطيعوا تذكر معلوماتٍ تعود للشهر السابق.

يدرس أستاذ علم الأعصاب في Salk Institute، كاي تاي، السبل العصبية المشاركة في عملية التعلم والعواطف كالشعور الوحدة، لتسليط الضوء على تعاطي المخدرات والقلق. قام مختبر تاي بالتعرف على سبيل عصبي يساعد في توجيه السلوك عندما تشير المعلومات المتزامنة إلى نتائج سلبية وإيجابية.

أقصى ما توصل إليه العلم:

عندما نفهم مناطق الدماغ وسبله والنواقل العصبية المشاركة في عمليات الذاكرة والقلق والخوف – وكيف يمكن التعديل على هذه العمليات – يمكننا تطوير استراتيجيات أكثر دقة لمعالجة الأمراض.

الأمر موجود في جيناتك

المفهوم:

يبحث مجال علم الأعصاب في كيفية تأثير الجينات على بنية ووظائف الجهاز العصبي.

سبب الأهمية:

إن تمكّنّا من معرفة دور الجينات، قد نتمكن من تشخيص اضطرابات الدماغ بدقة أكبر، أو حتى من التدخل وإيقاف هذه الاضطرابات.

أحدث المعلومات:

يدرس ستيفن ماكرول، مدير قسم علم الأعصاب الجينومي التابع ل Broad Institute’s Stanley Center for Psychiatric Research، الجينات المتعلقة بمرض الفصام. قام وبالتعاون مع فريق من الباحثين بالتعرف على التغيرات التي أصابت جيناً مرتبطاً بالمرض، أدت هذه التغيرات الجينية إلى إنتاج المزيد من بروتينٍ مشاركٍ في إزالة المشابك (الاتصالات ما بين العصبونات).

عندما قام ماكرول وزملائه بزيادة التعبير عن الجين عند الفئران، أصبح لدى الفئران عدد أقل من المشابك. أصبحت ذاكرتهم أضعف، وتغير سلوكهم الخارجي. يظن الباحثون أن هذه التغيرات الجينية قد تكون سبباً في خسارة المشابك والتغيرات السلوكية التي تظهر لدى مرضى الفصام.

أقصى ما توصل إليه العلم:

من خلال معرفة كيف تساهم الجينات في الأمراض، قد يتمكن العلماء من تطوير العلاجات، ريما عن طريق استخدام عقار لإيقاف عمل بروتينٍ مُنتَجٍ من قبل جين مسبب للمرض أو لتقليد عمل بروتينٍ وقائي. يتم استكشاف واستخدام العلاجات الجينية أيضاً لإيقاف الجينات الضارة، مثل علاج مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) الذي تمت تجربته في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك أيضاً تجربة مطروحة لعلاج مرض هنتغنتون علاجاً جينياً.

هندسة الدماغ

المفهوم:

يبحث اختصاصي هندسة الأعصاب عن طرق لوصل الجهاز العصبي، بما فيه الدماغ، مع الآلات. يمكن للأجهزة التجريبية أن تترجم النشاط العصبي أو تجعله يحرك طرفاً اصطناعياً، وتحوّل بعض الأجهزة المعلومات الصادرة عن المستقبلات الاصطناعية إلى منبهات عصبية يمكن للدماغ أن يفهمها.

سبب الأهمية:

تساعد التكنولوجيا اليوم في ترميم القدرة على التواصل، والشعور والحرة لدى الناس المشلولين أو الذين خضعوا لبتر طرف ما. يمكن للزروع المنبهة للدماغ أن توفر طرقاً جديدةً لعلاج الصرع، والألم المزمن والعمى

أحدث المعلومات:

يستخدم أخصائيو هندسة الدماغ في جامعة ستانفورد قياسات نشاط الدماغ لترميم وظيفة الأعضاء لدى الناس المشلولين. مؤخراً، قام الباحثون بزرع مجموعتين من الأقطاب الكهربائية الصغيرة في منطقة من الدماغ مسؤولة عن حركات اليدين لدى إنسان مشلول شللاً رباعياً. عندما فكر الشخص بكتابة الحروف في عقله، قام العلماء باستخدام آلة لترجمة نشاط دماغه إلى حروف على الشاشة. من خلال هذه الطريقة، تمكن الشخص من كتابة تسعين حرفاً في الدقيقة، وكان ذلك أكثر من ضعف الرقم المسجل للكتابة عن طريق نشاط الدماغ.

في المستقبل، يمكن لهذه الأجهزة أن تعزز الفهم، وأن تتيح لنا التواصل من دماغ لدماغ، أو أن نكوّن تجارب افتراضيةً قريبةً جداً من الواقع تجسّد أحاسيسنا كلها.

يعمل أخصائيون آخرون على صنع أطراف صناعية يمكنها إرجاع المعلومات الحسية للمستخدم. يعمل لوك أوسبورن، أخصائي في هندسة الأعصاب في جامعة Johns Hopkins، على طرق لنقل أنواع مختلفة من الأحاسيس لدى الناس الذين خضعوا لبتر طرف من خلال تنبيه الأعصاب الموجودة في الطرف فوق منطقة البتر. لحد الآن، يمكن للأجهزة أن تنقل أحاسيس الضغط والألم الخفيف. يقول أوسبورن، إن أحاسيس الألم هي مصادر معلومات هامة، لأنها تُعلِمنا بأننا نقوم بشيء غير آمن.

أقصى ما توصل إليه العلم:

يمكن استخدام الأجهزة التي تصل الأدمغة بالحواسيب لتعزيز قدرات أدمغتنا لا لترميم الوظائف المفقودة فقط. في المستقبل، يمكن لهذه الأجهزة أن تعزز الفهم، وأن تتيح لنا التواصل من دماغ لدماغ، أو أن نكوّن تجارب افتراضيةً قريبةً جداً من الواقع تجسّد أحاسيسنا كلها.

كيف تصنع دماغاً

المفهوم:

يبحث علم الأعصاب التطويري في كيفية تغير بنية ووظائف الدماغ عبر الوقت مع نضج الإنسان. كيف تجد خلايا الإنسان العصبية مكانها المناسب في الدماغ؟

سبب الأهمية:

يمكن أن يساعدنا فهم تطور الدماغ – وأسباب انحراف هذا التطور – في معالجة حالاتٍ مثل صغر الرأس (الصعل)، التوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD). وإن عَلِمنا كيفية تأثير الحوادث قبل الولادة وخلال مرحلة الطفولة على بنية ووظائف الدماغ الآخذ بالتطور، ستكون قدرتنا على توفير أفضل تطور صحي للأطفال أكبر.

أحدث المعلومات:

تدرس مادلين لانكستر، العاملة في مخبر Medical Research Council Laboratory of Molecular Biology في المملكة المتحدة، تطور الدماغ باستخدام العضويات، مجموعات من خلايا ثلاثية الأبعاد مستمدة من الخلايا الجذعية للإنسان يمكنها التمايز إلى عضوٍ مبسطٍ ومصغرٍ لكنه مشابهٌ للدماغ. من أجل تشكيل نموذج أكثر دقة للدماغ البشري، تقوم مادلين بتصنيع عضويات تعيش فترةً أطول وتشابه أنواع مختلفة من بنى الدماغ.

باتباع هذا النهج، اكتشفت لانكستر أن بروتيناً يدعى ZEB2 مهمٌ لتنظيم التوسع التطوري الملحوظ الذي يجعل أدمغةَ البشر أكبر من أدمغة القردة. يمكن أن يساعدنا فهم العمليات التي تتحكم بحجم الدماغ على فهم الأسباب التي تسبب الصعل والاضطرابات الأخرى التي لا يتطور فيها دماغ الجنين بشكل جيد.

تطور الدماغ الذي يحدث بعد الولادة أمر مهم أيضاً. تعمل ريبيكا ساكس في معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا على فهم بنى وأنشطة الدماغ المسؤولة عن الإدراك الاجتماعي، والذي يتيح لنا معرفة الحالة العقلية للناس.

اكتشفت ساكس منطقة معينة من الدماغ مسؤولة عما سبق، من خلال دراسة كيف يتغير النشاط في هذه المنطقة وغيرها من المناطق خلال مرحلة الطفولة، قد تتمكن من فهم كيفية تطور القدرات الاجتماعية. ووجدت أيضاً أن أنماط النشاط الدماغي هذه متغيرة لدى الناس المصابين باضطرابات التوحد.

أقصى ما توصل إليه العلم:

على الرغم من أن الباحثين بدأوا بفهم العمليات التي تتحكم بالتطور وتعرفوا على الأمور التي تعيق التطور، نحن بعيدون عن امتلاك القدرة على التدخل عندما تحدث مشكلة ما بهذا الخصوص. لكن بما أننا نكتسب الأفكار، قد نتمكن يوماً ما من اختبار العلاجات أو غيرها من الطرق لنعالج هذه المشاكل التطورية.

الحواسيب التي تقلّد الدماغ

المفهوم:

يستخدم أخصائيو علم الأعصاب المحوسب العمليات الحسابية لنفهم أكثر كيف تساعدنا شبكات الخلايا في الدماغ على تفسير ما نرى ونسمع، دمج المعلومات الجديدة، تكوين وتخزين الذكريات واتخاذ القرارات.

سبب الأهمية:

يمكن أن يؤدي فهم كيفية تحكّم نشاط الخلايا العصبية بالإدراك والسلوك إلى طرق لتحسين الذاكرة أو فهم نهج الأمراض.

أحدث المعلومات:

قام تيري سينوسكي، أخصائي في علم الأعصاب المحوسب في معهد سالك (Salk Institute)، بصنع نموذج حاسوبي للقشرة أمام الجبهية وحلّل أدائها في اختبار يقوم فيه شخص ما (أو آلة) بترتيب بطاقاتٍ حسب قاعدة تتغير باستمرار. قدرة الإنسان على التكيف كبيرة، أما الآلات فتعاني على العموم. لكن حاسوب سينوسكي، الذي يقلّد أنماط تدفّق المعلومات الملاحظة في الدماغ، أدّى بشكل جيد في هذا الاختبار. يمكن لهذا البحث أن يساعد الآلات على “التفكير” كبشر وعلى التكيف مع الشروط الجديدة بشكل أسرع.

تستخدم أود أوليفا، المديرة التنفيذية في MIT-IBM Watson AI Lab، الوسائل المحوسبة لتخمن كيفية تلقي الدماغ وتذكره للمعلومات المرئية. يظهر بحثها أن الصور المختلفة تسبب أنماطاً مختلفة من شالنشاط في كل من القشرة عند القرود ونماذج الشبكات العصبية، وأن هذه الأنماط تتوقع مدى كون صورة معينة قابلة للتذكر.

أقصى ما توصل إليه العلم:

يمكن للأبحاث الشبيهة ببحث سينوسكي أن تُوجِدَ آلاتٍ “أذكى”، ويمكنها أيضاً أن تساعدنا على فهم الاضطرابات التي تتغير فيها وظيفة القشرة أمام الجبهية، مثل الفصام، الخرف وآثار الرضوض في الرأس.

لماذا تنهار الأمور؟

المفهوم:

يحاول الباحثون تحديد عوامل الخطر الجينية والبيئية المتعلقة بأمراض التنكس العصبي بالإضافة لآليات الأمراض الأساسية.

سبب الأهمية:

من الممكن أن يساعد تطوير الوقاية، الكشف المبكر عن المرض، ومعالجة أمراضٍ كالزهايمر، باركنسون، هنتغنتون، اعتلال الدماغ الرضي المزمن والتصلب الجانبي الضموري الملايين حول العالم.

أحدث المعلومات:

تدرس ياكيل كويروز، في مشفى Massachusetts General Hospital، التغيرات في بنية ووظائف الدماغ التي تحدث قبل بداية أعراض مرض الزهايمر. هي تبحث عن المؤشرات الحيوية التي من الممكن استخدامها للكشف المبكر عن المرض وتحاول أن تحدد الأهداف المحتملة للمداواة. إحدى المؤشرات الحيوية في البداية المبكرة لمرض الزهايمر التي وجدتها – وهو بروتين يدعى NfL – ارتفع تركيزها في الدم قبل أن تظهر الأعراض بأكثر من عقدين من الزمن. قامت كويروز أيضاً بالتعرف على امرأة لديها طفرة جينية وقائية حمتها من تطوير الضعف الإدراكي والتنكس الدماغي على الرغم من أن التراكيز في دماغها أظهرت نسباً مرتفعةً من البروتين النشواني، وهو بروتينٌ متورطٌ في تطور مرض الزهايمر. إن دراسة آثار هذه الطفرة المفيدة قد يؤدي إلى علاجات جديدة.

يقوم الباحثون في مبادرة Early Detection of Neurodegenerative Diseases initiative في المملكة المتحدة بتحليل إمكانية إعطاء البيانات الرقمية المأخوذة من الهواتف الذكية أو من الأجهزة الممكن ارتداؤها لتحذيراتٍ مبكرة عن المرض قبل تطور الأعراض. أحد مشاريع المبادرة – بالشراكة مع جامعة بوسطن – سوف يجمع البيانات باستخدام التطبيقات، أجهزة تعقب النشاط وأجهزة تعقب النوم لدى الناس المصابين وغير المصابين بالخرف للتعرف على الإشارات المحتملة للمرض.

أقصى ما أوصل إليه العلم:

يحاول الباحثون ترجمة المعرفة الناتجة عن تعملنا المزيد حول الأسباب الضمنية لأمراض الأعصاب التنكسية لعلاجات فعالة. كثير من التجارب السريرية المتقدمة التي تستهدف آليات الأمراض التي تم فهمها مؤخراً تعدّ قيد التجربة حالياً بخصوص العديد من الأمراض التنكّسية العصبية كالزهايمر، باركنسون والتصلب الجانبي الضموري.

كلُّ شيءٍ متصلٌ

المفهوم:

يقوم الباحثون المختصون بالتوصيلات العصبية بتخطيط وتحليل الاتصالات العصبية، مشكلين مخططاً مشكلاً من الأسلاك خاصاً بالدماغ.

سبب الأهمية:

إن فهم الاتصالات هذه يسلط الضوء على كيفية عمل الدماغ، تبحث مشاريعٌ عدة في كيفية تغيّر الاتصالات ذات النطاق الواسع خلال التطور، الشيخوخة والمرض.

أحدث المعلومات:

ليس من السهل تخطيطُ هذه الاتصالات – قد يكون هناك ما يقارب المئة ترليون اتصال في دماغ الإنسان، وكلهم اتصالات صغيرة. يحتاج الباحثون أن يجدوا أفضل الطرق لتمييز خلايا عصبية معينة، ملاحقة الاتصالات التي تصنعها هذه الخلايا مع خلايا عصبية أخرى في مناطق بعيدة من الدماغ، تطوير التكنولوجيا اللازمة لجمع هذه الصور واكتشاف كيفية تحليل الكم الهائل من البيانات التي تصدرها هذه العملية.

قامت شراكة تضمنت فيرن جيان عالم الحاسوب في غوغل وجيف ليشمان عالم الأعصاب في جامعة هارفارد بإكمال أكثر مخطط تعقيداً لجزءٍ من دماغ الإنسان تم إنشاؤه من قبل. قاموا من خلال تصوير ميليمتر مكعب واحد من الدماغ على مقياس النانو بتخطيط حوالي خمسين ألف خلية عصبية وأكثر من مئة وثلاثين مليون مشبك عصبي، منتجين حوالي 1.4 بيتابايت من البيانات. سابقاً، ساعد ليشمان بتطوير Brainbow، وهي تقنية تسمح بالتمييز الملوّن للخلايا العصبية لدى الحيوانات، الأمر الذي يمكّن العلماء من تتبّع أثر الاتصالات العصبية.

قام سبيستيان سيونغ، أخصائي علم الأعصاب المحوسب في جامعة Princeton، بابتداع تقنية تستخدم وسائل جمع المعلومات من الناس والتعليم الآلي لتحويل الصور الخام إلى خرائط عصبية ثلاثية الأبعاد قابلة للاستخدام، تكون فيها المشابك العصبية معرّفة وأنواع الخلايا مصنّفة. في المشروع الأول المسمّى EyeWire قام العلماء بالمساعدة على صنع خارطة للخلايا العصبية في شبكية العين. المشروع الحالي FlyWire يسعى لصنع خارطة للاتصالات العصبية الكاملة في دماغ ذبابة الفاكهة.

توفر منظمة أللين (Allen Institute) في سياتل، وهي منظمة مهمة في مجال أبحاث الوصل العصبي، خرائط الدماغ الخاصة بها للعامة. يتضمن أطلسٌ للوصل العصبي في دماغ الفأر خرائط خاصة بأنواع الخلايا للاتصالات بين المهاد (محطة للإشارات الحسية والحركية) والقشرة المخية.

أقصى ما توصل إليه العلم:

إن صنعَ خارطة للاتصالات العصبية في دماغ الإنسان أمرٌ صعبٌ جداً. هناك اختلافات ما بين الأشخاص وضمن الأشخاص أيضاً – حيث تتغير الاتصالات مع تطور أدمغتنا وتعلمها وشيخوختها. إن صنع خرائط دماغية بمقياس الميكرو للجميع سيزودنا بفطنة ومعلومات غير مسبوقة، لكن لحد الآن إنه حلم بعيد المدى.

الصحة العقلية

المفهوم:

كيف ولماذا ما تزال الأمراض النفسية وتطور اضطرابات الدماغ لغزاً كبيراً. يستخدم أخصائيو الأعصاب علم الوراثة، الكيمياء الحيوية، تصوير الأعصاب، التعليم الآلي، الدراسات السلوكية وغيرها لفهم المسببات البيئية والجزيئية.

سبب الأهمية:

تعتبر الأمراض العقلية من أكبر مسببات العجز حول العالم. فحوالي مئتان وستٌ وأربعون مليون شخصٍ يعانون من الاكتئاب، خمسُ وأربعون مليون شخصٍ يعانون من الاضطراب ثنائي القطب، وعشرون مليون شخصٍ يعانون من الفصام.

أحدث المعلومات:

تستخدم ساتريت غوش، أخصائية في علم الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنماط الخطاب والتصوير العصبي لتحسين تقييمات الصحة العقلية لدى البشر. على المدى القريب، تأمل غوش أن يتم استخدام هذا الأمر لتحسين التشخيص، وهناك بعض الأدلة التي تساعد على تخمين المرضى الذين سيستجيبون لعلاجاتٍ معينة. لكن في المستقبل، تقول غوش، “نريد أن نتمكّن من قياس الأشياء، توقّع الحالة المستقبلية، وضبط السلوك خلال العملية حتى لا يصل الشخص إلى نفس الحالة مجدداً.”

تقدّم العلاجات التي تستخدم تنبيه الدماغ خياراتٍ جديدة لعلاج اضطراب الوسواس القهري (OCD) يوفّر التنبيه العميق للدماغ – الذي تُوضع فيه الأقطاب الكهربائية داخل الدماغ – ارتياحاً كبيراً لبعض الناس الذين لا يستجيب الوسواس القهري عندهم للعلاجات الأخرى. وأظهرت أنماط التنبيه الأقل دخولاً في الدماغ نتائج أوليّة واعدة كذلك. فخلال خمسة أيام من تنبيه الدماغ غير الجراحي (لا يتم فيه الدخول إلى الدماغ) تم تخفيف سلوكيات الوسواس القهري لثلاثة أشهر لدى الناس الذين أظهروا بعض أعراض الوسواس القهري.

يخطو الباحثون خطواتٍ واسعةً في فهم وعلاج اضطرابات تعاطي المخدرات، متعرّفين على أنماط الوصل العصبي التي تزيد أو تقلل من خطر الإدمان. ربما يوماً ما، سيكون من الممكن تعزيز السبل العصبية التي تساعد الناس على مقاومة الإدمان علاجياً.

عندما تُصنّف الأدوية كأدوية معدلّة للمزاج، يتم البحث في إمكانية علاجها للأمراض العقلية. في عام 2019، قامت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية بقبول دواء الإسكيتامين لعلاج الاكتئاب المقاوم للعلاج، وكانت تلك أول مرة منذ ثلاثين عاماً تتم فيها الموافقة على دواء بآلية عمل جديدة لعلاج هذه الحالة. مؤخراً، أظهرت تجربة سريرية من المرحلة الثالثة أن الناس المصابين باضطراب ما بعد الصدمة والذين تلقّوا دواء 3،4- ثنائي متيلين ميثامفيتامين ((MDMA والذي يعرف ب ((Ecstasy مع المعالجة التقليدية تحسّنوا بصورة ملحوظة مقارنة بالناس الذين تلقّوا المعالجة لوحدها. يدخل سيلوسايبين – العنصر الفعّال في الفطر السحري Magic mushrooms – في التجارب السريرية لعلاج الاكتئاب، اضطراب تعاطي الكحول، الوسواس القهري، فقدان الشهية وغيرها.

أقصى ما توصل إليه العلم:

يوماً ما، قد يتم تقييم وعلاج مرضى اضطرابات الدماغ اعتماداً على المورثات لديهم، بالإضافة للمؤشرات الحيوية وماسحات نشاط الدماغ.

يبحث الباحثون في كيفية تقديم المورثات لخياراتٍ علاجية لمرضى الاكتئاب، وكيفية قيام الاتصالات في مناطق الدماغ كاللوزة بإيصالنا لفهم أكبر حول الاضطرابات المتعلّقة بالخوف والقلق، وكيفية قيام المؤشرات الحيوية المعتمدة على الدم بتتبع الاستجابة العلاجية في الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب.

  • ترجمة: فارس نمنوم
  • المصادر: 1