خفض نبرة صوتك يجعلك أكثر جاذبية للغرباء

تعتبر النبرات الصوتية المنخفضة أكثر جاذبية وقوة.

إذا كنت تبحث عن علاقة طويلة الأمد أو تسعى لتعزيز وضعك الاجتماعي، فاخفض نبرة صوتك؛ ذلك ما ذكره الباحثون الذين يدرسون تأثيرات نبرة الصوت على التصورات الاجتماعية. إذ وجدوا أن نبرة الصوت المنخفضة تجعل النساء والرجال يبدون أكثر جاذبية لشركاء العلاقات طويلة الأمد، وأنّ الصوت المنخفض عند الذكور يجعل الشخص يبدو أكثر قوة ومكانة بين الرجال الآخرين.

إنّ نتائج الدراسة متعددة الثقافات، التي نُشرت في مجلة Psychological Science لها تأثيرات على فهم التطور البشري، وكيف يمنح الناس المكانة الاجتماعية ويقيّمونها اليوم.

قال ديفيد بوتس، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ الأنثروبولوجيا في ولاية بنسلفانيا: «إنّ التواصل الصوتي هو أحد أهم الخصائص البشرية، والنبرة هي السمة الأكثر بروزًا في الصوت. إذ إنّ فهم كيفية تأثير الصوت على التصورات الاجتماعية يمكن أن يساعدنا على فهم العلاقات الاجتماعية بشكل أوسع، وكيف نحقق المكانة الاجتماعية، ونقيّم الآخرين بناءً على الوضع الاجتماعي، وكيف نختار الأصدقاء».

ولدراسة تأثير الصوت على التصورات الاجتماعية، اختار الباحثون تسجيلين صوتيين لذكور وإناث يكررون جميعهم الجملة نفسها. ثم حرّروا المقاطع لإنتاج نبرة متوسطة لجنس المتحدث بالإضافة إلى نسخة عالية النبرة وأخرى منخفضة النبرة من كل صوت، بإجمالي 12 مقطعًا صوتيًا، وقسّموا المقاطع إلى أزواج للذكور وأخرى للإناث. ثم طلب الباحثون من أكثر من 3,100 مشارك من 22 دولة، يمثلون القارات الخمس بالإضافة الى نيوزيلندا، الاستماع إلى تلك التسجيلات المزدوجة والإجابة عن أسئلة حول أيّ الأصوات بدا أكثر جاذبية وقوة ومكانة.

لقد وجد الباحثون أن النساء والرجال يفضّلون الأصوات منخفضة النبرة عند سؤالهم عن الصوت المفضّل لديهم من أجل علاقة طويلة الأمد كالزواج. كما وجدوا أن الصوت الذكوري المنخفض جعل الشخص يبدو أكثر قوة، خاصةً بين الرجال الأصغر سنًا. وأكثر هيبةً، لا سيما بين الرجال الأكبر سنًا. وكان لتصورات القوة والمكانة تأثيرًا أكبر في المجتمعات ذات الحراك الاجتماعي الأكبر، حيث يتفاعل أعضاء المجموعة في كثير من الأحيان مع الغرباء، ما يؤدي إلى المعاناة منالمزيد من العنف.

أوضح بوتس أن الذكور من البشر غالبًا ما واجهوا تهديدات العنف خلال المنافسة مع أقرانهم. والذكور الذين كانوا أكبر، أو بدوا أكبر، مالوا إلى تحقيق المزيد من النجاح، وقال: «لقد اعتبرنا معدل جرائم القتل طريقة لقياس درجة العنف الجسدي في مجتمع ما، والذي ربما كان عاملًا مهمًا في نجاح تكاثر أسلافنا الذكور. إذ يتمتع ذكور البشر بسمات جنسية، مثل كتلة عضلات الجزء العلوي من الجسم، والتي تبدو وكأنها تشكلت باستخدامهم القوة أو التهديد بالقوة لكسب فرص التزاوج. وصوت منخفض النبرة يعكس مبالغةً في الحجم ويجعل الكائن الحي، سواءً كان إنسانًا أو من الرئيسيات غير البشرية، يبدو كبيرًا ومخيفًا».

أفاد بوتس أن المشاركين في الدراسة متعددة الثقافات اعتبروا أن الصوت الذكوري منخفض النبرة يمنح القوة والمكانة الاجتماعية العالية، لذا من المحتمل أن تكون هذه الخصائص ممنوحة لأسلافنا أيضًا. وشبّه هذا التأثير لصوت دارث فيدر في سلسلة حرب النجوم بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه الشخصية في المجرة، إذ يُعتبر صوته المنخفض مخيفًا لأن الكائنات الأكبر تصدر ترددات منخفضة.

وتابع بوتس: «تشير النتائج إلى أن الأصوات العميقة تطورت لدى الذكور لأن أسلافنا الذكور واجهوا على الدوام المنافسين الغرباء، كما أظهرت كيف يمكننا استخدام الفكر والبحث التطوري الذي أجري على الحيوانات للتنبؤ ومعرفة كيف أن عقليتنا وسلوكياتنا تختلف باختلاف السياقات الاجتماعية واختلاف الثقافات. وتعتبر السمات الذكورية مثل الأصوات العميقة واللحى سمات بارزة إجتماعيًا للغاية، لكن هذا البحث الجديد يظهر أن طرق التنبؤ عند بروز سمة واحدة على الأقل من هذه السمات يتفاوت بين المجتمعات، وينطبق ذلك على السمات الأخرى أيضًا، مثل اللحى».

بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أنّ الرجال ينظرون إلى الإناث ذوات الأصوات العالية على أنهن أكثر جاذبية من أجل العلاقات قصيرة الأمد، بينما تعتبر النساء النبرات الأعلى أكثر إغواءً وجاذبية بالنسبة للرجال. ووفقًا للباحثين، قد تعتبر النساء هذه الأصوات المثيرة تهديدًا للنظم الاجتماعية الموجودة في المجتمعات ذات الحراك الاجتماعي المنخفض، حيث يعرف أعضاء المجموعة بعضهم البعض أكثر.

وقال بوتس: «يبدو أن الغاية من السمات الجنسية الثانوية الأنثوية، مثل الصوت، هو جذب الشريك أكثر من كونه تهديدًا جسديًا لبعضهم البعض. إذ وجدنا أنه يمكننا استخدام الحراك الاجتماعي للتنبؤ بمدى استجابة المرأة لرفع نبرة الصوت. فقد تكون الاستجابة أعلى في المجتمعات ذات الحراك الاجتماعي المنخفض لأن السلوك الغزلي ليس مجرد تهديد لعلاقاتك العاطفية ولكن لصداقاتك أيضًا».

وبيّن بوتس أن هناك مفهوم خاطئ شائع بأن البشر الأوائل عاشوا فقط في مجتمعات صغيرة الحجم حيث يعرف الجميع بعضهم البعض. كان هذا صحيحًا في بعض الأحيان، لكن السّجلات الإثنوغرافية والأثرية تظهر أن حجم المجموعات غالبًا ما كان كبيرًا. وأضاف أنه على الرغم من أن الكثير من الناس عاشوا في مجتمعات صغيرة، إلا أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أنهم انضموا بشكل دوري إلى مجموعات أخرى لتشكيل مجتمعات واسعة النطاق يبلغ عددها المئات أو الآلاف. لقد عاشوا أحيانًا في هذه المجموعات الأكبر لعدة أشهر في كل مرة، وحافظوا على هذه الشبكات الاجتماعية حتى عندما عادوا للعيش في مجتمعات أصغر.

قال بوتس: «تشير هذه الدراسة إلى أن نبرة الصوت متعلقة بالمفاهيم الاجتماعية السائدة في المجتمعات. لكنها أيضًا تُظهر أن مدى اهتمامنا بنبرة الصوت في تحديد السمات الاجتماعية يتفاوت في المجتمعات ويخضع للمتغيرات الاجتماعية والثقافية المؤثرة. لذلك، في مجتمع يتميز بحراك اجتماعي عالي ولا تتوفر فيه معلومات واضحة عن المنافسين، سيبدي الناس اهتمامًا أكبر بالسمات التي يمكن تمييزها والتعرف عليها بسهولة مثل الصوت».

  • ترجمة: صبا غانم
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1