كيف تعرف الأدوية سبيلها في الجسم؟
الإجابة المختصرة هي أنه لا يعرف: لا تستطيع الجزيئات أن تنتقل بنفسها عبر الجسم، ولا تتحكم في الأماكن التي ستصل إليها في النهاية.
لكن يستطيع الباحثون تعديل جُزيئات الدواء لضمان أن يكون ارتباطها أقوى بالأماكن التي نريدها، وأضعف بالأماكن التي لا نريدها.
تحتوي المنتجات الصيدلانية على أكثر من مجرد الدواء الفعال الذي يُؤثر في الجسم مباشرةً، تشتمل الأدوية أيضًا على «المكونات غير الفعالة»، أو الجزيئات التي تُحسن الثبات والامتصاص والنكهة والصفات الأخرى التي تُعد ضرورية للسماح للدواء بأداء وظيفته.
يحتوي الأسبرين الذي تتناوله على سبيل المثال أيضًا على مكونات تمنع القرص من التكسر في أثناء الشحن، كما تساعد في تفتته في جسمك.
لقد درست توصيل الدواء بصفتي صيدلانيًا على مدى الثلاثين عامًا الماضية، أي تطوير طرائق وتصميم مكونات غير دوائية تساعد في وصول الدواء إلى الأماكن المطلوبة في الجسم.
ولفهم أفضل للفكرة الكامنة وراء كيفية تصميم الأدوية المختلفة، دعنا نتتبع دواءً من لحظة دخوله إلى الجسم إلى المكان الذي ينتهي إليه في النهاية.
كيف تُمتص الأدوية في الجسم؟
عندما تبتلع قُرصًا فإنه سيذوب في معدتك وأمعائك قبل أن يمتص مجرى الدم جزيئات الدواء، وما إن يصل إلى الدم سينتشر في كل أنحاء الجسم ليصل إلى الأعضاء والأنسجة المختلفة. وتُؤثر جُزيئات الدواء في الجسم عن طريق الارتباط بمُستقبلات مختلفة على الخلايا لها القدرة على تأدية استجابة مُعينة.
على الرغم من أن الأدوية مُصممة لاستهداف مُستقبلات معينة لإحداث التأثير المطلوب، فمن المُستحيل منعها من الاستمرار في الدوران في الدم، والارتباط بالمواقع غير المُستهدفة التي من المُحتمل أن تُسبب آثارًا جانبيةً غير مرغوب فيها.
تتحلل جُزيئات الدواء التي تدور في الدم بمرور الوقت أيضًا، وتُغادر الجسم في النهاية مع البول. تُعدّ الرائحة القوية التي تظهر في بولك بعد أن تتناول الهليون مثالًا تقليديًا، إذ تحدث بسبب السرعة التي تُخرِج بها كليتك الحمض الهليوني. وبالمثل تحتوي الفيتامينات المتعددة عادةً على الريبوفلافين، ويُسمى فيتامين ب2، وهو يُغير لون البول عند إخراجه إلى الأصفر الفاقع.
بسبب اختلاف الكفاءة التي يُمكن لجزيئات الدواء أن تعبر بها بطانة الأمعاء، اعتمادًا على خصائص الدواء الكيميائية، فإن بعض الأدوية التي تتناولها لا تُمتص أبدًا- وتخرج مع البراز.
نظرًا لعدم امتصاص كل الدواء، فإن بعض الأدوية -مثل تلك المُستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم والحساسية- تُؤخذ بشكل متكرر لتعويض جزيئات الدواء المُزالة والحفاظ على مستوى مرتفع وكافٍ من الدواء في الدم لاستمرار تأثيراته على الجسم.
إيصال الأدوية إلى الأماكن المناسبة
يُعد حقن الدواء مباشرةً في الوريد طريقةً فعالةً أكثر لإيصال الدواء إلى الدم مقارنةً بالأقراص والحبوب. ينتشر الدواء كله بهذه الطريقة في كل أنحاء الجسم ويتجنب التحلّل في المعدة. والعديد من الأدوية التي تُعطى وريديًا هي «مستحضرات بيولوجية» أو «أدوية تكنولوجيا حيوية»، وهي مواد مشتقة من كائنات أخرى.
يُعد نوع من أدوية السرطان يُسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أكثر هذه الأدوية شيوعًا، ويتكون من بروتينات ترتبط بالخلايا السرطانية وتقتلها. تُحقن هذه الأدوية مباشرةً في الوريد لأن معدتك لا تستطيع أن تعرف الفرق بين هضم البروتين العلاجي وهضم البروتينات الموجودة في شطيرة اللحم بالجبن.
في حالات أخرى، يُمكن إيصال الأدوية التي تحتاج إلى تركيزات عالية جدًا لتكون فعالةً، مثل المضادات الحيوية التي تُعالج العدوى الشديدة، باستخدام العلاج الوريدي فقط.
وبينما قد تساعد زيادة تركيز الدواء في ضمان ارتباط عدد كافي من الجزيئات بالأماكن الصحيحة للحصول على التأثير العلاجي، فإنها تزيد أيضًا الارتباط بالأماكن غير المستهدفة ومن ثم زيادة خطر الأعراض الجانبية.
تتمثل إحدى الطرائق للحصول على تركيز عالٍ من الدواء في المكان المناسب في وضع الدواء على المكان المطلوب مباشرةً، مثل فرك مرهم على الطفح الجلدي أو استخدام قطرات العين للحساسية، وفي حين سوف تُمتص بعض جزيئات الأدوية في نهاية المطاف إلى مجرى الدم، ستصبح مخففة لدرجة أن كمية الدواء التي تصل إلى أماكن أُخرى تكون قليلة جدًا وغير محتمل أن تسبب أعراض جانبية.
وبالمثل، يوصل جهاز الاستنشاق الدواء إلى الرئتين مباشرةً ويتجنب التأثير على باقي الجسم.
التزام المريض بالعلاج
أخيرًا، يُمثل جعل المرضى يتناولون الأدوية بالكميات المناسبة في التوقيت المناسب جانبًا رئيسيًا في كل تصميمات الأدوية.
يُحاول الباحثون تصميم تركيبات دوائية تتطلّب تناولها مرة واحدة فقط يوميًا أو أقل، وذلك لأن تذكر تناول الدواء عدة مرات يوميًا يُعد صعبًا على الكثير من الناس. وكذلك تُعد الحبوب أو أجهزة الاستنشاق أو بخاخات الأنف ملائمة أكثر من العلاج الوريدي الذي يحتاج إلى الذهاب إلى عيادة بها فني مُدرّب لحقنه في ذراعك.
وكلما كان إعطاء الدواء أقل إزعاجًا وتكلفة، زاد احتمال أن يتناول المرضى أدويتهم عندما يحتاجون إليها.
ومع ذلك، يكون العلاج الوريدي أو الحقن أحيانًا هو الطريقة الفعالة الوحيدة التي يُمكن بها تناول بعض الأدوية.
ورغم كل العلم الذي يدخل في فهم المرض جيدًا بما يكفي لتطوير دواء فعال، عادةً ما يُترك الأمر للمريض لجعل كل شيء يعمل كما هو مصمم.
- ترجمة: محمد اللحام
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1