كيف يمكن للأمهات أن تأخذ بزمام المبادرة في تشكيل وإحداث التعلّم لدى الأطفال؟
توصلت دراسة عالمية جديدة تتبنى نهجًا يراعي الفروق بين الجنسين، إلى أنّ المستوى التعليمي للأم يلعب دورًا بالغ الأهمية في تشكيل وإعداد المستوى التعليمي للأطفال، وذلك على نقيض المستوى التعليمي للأب الذي لم يرتقِ إلى تلك الأهمية.
وقد كان من المتوقَع أن يُحدث التوسع في التعليم مزيدًا من الحراك الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، ولكن ما ظهر من أدلة عالمية جديدة أتت بها جامعة لانكستر وجامعة كولومبيا البريطانية يتحدى ويواجه هذا الافتراض، علاوةً على إيضاحه لمدى أهمية النّوع الاجتماعي في واقع الأمر.
وتوصلت الدراسة أيضًا إلى أن ذلك التوسع في التعلّم لم يجعل بالضرورة تكافؤًا في فرص التعليم للأطفال الذين لديهم خلفياتٌ مختلفةٌ من تعليم الوالدين في كثير من أنحاء العالم.
وعلى جانبٍ آخر، ينصب تركيز الأبحاث القائمة حول الحراك الاجتماعي على مدى إمكانيّة الأطفال تحقيق النجاح التعليمي بغضّ النظر عن الخلفيّة العائلية يرتكز هذا الجانب على دور الأب وليس الأم.
ووفقًا لتلك الأبحاث، فإن أهمية المستوى التعليمي للأم من أجل أطفالها –وبشكلٍ خاص الحراك التعليمي للفتيات- يمكن أن يكون قد لَحِقَ بأهمية مستوى الأب التعليمي أو تجاوزته، ولا سيّما في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادي وأوروبا، بما في ذلك المملكة المتّحدة.
وفي مجلة “Human Nature Behavior” نشر “Yang Hu” من جامعة لانكستر، والبروفيسور “Yue Qian” من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا مقالاً بعنوان: “النوع والتوسع في التعليم والحراك التعليمي بين الأجيال في كافة أنحاء العالم”.
ومن أجل هذه الدراسة، جمع الباحثون مجموعة بياناتٍ شاملة على نطاقٍ واسعٍ، والتي تضمّنت 1.79 مليون فردٍ وُلِدوا في الفترة ما بين 1956 و1990، وقد انحدروا من مائة وستة مجتمعاتٍ من جميع أنحاء العالم، ومن الجدير بالذكر أنّ تلك المجتمعات التي تمّ تناولها في الدراسة تستضيف 90% من سكان العالم.
وحسبما تذكر الأبحاث فإنه مع زيادة المساواة بين الجنسين وزيادة نسبة الأمهات اللاتي تقترنَّ بآباءٍ أقلّ منهنّ بالمستوى التعليمي، أصبحت جمعيات الأم والطفل فيما يتعلق بالمستوى التعليمي أقوى من جمعيات الأب والطفل التي باتت أضعف.
وعلى عكس ذلك، ففي السياقات الأقل مساواةً بين الجنسين، والتي تحوي نسبةً أعلى من الأمهات اللاتي تقترنّ بآباءٍ أعلى منهنّ بالمستوى التعليمي، نجد أن جمعيات الأم والابنة فيما يتعلّق بالوضع التعليمي باتت أضعف.
ويقول البروفيسور Yang Hu: “نظرًا لارتقاء المستوى التعليمي للمرأة، أصبح المقياس الذكوري الذي لا يراعي الفروق بين الجنسين ضعيفًا على نحوٍ متزايد”.
وتابع حديثه قائلًا: “وتبين نتائج البحث التي توصلنا إليها أنه مع التوسع الشامل في التعليم، حافظت الأهميّة المتزايدة لتعلّم الأمهات بشكلٍ فعّال –إن لم يكن بشكلٍ متزايدٍ أيضاً- على تأثير تعلّم الوالدين في الحراك الاجتماعي لأطفالهم في مناطق عدّة”.
وأضاف أيضًا: “وتتيح الأدلة التي تُركز فقط على الآباء صورةً شديدة التفاؤل فيما يتعلق بالحراك الاجتماعي، بالإضافة إلى أن نتائج البحث التي توصلنا إليها تدعو إلى اتباع نهجٍ يراعي الفروق بين الجنسين لقياس قابلية الانتقال بين الأجيال لكلٍّ من الأكاديميين، الحكومات، والمنظمات الدوليّة، بُغيةَ إدراك الآثار المترتبة على التوسع في التعليم على نحوٍ أكثر دقة، وأيضًا فهمها واستيعابها بشكلٍ أفضل”.
وتُفيد الأبحاث إلى أنه بالنظر إلى ازدياد عدد الأسر القائمة على أحد الوالدين –ولاسيما الأم العزباء- على الصعيد العالمي، فإنه من الممكن أن يؤدي هذا التغيير في التركيب الأسري إلى زيادة تعزيز أهميّة الأم في الحراك الاجتماعي للأطفال.
وقال البروفيسور Qian: “إذا تطرقنا إلى التقسيم المستمر للعمل على أساس النوع داخل الأسرة، نجد أنّه لا تزال الأمهات يتحملن القدر الأكبر من مسؤوليات تربية الأطفال في أنحاءٍ كثيرةٍ من العالم”.
وأضاف: “لقد أُولي القليل من الاهتمام بشأن دور الأمهات في الحراك الاجتماعي للأطفال، وهو مسألة تترتب عليها آثارٌ في التفاوت الاجتماعي والاقتصادي على نطاقٍ واسع، ومن ثمّ فالدافع من هذه الدراسة يكمن في بداية الأمر فيما شعرنا به من استياءٍ وتذمّرٍ اتجاه التركيز الأبوي في أبحاث الحراك الاجتماعي السائدة والنابعِ من الغرب”.
وأكمل حديثه قائلًا: “وبحسب أبحاثنا المتطورة، فقد بات واضحًا لنا كيف يُتيح منظور المساواة بين الجنسين إلى جانب النطاق العالمي فهمًا جديدًا لما يحدث حينما يلتقي التوسّع في التعليم مع ثورة النوع الاجتماعي”.
وختم حديثه قائلًا: “وفي ضوء احتفالنا بيوم المرأة العالمي، فإننا نأمل بأن تساعد النتائج التي توصلنا إليها في تحفيز مناهجَ تراعي الفروق بين الجنسين لجمع البيانات وتطوير الأبعاد وذلك من أجل توفير الاستنارة للسياسة التعليمية والاجتماعية”.
- ترجمة: مها عيد يماني
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1