كيف يمكنك إيقاف التمرير والتركيز في عملك؟

ملخص: من السهل أن تتشتت أثناء العمل، لا سيما عندما يصبح هاتفك مصدرا لهذا التشتت. إذن، كيف يمكنك الحد من المشتتات الرقمية وإنجاز عملك؟

  • استخدم المؤقت الزمني: غالبا يصبح إحراز التقدم في المشاريع الكبرى والمهمة مثبطا لعزيمتك إذا نتج عنه تلقي ردود الأفعال السلبية؛ مما يدفعك في بعض الأوقات إلى التساؤل متشككا في قدراتك، حتى تولد هذه التحديات شعورا بالنفور الغريزي نحو الحفاظ على تركيزك، ويسهل تشتيتك سريعا. لذا، إذا واجهت صعوبة في إنجاز مهامك، يجب أن تضبط المؤقت الزمني لمدة خمس أو عشر دقائق. ففي كثير من الأحيان، قد يساعدك الوقت الإضافي هذا أن تبقى منكبا على عملك بدلاً من الاستسلام أو المماطلة.
  • ضع الراحة في خطة عملك: قد يصيبنا الملل بصورة متكررة، ولكن بدلاً من اللجوء إلى الهاتف، يجب أخذ قسط من الراحة والمداومة على ذلك، ويمكن عمل ذلك ببساطة، «فعندما أشعر بنفاد أفكاري، أتجول لمدة دقيقتين؛ لأن المسافة القصيرة هذه ستسمح لعقلي بالانتعاش والعودة إلى العمل من جديد بمزيد من الأفكار».
  • أترك الهاتف بعيدا عنك: يجب أن تترك الهاتف في أبعد مكان عنك عند البدء في مهمة لك. لذا، إذا كنت تعمل على سبيل المثال في إحدى غرف الاجتماعات بمقر عملك، أترك هاتفك بدرج المكتب. فإذا شعرت بالملل، ستكون أقل تحفزا للسير بطول الممر لمجرد تصفح الإنستجرام.

عندما أصعد الطابق العلوي لبدء العمل اليوم من المنزل، هنالك التوقعات الكبرى فيما يتعلق بمدى الإنتاجية التي سأحققها على مدار اليوم – وهذا نابع ما إذا كان الهاتف سيظل معي أو سأتركه بصورة جبرية أو بمحض الصدفة في الطابق السفلي؛ إلا أنه في هذا الصباح تركت الهاتف بجانبي. أثناء كتابتي لهذه المقالة، أشعر بأنني عالقة في كل مرة، لذا ألتقط جوالي بصورة تلقائية لأتصفح المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الراحة، وتفقد الرسائل الجديدة، وإبداء التعليقات، وتفقد المتابعين بصورة فورية؛ مما يجعلني أتحسن بصورة أفضل؛ لكن يولد هذا شعورا بالعزوف عن استئناف عملي؛ لأن برنامج مايكروسوفت وورد لم يعزز عندي الإيجابية نفسها التي شعرت بها من استخدامي لمواقع التواصل الاجتماعي.

لكن، من ناحية أخرى، أردد هذا السؤال في قرارة نفسي وهو إن لم أتشتت باستخدام الجوال، فماذا عن مستخدميه من هؤلاء الشباب العاملين الذين نشئوا على استخدامه؟

إن كنت من مواليد الجيل الأول الذي نشأ بالكامل على الوسائل التكنولوجية، كالجيل «Z»، فعلى الأرجح أن تقضي منتصف الوقت في التصفح على جوالك أكثر من أجيال الألفينيات المنجذبين لهواتفهم، وحسبما أوضحت الأبحاث، فإن 31% من جيل «Z» يبدون عدم الارتياح من عدم استخدامهم لهواتفهم لمدة ثلاثين دقيقة أو أقل، في حين 58% منهم يتفقد رسائل البريد الإلكتروني عدة مرات في اليوم الواحد، وما يزيد عن خمسة عشر بالمائة يستخدمون هواتفهم لعشر أو ما يزيد عن عشر ساعات، لكن لا ندع لمثل هذه الوسائل التكنولوجية أن تحد من قدرتنا على التركيز أو العمل بذكاء حتى وإن كان لدينا من الإمكانات لنصبح أكثر اعتمادا على الأجهزة والوسائل تلك أكثر من غيرها.

أجريت اللقاءات مع العديد من الضيوف في برنامجي الإذاعي لكي أتعرف كيف يمكننا الابتعاد عن المشتتات وإنجاز أعمالنا. وهنا أسرد بعض التكتيكات التي ناقشناها لتساعدك على التركيز من أجل إنجاز مهامك وهي.

أولاً: استخدم المؤقت الزمني

منذ فترة قريبة، حاورت »سكوت يونغ«، مؤلف كتاب التعلم الفائق الذي أشاد به النقاد، والذي يسلط الضوء على سبل المحافظة على التركيز بشكل أفضل؛ فيرى يونغ أن قدرتنا على التركيز تعتمد على إدارة عواطفنا؛ فتحقيق التقدم في المشاريع الكبرى المهمة قد يصبح مثبطا للعزائم نتيجة لردة الفعل السلبية التي يمكن أن نتلقاها إزاء هذا؛ مما نتساءل في بعض الأوقات متشككين في قدراتنا. ويمكن أن تدفعنا هذه التحديات إلى الشعور بالنفور الذاتي من حفاظنا على تركيزنا. «فعلى سبيل المثال، هذا الصباح شعوري بنفاد الأفكار من ذهني أصابني بالإحباط الذي جعلني أندفع إلى هاتفي بدلاً من التفرغ للكتابة».

لذا، على أثر ذلك، حاول «يونغ» تجريب عدة استراتيجيات تحسن مقدرته على التركيز والحد من المشتتات الذهنية، تسمى إحداها ب «المؤقت الزمني»، وانبثقت هذه الفكرة عند تدبره لتعلم المواد الجديدة واستذكارها، وكانت أحد الإنجازات التي حققها هي تعلمه لمنهاج علوم الحاسب بالكامل التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي يستغرق في الطبيعي أربع سنوات في أقل من اثني عشر شهرا، دون أن يتلقى أية دروس فيه.

بينما يعمل «يونغ» على إحدى المشكلات أثناء دراسته، دائما ما كان يتساءل حول السرعة التي يجب أن يصل إليها للإجابة في حال عدم معرفته الإجابة الصحيحة على أحد الأسئلة. فأثناء الحوار، أجابني أن «الطريق الذي سلكه خلال دراسته بالمعهد هو بمجرد حيرته عند اختيار الإجابات، كان يوجه بصره صوب الإجابة الصحيحة؛ لأن التقييم الفوري مهم لعملية التعلم» بالرغم أن ذلك كان يفقده تركيزه. لكن، على مدار أعوام، بدل «يونغ» وجهة نظره بأخرى يراها منطقية لكن يصعب بعض الشيء تطبيقها على المسائل المعقدة لسببين؛ أولهما أن عادة ما كانت تتطلب هذه المسائل المزيد من الوقت، إلا أن المثابرة لفترة أطول قليلاً قد أفادته كثيرا أثناء التعلم، وأرغمته على التركيز، والثاني يكمن فيما رَآهُ أن استمراره في سعيه جعله مقدرا الإجابة الصحيحة عن مجرد عثوره عليها فحسب؛ لأن هذا الحل سيظل محفورا في ذاكرته؛ وبالتالي سينسيه مرارة شعوره الأول بالإحباط كما يذكر. وفي الواقع، هذا هو الفرق بين فهم كيفية حل المشكلة، والبحث عن حلول لها، فوجدت أن السببين «منطقيين».

ظل يطبق «يونغ» هذه الأفكار حتى الآن عندما يشعر أنه يعاني من مشكلة أو يؤدي مهمة؛ حيث يضبط المؤقت الزمني لمدة خمس أو عشر دقائق؛ فهذا الوقت الإضافي يمنحه القدرة على المحافظة على تركيزه بدلاً من الاستسلام أو المماطلة.

ثانيا: ضع الراحة في خطة عملك

أوضح «آدَم ألتر»، أستاذ التسويق بكلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، أنه يشعر بالملل بصورة متكررة؛ غير أنه لا يبدل ذلك الشعور باستخدام الجوال بصورة تلقائية لإراحة ذهنه من العواطف غير السارة، بل يفعل شيئا آخر، مشيرا – كما ذكر في حواره لي – إلى أن أفضل ما يمكن فعله هو وضع خطة واتباعها في مثل هذه اللحظات للقضاء على الملل بصورة منتظمة بدلا من التوجه إلى الهاتف، مضيفا أن «في كل مرة تشعر فيها بالملل، يمكنك أن تقدم لنفسك الاقتراحات، ولتكن، على سبيل المثال، التجول لمدة دقيقتين، فهذا ما أفعله في كثير من الأحيان؛ حيث أتجول حول مقر مكتبي، أو أذهب خارج منزلي، أو أصعد إلى الطابق العلوي للمكتب لأصل إلى السطح». فهو يرى أن هذه النزهة القصيرة طريقة طبيعية للبدء من جديد، لمواصلة عمله الذي أصبح يسيرا.

ثمة استراتيجية أخرى يستخدمها «ألتر» وهي التبديل بين المهام. فبدلا من التشتت وتبديد الوقت، يبدأ بالمهام الأكثر بساطة، وعندما تبدو حيرته عند شيء صعب، يقول في قرارة نفسه: «عندما أشعر باستهلاك كامل طاقتي في الأشياء الأساسية، ككتابة ورقة على سبيل المثال، أتجه إلى الأشياء الثانوية، وهكذا أقضي وقتي بحكمة»، وبصفته باحثا، يسعى «ألتر» لمواكبة أحدث النتائج في مجاله، وكثيرا ما يرسل مؤلفاته إلى الدوريات الأكاديمية، لكنه نادرا ما يتفحصها بدقة، غير أنه عندما يشعر بالملل أثناء أدائه لمهمة ما، تعلم كيف يمكنه تغيير طريقة تفكيره بقراءة الدوريات بدلاً من الاستسلام تماما.

ثالثا: أترك الهاتف بعيدا عنك

تعد الهواتف أحد أكبر المشتتات أثناء أدائك لعملك، فأوضحت الدراسات أن الشخص في المتوسط يمسك الهاتف بمعدل 2617 مرة في اليوم الواحد، ويتمثل في السحب، والكتابة، والتمرير، والنقر. ويعد هذا سبلا للمماطلة من إكمال المهمة في اليد، أو نتيجة للمشاعر السلبية التي تراودك حول أدائها كالإحباط، والملل، وما إلى ذلك. تقول في كثير من الأحيان لنفسك: «أنه يجب أن أستخدم الهاتف قليلاً»؛ لكن يعتمد تطبيق هذه الاستراتيجية على قوة الإرادة التامة، غير أنه لا يكتفى بهذا العامل وحسب. إذن، حان الوقت لوضع استراتيجية أكثر حزما تمنعك فعليا من استخدام الهاتف.

قبل أن يشغل «تيم كيندال»، منصب الرئيس التنفيذي لشركة «مومنت»، التي ساعدت الناس على استخدام الهاتف المحمول بطرق صحية، كان يشغل المنصب ذاته في شركة «Pinterest» . أثناء تلك الفترة، كان يسعى جاهدا إلى التوقف عن استخدامه لهاتفه، فشرع في إجراء بحثه واصفا إياه ب«أساليب القوة الغاشمة» حتى توصل إلى تصميم حافظة الأطعمة، وهي حافظة مصممة بمؤقت زمني للحفاظ على الأطعمة بإحكام الغلق عليها بأغطية الأمان، وكانت في الأساس مصممة للمساعدة على فقدان الوزن التي توصل إليها أخصائيو التغذية لتوقف عن تناول الأطعمة غير الصحية، وفي الأعوام الأخيرة وجد استخدام آخر لهذا المنتج وهو مساعدة الذين يجدون صعوبة في التوقف عن استخدامهم المفرط للهاتف نظرا لحجم المنتج المثالي لإحكام الغلق عليه.

ذات يوم، جرب «كيندال» في البداية وضع الهاتف في الحافظة، ثم تركه لبضع ساعات في العطلة الأسبوعية، إلا أنه لم يعتد على استخدامها بصورة منتظمة، على الرغم أنها أثبتت فاعليتها في ذلك الوقت على ما رأى، مشيرا إلى أن «هذا الشيء الذي قمت به يناسبني في المنزل، لكن لدي مكتبا حيث أترك الهاتف لأتناول وجبة العشاء مع أسرتي، وأستمتع بقضاء الليلة معها، فلن أدعها لاتخاذ الهاتف حتى يحل صباح اليوم التالي، وقد أثبتت هذه الطريقة نفس الفاعلية التي أثبتتها الحافظة عند وضع الهاتف فيها من السادسة مساء حتى الثامنة صباحا».

لا أطلب منكم شراء الحافظة، بل إنها مجرد طريقة للحفاظ بها على تركيزك، فأترك الهاتف في أبعد مكان لك عندما تبدأ مهمة. فإذا عملت بإحدى غرف الاجتماعات بمقر عملك، فأترك هاتفك بدرج مكتبك على سبيل المثال؛ مما ستكون أقل تحفزا للسير على الممر لمجرد تصفح الإنستجرام. قد تفقد قدرتك على التركيز من وقت لآخر؛ لكن الحفاظ عليه أمر إلزامي كي تكون أكثر إنتاجية؛ فالتركيز يساعدك على أن تكون متزنا، ثابتا، محققا لأفضل النتائج، ويكمن هذا الشيء في قوة عقولنا التي يمكن أن ندربها على تجاهل المشتتات باتباع الخطوات السابقة لإجراء تغييرات صغيرة واستهلاك وقتنا بطرق مفيدة.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق علمي ولغوي: فهد محمد
  • المصادر: 1