لماذا نلمس وجوهنا كثيرًا؟

النقاط الأساسية

  • يبدأ لمس الذات كآلية لتهدئة النفس منذ المرحلة الجنينية في الحياة.
  • الدماغ هو من يطلب منا تهدئة الذات لإزالة الملل وتوجيه الطاقة الزائدة إلى نشاط ما أو لتخفيف التوتر مثلًا.
  • يلجأ البشر إلى لمس وجوههم لتحقيق تهدئة الذات لأن نهايات الوجه العصبية غزيرة وقريبة إلى الدماغ.

هل تساءلت يومًا عن السبب الذي يدفعنا لطرق الأشياء بأصابعنا أو هز أرجلنا عندما نكون على الطاولة بانتظار وصول طلبيتنا؟

أو لماذا مثلًا يمد الأطفال أيديهم إلى الخارج مع فرد الأصابع بشدة عندما يستيقظون مرعوبين من النوم؟

حسنًا، لماذا نتجمد في مكاننا عند سماع دوي صوت عال؟ ولماذا يقرص الناس شفاههم أو يلعبون بشعرهم عند قراءة كتاب ما؟

لماذا نفعل كل هذه الأشياء؟

الحاجة إلى تهدئة الذات

الحقيقة هي أننا نطرق بأصابعنا ونهز أرجلنا لأن الحركات المتكررة تُهدئنا، في حين يمد الأطفال أيديهم ويفردون أصابعهم عند الخوف (منعكس مورو) لأنه ومنذ ملايين السنين امتلكت أمهات البشر شعرًا طويلًا جدًا وكان الأطفال بحاجة للتمسك به (منعكس الإطباق) إذا اضطرت الأم للتحرك بشكل مفاجئ.

يمكن تفسير التجمد في المكان عندما نسمع صوتًا أو نشعر بأن هناك شيئًا ما خاطئًا بكونها آليةً تطوريةً لحمايتنا من المفترسات (خصوصًا السنوريات الكبيرة كالأسود والنمور)، إذ إن الأسد مثلًا لن يبدأ بمطاردة الفريسة حتى تبدأ هي بالركض أولًا وعندها سيقوم الأسد بالمطاردة ثم العرقلة فالعض، تلك هي السلسلة التي تطبقها كافة السنوريات للقتل؛ وبطبيعة الحال لن يستطيع كائن ما من تمرير مادته الوراثية DNA إلى الأجيال القادمة إن كان ميتًا لذلك تعلمنا الوقوف في المكان كرد فعل سريع عند الإحساس بالخطر لتجنب الموت، إذ تسمى العملية السابقة برد فعل الهرب أو القتال أو الثبات Fight or flight or freeze response.

تلعب النساء بشعرهن ويفرك الرجال لحيتهم لأن ذلك ببساطة يمنح شعورًا جيدًا إذ إن ذلك يساهم في تحقيق الراحة الفيزيولوجية إضافةً إلى مجمل اللمس الذي نقوم به على مدار اليوم، وبتعبير آخر أكثر علميةً: اللمس بالطريقة الصحيحة يحرض إفراز الأوكسيتوسين Oxytocin والسيروتونين Serotonin والدوبامين Dopamine وهي مواد كيميائية تساعد الجسم على التعامل مع التوتر بإعطائه شعورًا مريحًا وهذا ما نشعر به عندما نكون في «مزاج جيد».

يمضي البشر منذ الحياة الجنينية الكثير من الوقت وهم يقومون بعملية «تهدئة النفس» سابقة الذكر، بدءًا بمص الإبهام أو التشبث بدميتنا المفضلة ونحن صغار حتى قبض أيدينا معًا ونحن في انتظار إعلان نتائج الامتحان، بالمختصر فإننا نستمر بالقيام بتهدئة وطمأنة الذات لأن أدمغتنا تأمرنا بذلك.

تبقى أيدينا مشغولة على مدار اليوم سواءٌ أكان ذلك بالحك تارةً أو بالإمساك والدلك تارةً أخرى؛ يهدف ذلك إلى إزالة الملل وتحرير الطاقة الزائدة وقائمة الحالات التي تستوجب هذه الأفعال طويلة جدًا: بدءًا من مواقف بسيطة كالانتظار لسماع خبر ما أو محاولة ترتيب الأفكار إلى جملة مفيدة وصولًا إلى المواقف الأشد كالدقائق السابقة لمقابلة عمل مهمة أو عندما يكون الجو مشحونًا لأي سبب كان؛ إن أدمغتنا لا تطلب فحسب بل إنها تامرنا بأن نحرك أجسادنا (وخصوصًا الأيدي) للتخلص من ذلك التوتر، وعلى الرغم من مساحة الجلد الواسعة التي نملكها فإن الوجه هو الجزء الذي يتلقى معظم الاهتمام اللمسي الذي نقدمه في هذه الحالة.

كيف يمكن للمس الوجه أن يكون مهدئًا؟

تتعدد حركات لمس الوجه التي نقوم بها: كفرك الذقن عند التفكير بسؤال محير أو نقر الشفاه عند الملل والانتظار وحتى حك الحواجب أو الخدود للحفاظ على الانتباه في حين نقوم بفرك الأعين ووكز طرف الفم عند الإرهاق أو الكسل، إننا كبشر لا نلمس أي جزء من جسمنا أكثر من الوجه (حتى عدة مرات في الدقيقة في بعض الأحيان)، وإذا أردت اختبار هذا فادع أصدقاءك لمشاهدة فلم مرعب وستلاحظ كم سيلمسون وجوههم في أثناء المشاهدة إذ إن أفلام الرعب تخلق تلك الحالة من التوتر وعدم الاستقرار التي تدعو دماغنا إلى طلب تهدئة الذات وكما اتفقنا فإن لمس الوجه هو الطريق المختصر لتحقيق ذلك.

حسنًا، نحن نحتاج لتهدئة الذات، فلماذا الوجه؟

يتعلق الموضوع بالكفاءة الاقتصادية (وتعني ببساطة تحقيق المطلوب بأقل تكلفة ممكنة)؛ يمتلك الجسم العديد من النهايات العصبية القادرة على تهدئة الذات ومنها تلك الموجودة في رؤوس الأصابع والتي تستطيع اللمس والإحساس بدقة وعندما يتعلق الأمر بتهدئة الدماغ لا يمكن لأي مجموعة من النهايات العصبية أن تفي بالغرض إذ إنه للوصول للراحة النفسية عن طريق اللمس يجب للنهايات المحفَزة أن تكون عالية الحساسية بالإضافة لكونها قريبةً من الدماغ حتى تصل الإشارات العصبية بسرعة وكفاءة. لحسن الحظ فإن الوجه يمتلك كمًا وفيرًا من هذه النهايات العصبية الحساسة والسريعة في إيصال الإشارة، بالمحصلة فإن لمسةً رقيقةً على الفم تمتلك نفس التأثير المهدئ لقبلة لطيفة على الجبهة؛ يكمن تفسير هذه الظاهرة في عصبين من أعصاب الدماغ وهما العصب القحفي الخامس (العصب مثلث التوائم Trigeminal nerve) والعصب القحفي السابع ( العصب الوجهي Facial nerve) اللذان يمدان الوجه بشبكة واسعة شديدة التفرع من الألياف العصبية مما يمنح الوجه الكثير والكثير من الأماكن الحساسة لأدق اللمسات والتي تمتلك القدرة على تهدئتنا كلما احتجنا لذلك.

في حين يمكن لتدليك لطيف للأقدام أو الأكتاف أن يمنحنا شعورًا غامرًا من الراحة فإن ذلك لا يحدث كل يوم؛ بتعبير آخر إن ذلك «لا يمتلك الكفاءة الاقتصادية» فهو غير عملي ولا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق حاجاتنا الآنية من الطمأنينة، على عكس الوجه فهو سهل الوصول والموجود دائمًا على مقربة لذلك فإننا نفضله بشكل غير واع لأنه يعطينا ذلك الهدوء النفسي مما يريح دماغنا ويعيده إلى حالة الاستقرار المرغوبة.

لذلك في المرة القادمة التي ترى فيها شخصًا يلمس قمة أنفه عندما يُسأل سؤالًا حساسًا هنئ نفسك لأنك تعرف أنه يحفز الجزء القاصي من العصب القحفي الخامس؛ هذا اللمس الدقيق يزيل التوتر اللحظي بتفعيله لسبيل عصبي مباشر مثبت علميًا وهو وسيلة فعالة وسريعة لتحقيق تهدئة الذات وإيصال الدماغ إلى الراحة النفسية.

  • ترجمة: عبدالله دالي
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1