يمحو البشر معلوماتٍ تعود لمليارات السنين من النيازك القديمة

تمّ حذفُ معلومات قيّمة موجودة داخل النيازك خلال محاولة معرفة ما إذا كانت إحدى الصخور نيزكًا أم لا، وتحديد نوعه بطريقةٍ سهلةٍ وشائعة.

وجد علماءٌ من جامعة باريس الفرنسيّة ومؤسسة ماساشوستس للتكنولوجيا أنّ استخدام المغناطيس النادر على الأرض، مثل: النيوديميوم، يمحي ويستبدل السجلات المغناطيسية المقفلة داخل المعادن المغناطيسيّة في النيازك، وبما أنّ العديد من النيازك التي تسقط على الأرض تحمل معادن هامة، فهذا يعني أنّنا نخسر معلوماتٍ مهمّة بسبب تعديل الحقول المغناطيسية لهذه النيازك في الفضاء عبر مليارات السنين.

تقدم النيازك معلوماتٍ قيِّمة عن التشكيل الكوكبي وتطوره.

وثّقت دراسةٌ تهتمّ بالمغناطيسية القديمة التلاحم داخل القرص الكوكبي، التطور الحراري، التنوع في الكويكبات وتاريخ التفاعل الكوكبي.

كتب فريق بقيادة عالمة الكواكب “فوتيني فيرفيليدو/ Foteini Vervelidou” من مؤسسة ماساشوستس للتكنولوجيا، أنّه لا زال احتمال هذه القياسات المغناطيسية في تَقدُّم العلوم الكوكبية يواجه عائقًا شديدًا بسبب تقنيةٍ مستخدمة على نطاقٍ واسع، وهي (تصنيف النيازك بمساعدة مغناطيس اليد).

حيث يؤدي لمس النيزك بمغناطيس إلى تدميرٍ شبه فوري لسجله المغناطيسي.

إن التعرض لحقلٍ مغناطيسي له تأثير مهم على المعادن، لأنه وخلال عملية تشكل القطع المتناثرة إلى صخر، تقوم البلورات ضمن المعادن المغناطيسية بالاصطفاف مع الحقل المغناطيسي وفي بعض الحالات تصبح ممغنطة ذاتيًا، ما يوفّرُ سجلًّا عن قوة وانتظام الحقل المغناطيسي الذي سببها.

تُعرف دراسة هذه السجلات على سطح الأرض باسم “المغناطيسية القديمة”، ويستعملها العلماء لفهم الحقل المغناطيسي للأرض وكيفية تشكّله وتطوره عبر الزمن.

إنّ الأرض تحتنا غنيّة بمثل هذه السجلات، ما جَعَلَنا قادرين على تعلٍم الكثير عن كوكبنا المتغيّر دائمًا.

ًمِن المُتَوَقّع أنّ بعض العوالم الصخرية الأخرى تحتفظ بسجلاتٍ مماثلة، لكن قدرتنا في الوصول إليها مقيدة، كمثال: المريخ والذي يعتبر ذو أهمية ضخمة. يولد الدينامو (وهو تيار مائي دوار ومتحرك موصول بأعماق الكوكب، يحوّل الطاقة الحركية إلى طاقة مغناطيسية) الحقل المغناطيسي للأرض.

لا يملك المريخ في هذه الأثناء دينامو فعَّال، ويعتبر اختفاء حقله المغناطيسي لغز.

من الممكن أن تكشف الصخور القديمة من المريخ الكثير عن الفترة التي امتلك فيها دينامو فعَّال، ولكن هذه الصخور يندر وجودها على الأرض.

يُعد نيزك Black Beauty المعروف أيضًا باسم شمال غرب إفريقيا 7034، والذي تم استرداده من رمال الصحراء المغربية في عام 2011 مثالًا مشهورًا عن الصخور المريخيّة، إنّه أحد أقدم النيازك القادمة من المريخ والموجودة على الأرض، يحتوي على أجزاءٍ يعود تاريخها إلى 4.4 مليار سنة، عندما كان النظام الشمسي والكواكب بداخله حديثي الولادة.

اعتقد العلماء أنه يجب الاحتفاظ بسجلٍّ لدينامو المريخ في هذا الوقت، لكن عندما ذهبوا للتحقق من السجلات المغناطيسية في الأجزاء الصخريّة لم يجدوا شيئًا أبدًا. مهما كانت السجلات المغناطيسية للمريخ التي بقيت في NWA 7034 بعد رحلته إلى الأرض فقد تم محوها بواسطة المغناطيس الذي استخدمه صيادو النيازك ليثبتوا اكتشافاتهم.

شوهدت هذه الظاهرة في العديد من النيازك، لكن لم يقم أحدٌ بإجراء تحقيق منهجيٍ حول كيفية حدوثها.

لذا أجرت فيرفليدو وزملاؤها تحليلًا متعدد الخطوات يجمع بين النمذجة العددية، وإعادة مغنطة البازلت الأرضي باستخدام مغناطيسٍ يدوي، ودراسة 9 أجزاء من النيزك الأصلي الذي أنتج NWA 7034.

قاموا بحساب حجم المجال المغناطيسي أولًا حول مغناطيس اليد، وتأثير هذا المجال على الصخور ذات الأحجام المختلفة، واختبروا بعد ذلك نتائج حساباتهم على أجزاءٍ من البازلت الأرضي، بقياس مغنطة الصخور قبل وبعد التعرض لمغناطيس نيوديميوم.

تم إزالة مغناطيسية العديد من القطع بشكلٍ كامل بعد تعرضها لمغناطيس اليد، وكان البعض الآخر متماسكًا أمام إزالة المغناطيسية الجزئية التي لوحظت في قطع النيزك.

وجدت دراسة 2014 المذكورة أعلاه ل NWA 7034 أنّ الحجر قد تم محوه، لكن الأجزاء الأخرى من النيزك الأصلي ربما لا تزال تحتفظ بآثار السجل المغناطيسي الأصلي، لذا كانت الخطوة التالية من البحث هي اختبار هذه الأجزاء الأخرى، لكن للأسف وجدت فيرفيليدو وفريقها أنه لا يوجد أي أثر لهذه السجلات، وقد تم مسحها بالكامل.

ومع ذلك، أظهر البحث أن الاضطراب المغناطيسي تقدمي، ويتبع منحنى مماثل لإزالة المغناطيسية تاركًا دليلًا للعلماء الذين سيدرسون مغناطيسية النيازك في المستقبل عن مدى عمق إزالة المغناطيسية، مما يسمح لهم بالعثور على عيناتٍ تحتفظ بالمجالات المغناطيسية المتحجرة، إمّا من العمليات الكوكبية أو من النظام الشمسي نفسه.

هناك بالفعل تقنيّاتٌ متاحة هذه الأيام يمكن أن تساعد في تحديد النيازك دون تدمير المعلومات الداخلية الدقيقة.

كتبَ الباحثون: “لقد أثبتت العديد من الدراسات أن استخدام عدادات الحساسية المغناطيسية هو أسلوبٌ دقيقٌ وغير مدمّر لتحديد النيزك وتصنيفه، ويمكن استخدامها ليس فقط للتمييز بين النيازك والصخور الأرضية ولكن للتمييز أيضًا بين الأنواع المختلفة من النيازك. ما زلنا نأمل أن المزيد من الأحجار المقترنة ب NWA 7034 والنيازك المريخية الجديدة ستصبح متاحةً في المستقبل القريب وستكون خالية من تأثيرات إعادة المغناطيسية”.

  • ترجمة: محمد ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1